داخل قلب ماكينة الحفر العملاقة التي تشق مسار النفق بين محطتي المتحف المصري والرماية، يتجسد واحد من أكثر مشروعات القاهرة تعقيدًا ضمن أعمال الخط الرابع للمترو.
كانت "الشروق" أول صحيفة ترافق هذا العمل الضخم من داخله، لتكشف عن مشهد دقيق ومتواصل لآلية الحفر التي لا تتوقف؛ حيث تعمل ماكينة TBM على مدار الساعة، بلا توقف حتى في الأعياد أو الإجازات الرسمية، في سباق مع الزمن لإنهاء هذا الجزء المحوري من المشروع.

من داخل الكابينة المركزية للماكينة، يتحكم فريق المهندسين في كل تفاصيل العمل؛ فهنا تبدأ العملية من ضبط المضخات الخاصة بالتهوية والحقن، وتمر بتوجيه الماكينة وضبط سرعتها، وتنتهي بمتابعة قوة الدفع أو ما يعرف بـ"الثراست فورس".
ويتيح التصميم المتطور للماكينة التحكم في كل جروب من مجموع الجروبات الأربعة بشكل مستقل، مما يسمح بتكييف الأداء لحظة بلحظة وفق نوع التربة والظروف الميدانية.

وتشير البيانات التشغيلية إلى أن ماكينة الحفر تنجز معدلا يبلغ 42 ملم في الدقيقة، أي ما بين 10 و12 مترا لكل شيفت، وبمجموع يصل إلى نحو 24 مترا في اليوم، رغم أن الأعطال الطارئة قد تؤثر أحيانا في هذا المعدل، وتستمر الماكينة في عملها بنظام شيفتين متتاليتين، 12 ساعة لكل منهما، بما يضمن الحفاظ على وتيرة إنجاز سريعة تتماشى مع الجدول الزمني المحدد.
ومع كل تقدم داخل النفق، تثبت حلقات الخرسانة قطعة بعد أخرى مباشرة خلف رأس الحفر؛ حيث تتكون الحلقة الواحدة من ست قطع يتم تركيبها بعناية فائقة لتدعيم النفق وتأمينه، وبمجرد اكتمال الحلقة، يتم حقن الخرسانة بين جسم النفق والحلقة لتثبيتها ومنحها الصلابة المطلوبة، لتتحول المساحة المحفورة إلى بنية قوية جاهزة لاستكمال الامتداد.

ويعد هذا النفق الرابع ضمن سلسلة الأنفاق التي اكتملت من محطة حدائق الأشجار وصولا إلى المتحف، أما بين محطتي المتحف والرماية، فقد تم إنجاز حوالي 50% من المسار حتى الآن.
ويؤكد المهندسون المسئولون أن إتمام أعمال هذا النفق قد يستغرق أسبوعين فقط، لتواصل الماكينة بعدها طريقها نحو محطة الأهرامات.
تكشف الجولة داخل النفق حجم الدقة والتنظيم في كل مرحلة من مراحل العمل، بداية من التحكم في ضغط المضخات، مرورا بآليات سحب التربة المزالة ونقل المواد الناتجة إلى محطات التجميع، وصولا إلى متابعة تقدم الحفر لحظة بلحظة، كل ذلك يتم وفق منظومة متكاملة تضمن الالتزام بالجدول الزمني ومعايير السلامة والجودة.

- دقة متناهية في تنفيذ النفق بين "المتحف" و"الرماية"
من جهته، قال أحمد عبد الغفار مسئول ماكينات الحفر بالهيئة القومية للأنفاق، لـ«الشروق»، إن الحفر بين محطتي المتحف والرماية يجري بدقة متناهية، مؤكدا أن الخبرة المكتسبة من الأنفاق السابقة أسهمت بشكل كبير في تسريع وتيرة العمل الحالية.
وأوضح أن تضافر الخبرات بين فرق التشغيل والمراقبة والتحكم جعل العمل أكثر انسيابية وقدرة على مواجهة أي متغيرات تحت الأرض.

وأضاف أن ماكينة TBM تواصل دورانها وتقدمها، مستخدمة البساتم التي تدفع الحلقات الخرسانية واحدة تلو الأخرى أثناء إزالة التربة، ليتم نقل التربة السائبة بعد تفتيتها وإعادة تمريرها داخل الماكينة في دورة عمل دقيقة، قبل إخراجها خارج النفق، ما يضمن استمرارية العمل بكفاءة عالية.
وتابع أنه مع تركيب كل حلقة جديدة وحقنها بالخرسانة، يتقدم المشروع بثقة نحو هدفه، حيث أنجزت الماكينة حتى الآن نصف المسافة بين المحطتين، بعد أن أتمت ثلاثة أنفاق كاملة في مسار الخط الرابع، وهذا التقدم يعكس دقة التخطيط الهندسي والالتزام الكامل من فرق العمل، ويمهد لأن تصبح محطة الرماية الخطوة التالية على طريق اكتمال المرحلة الأولى من هذا المشروع الحيوي.
