الشرق الأوسط ــ لندن: زحف الصحراء لن ينتظر المناخ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط ــ لندن: زحف الصحراء لن ينتظر المناخ

نشر فى : الخميس 23 يونيو 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 23 يونيو 2022 - 7:50 م
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب بتاريخ 19 يونيو تناول فيه استهانة العالم بمشكلة التصحر التى يمكن أن يساهم حلها فى حل قضية الأمن الغذائى، وحث العالم لمواجهة تلك القضية بجدية دون انتظار حل مشكلة المناخ.. نعرض من المقال ما يلى.

كانت التغطية الإعلامية خجولة لأعمال القمة الخامسة عشرة للدول الأعضاء فى «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، التى عُقدت فى أبيدجان، عاصمة شاطئ العاج. فمع أن عدد الدول الموقعة على اتفاقية التصحر بلغ 196، وهو يوازى تلك التى وقعت على اتفاقية باريس المناخية، إلا أن العالم لا يزال يعتبر التصحر مشكلة محلية لا ترقى إلى مرتبة التحدى العالمى. لذا لم ينجح المؤتمر فى إقرار خطة ملزمة للتعامل مع موجات الجفاف، التى تصيب مناطق شاسعة وتهدد الأمن الغذائى والصحة البشرية. فقد ضربت أفريقيا وحدها خلال العامين الأخيرين فقط 14 موجة جفاف حاد. غير أن هذا لم يكن كافيا لحض الدول على وضع التزامات مرتبطة بجدول زمنى، مشابهة لصيغة «بروتوكول كيوتو» لخفض الانبعاثات الكربونية وتعهدات الصندوق الدولى للمناخ فى اتفاقية باريس.
•••
الواقع أن معظم الدول ما برحت ترفض اعتبار التصحر مشكلة عالمية، رغم أن الحقائق تثبت العكس. فالجفاف بدأ يضرب مناطق واسعة فى أمريكا وأوروبا، بوتيرة متسارعة، يضاعفها ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول بسبب التغير المناخى. ولأن الجفاف سيكون أشد حدة فى أفريقيا وحوض البحر المتوسط الشرقى، فهو سيؤدى إلى تزايد موجات النزوح نحو الغرب لملايين البشر الباحثين عن مكان يقدم أبسط مقومات الحياة. لكن بينما دعت الدول الأفريقية الأكثر تأثرا بالتصحر والجفاف، مدعومة بدول أخرى من آسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبى، إلى اتفاقية ملزمة مع تمويل مناسب، رد الجانبان الأوروبى والأمريكى أنه يمكن التصدى للتصحر ضمن الآليات التمويلية الموجودة، بما فيها تلك المخصصة لتغير المناخ. وفى حين يبدو هذا الطرح منطقيا لتجنب الازدواجية، إلا أن التمويل المناخى يعانى عجزا كبيرا أيضا، وقد تكون أولوياته مختلفة. وكانت التسوية تأجيل اتخاذ قرار فى الموضوع إلى القمة السادسة عشرة، التى عرضت السعودية استضافتها فى الرياض بعد سنتين. صحيح أن اجتماع أبيدجان قرر إعادة تأهيل مليار هكتار من الأراضى المتصحرة حول العالم بحلول سنة 2030، لكن، فى غياب التمويل الكافى، يشكك البعض فى إمكانية تحقيق هذا الهدف الطموح، ويتخوفون من أن يلقى مصير أهداف مماثلة وضعتها الاجتماعات السابقة. وللدلالة على هذا، فقد أخفقت مبادرة «الجدار الأخضر العظيم»، التى أُطلقت عام 2007 لتخضير 8 آلاف كيلومتر عبر القارة الأفريقية، فى تحقيق أكثر من 15 فى المائة من أهدافها المرسومة.
ويكفى لفهم خطورة المشكلة التذكير بأن ثلثى أفريقيا وبعض مناطق غرب آسيا، ومنها دول عربية، هى صحراء طبيعية أو أراضٍ جافة، تتمتع بإنتاجية محدودة. والأخطر أن 65 فى المائة مما تبقى من أراضٍ كانت صالحة للزراعة تدهورت بسبب سوء الإدارة والحروب والنزاعات. وأظهرت دراسة عُرضت فى مؤتمر أبيدجان أن أفريقيا تخسر 4 ملايين هكتار من الغابات سنويا بسبب قطع الأشجار للحطب وإنتاج الفحم، الذى لا يزال مصدرا رئيسيا للوقود فى المناطق الفقيرة. وهذا يجعل تأمين مصادر مضمونة للطاقة أولوية عاجلة لمحاربة التصحر وتغير المناخ، أكانت من الشمس والرياح أم من البترول والغاز.
•••
وقد تزامنت «قمة الصحراء» مع عواصف رملية عاتية ضربت بلدانا عربية عدة، من الإمارات والكويت والسعودية إلى العراق وسوريا والأردن. وهذا دليل متجدد على توسع مشكلات التصحر والجفاف، بسبب تغير المناخ وآثار الحروب والتوسع العمرانى غير المتوازن. صحيح أن الربيع هو فصل العواصف الرملية فى المنطقة، لكنها كانت هذه السنة أكثر حدة وتكرارا. فقد شهدت بغداد مثلا 10 عواصف ضخمة شهريا، بينما كانت فى السابق بين 1 ــ 3 عواصف. وقد غطت العواصف الرملية سماء كثير من المدن العربية بغشاء أحمر، فتسببت بمشاكل صحية، وأجبرت المدارس وقطاعات الأعمال على الإقفال. ويقدر البنك الدولى الخسائر الناجمة عن العواصف الرملية فى الدول العربية بأكثر من 13 مليار دولار سنويا، معظمها فى القطاع الزراعى والمطارات والموانئ والطرقات، إلى جانب الصحة البشرية. ولأن الحرارة ترتفع فى المنطقة العربية بسرعة تفوق ضعفى المعدل العالمى، مع نقص حاد فى الأمطار، فمن المؤكد أن يتسبب هذا فى ازدياد الجفاف والعواصف الرملية. وتُعد المبادرة السعودية لتخضير مساحات شاسعة من أراضيها، والمشاركة مع البلدان المجاورة فى توسيع الغطاء الأخضر بزراعة مليارات الأشجار، أكبر برنامج فى المنطقة لإدارة المناطق الجافة والتصدى للتصحر والعواصف الرملية.
• • •
يخلط كثيرون بين الصحراء كنظام طبيعى متكامل له خصائصه التى يجب الحفاظ عليها، والتصحر الذى هو تحول الأراضى الخصبة إلى أراضٍ غير صالحة للإنتاج، بسبب النشاطات البشرية. وهذا يتراوح بين القضاء على الغطاء النباتى بسبب التمدد العمرانى والرعى الجائر وقطع الأشجار لإنتاج الفحم، والممارسات الزراعية المكثفة التى تُفقد الأرض مكوناتها الخصبة، والإهمال. لهذا، فمكافحة التصحر وتدهور الأراضى لا تقتصر على التشجير، بل هى عملية متكاملة لإدارة الأراضى والتنمية.
مع أن التصحر مشكلة عالمية، فالآثار الأكثر حدة تقع على المزارعين فى الدول الفقيرة، حيث الخسائر الاقتصادية لتدهور الأراضى الخصبة هائلة. وقد أثبتت مضاعفات الحرب فى أوكرانيا أن الإنتاج المحلى هو الضمان الأكبر لتحقيق الأمن الغذائى، بما يحتم الحفاظ على كل شبر من الأرض الصالحة للزراعة.
المهمة الأولى هى بناء القدرات المحلية ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات وتشجيع استخدام الأنواع النباتية المحلية. والمطلوب أيضا استقطاب مزيد من الاستثمارات للتنمية الزراعية والريفية، تركز على مساعدة المزارعين الأفراد والعائلات الزراعية ودعم قدرتهم على التملك. فالشعور بمسئولية الحفاظ على قيمة الأرض الزراعية المملوكة يحميها ويرفع الإنتاج. لكن هذا كله لا يجدى إذا لم توضع معايير صارمة لاستعمالات الأراضى، تحفظ التوازن بين الحاجات المختلفة وتحافظ على الأنظمة الطبيعية. ولعل أهم ما توصلت إليه مناقشات مكافحة التصحر فى الاجتماعات الأخيرة التوافق على ضرورة التعاون مع الاتفاقيات الدولية المختلفة، خصوصا المناخ والتنوع البيولوجى، لتجنب التكرار والتداخل، واستقطاب تمويل أكبر لمشاريع متكاملة. وقد بينت الدراسات أن كل دولار يُصرف فى الحفاظ على إنتاجية الأراضى ومنع تدهورها يعطى مردودا يصل إلى 30 دولارا.
مشاكل المناخ والتصحر والتنوع البيولوجى مترابطة، ومعالجة إحداها تنعكس فوائد على الأخرى، مما يتطلب مقاربات متكاملة تقوم على العمل عليها معا. فالتصدى لتحديات عاجلة، مثل وقف التصحر والقضاء على الفقر، لا يحتمل الانتظار ريثما تُحَل مشكلة المناخ.
التعليقات