بالتزامن مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، التي تسلمتها في 10 فبراير الماضي، سعت الدولة المصرية لإعادة فتح ملف إفريقيا من جديد، وتوطيد علاقاتها بمعظم الدول الإفريقية الشقيقة، وتعزيز المصالح المتبادلة بين الشعوب الإفريقية، في إطار السعي لتحقيق الأمن والسلام والتقدم والازدهار.
وتميزت العلاقات التي جمعت مصر بجمهورية الكونغو الديمقراطية الإفريقية، بقوتها ومتانتها عبر التاريخ، وتطورها الإيجابي وتناميها الملحوظ على جميع الأصعدة، فضلا عن علاقات الدعم والمساندة، التي زخرت بالمواقف التي تعكس قوة العلاقات بين البلدين، فهذا ما أكده كتاب «مصر والكونغو الديمقراطية» الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات لعام 2019.
ولكن.. كيف تتطورت العلاقات بين مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية على مدار التاريخ؟
ترتبط مصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية بعلاقات تاريخية تعود جذورها إلى فترة الستينيات من القرن الماضي، حيث قدمت مصر في إطار دعمها ومساندتها لحركات الاستقلال والتحرر من الاستعمار الأوروبي في دول القارة الأفريقية، وسائل الدعم الممكنة كافة لمساعدة معارك التحرر والاستقلال التي خاضتها الكونغو الديمقراطية ضد الاستعمار البلجيكي.
وساند الرئيس جمال عبد الناصر، الزعيم باتريس لومومبا، وأحقيته في تمثيل الحكومة المركزية، حتى نالت الكونغو استقلالها في 30 يونيو عام 1960، كما قام الإعلام المصري بفضح ألاعيب الاستعمار البلجيكي في بث الانقسام وخلق ومساندة الحركات الانفصالية من أجل الاستمرار في استغلال ثروات البلاد، كما ساندت مصر وحدة الكونغو في مواجهة مؤامرات الانفصال.
كما استضافت مصر عائلة المناضل باتريس لومومبا -زوجته وأطفاله فرانسوا وباتريس وجوليانا- مؤسس حزب الحركة الوطنية الكونغولية وأول رئيس وزراء لهذا البلد بعد الاستقلال عن بلجيكا، والذي قاد حركة التحرر الوطني في بلاده، فقبل مقتله على يد الزعيم الانفصالي تشومبي، قام لومومبا بإرسالهم إلى مصر عندما شعر بالخطر المحدق به، قائلا: "يا أبنائي أنتم ذاهبون لأبيكم جمال" -في إشارة إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر.
وعندما تعرضت الكونغو لاضطرابات مسلحة في عام 1977، استعانت بخبراء عسكريين مصريين إلى جانب قوات من دول أخرى، كما وقعت مع مصر العاصمة الكونغولية كينشاسا في 8 فبراير 1980 اتفاقية تعاون عسكري وفني وتدريب عسكري.
وفي المراحل التالية، دعمت مصر استقرار الكونغو من خلال مشاركة قوات مصرية في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق السلام في الكونغو الديمقراطية؛ بهدف دعم جهود الأمم المتحدة في المساندة للجيش الكنغولي في مواجهة الحركات المسلحة بمنطقة شرق الكونغو للحفاظ على سيادة أراضيها، وحماية ثرواتها التي يتم نهبها عن طريق عدد من الحركات المسلحة بشكل غير قانوني.
وقد تولت مصر رئاسة لجنة عقوبات الكونغو الديمقراطية، خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للفترة 2016-2017، وتهدف اللجنة إلى دعم جهود حكومة الكونغو الديمقراطية ودول منطقة البحيرات العظمى لإحلال السلام والاستقرار ومواجهة خطر الجماعات المسلحة التي تعاني منها المنطقة.
وأكدت مصر أهمية تحقيق الاستقرار في شرق الكونغو الديمقراطية، باعتباره المفتاح الرئيسي للسلام والتنمية في منطقة البحيرات العظمى.
وقد أنشئت لجنة عقوبات الكونغو في مارس 2004 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1533)، وتم تعديل أحكامها بموجب القرار (1807) في مارس 2008، لتفعيل تدابير حظر السلاح المفروض على الحركات المسلحة العاملة في شرق الكونغو الديمقراطية، والعقوبات الموجهة التي تشمل حظر السفر وتجميد الأرصدة ضد الأفراد والكيانات التي تنتهك حظر السلاح أو تساهم في عدم الاستقرار في شرق الكونغو.
وفي إطار رئاسة مصر للجنة العقوبات الخاصة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، قام السفير عمرو أبو العطا مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بزيارة إلى المنطقة على رأس وفد من أعضاء اللجنة؛ بهدف الاطلاع على تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الكونغو الديمقراطية ومحيطها الإقليمي، والتباحث مع المسئولين الحكوميين والأطراف الوطنية حول تأثير منظومة العقوبات المقررة من مجلس الأمن وسبل تعزيز دورها وفعاليتها في دعم الجهود الوطنية الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار في شرق الكونغو الديمقراطية.
كما توطدت العلاقات بين البلدين لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث تتطابق وجهات نظر الدولتين إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، وتأييد الدولتين لخيارات وإرادة شعبيهما في القضايا المصيرية، بالإضافة إلى تأييد كل دولة لمواقف الأخرى أمام المحافل الدولية المختلفة، كذلك تسعى الدولتان إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة استنادا إلى ما تحظيان به من إمكانيات مادية وبشرية هائلة، وتحاولان بذل جهود ملموسة للارتقاء بعلاقتهما الاقتصادية والتجارية.
وفي الوقت الحاضر تساهم مصر بدور مهم في دعم الأمن والاستقرار السياسي بجمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال مشاركتها في بعثة الأمم المتحدة لتثبيت الاستقرار في الكونغو "مونوسكو"، وكذلك من خلال جهودها على الصعيدين الدولي والإفريقي، بالإضافة إلى تعاون الدولتين بشأن مياه النيل لتحقيق صالح جميع دول حوض النيل، كما تساهم مصر في جهود إدارة الموارد المائية في الكونغو الديمقراطية.