قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (2) - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع العربى - الإسرائيلى تحوَّل من صراع على الوجود إلى نزاع على الحدود

قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (2)

دينا عزت
نشر في: الجمعة 11 نوفمبر 2011 - 11:50 ص | آخر تحديث: الأربعاء 18 يناير 2012 - 12:28 م

«يدون تجاربه عن حياته الدبلوماسية العملية لمدة تزيد على نصف قرن.. (يقدم) فصولا حية تنطق بالحقيقة عن حدث مر عليه، فلم يكن شاهد عيان فقط، وإنما أيضا مشارك فعال فى سياسة مصر الخارجية»، هكذا قدمت لطيفة محمد سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية، لكتاب نبيل العربى ــ الذى تصفه بحق أنه «أحد فرسان الخارجية المصرية» ــ المعنون «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية».

 

منتقلا من استعراضه لأيام ووقائع الهزيمة العسكرية لمصر فى عام 1967 وما سبقها وتلاها من سوء إدارة سياسية ثم ما أعقب ذلك من التفاوض من أجل السلام، يخصص نبيل العربى الفصل الخامس من كتابه «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» لسيرة كامب ديفيد 1978.

 

وفى مقدمة موجزة يقرر «دخل مؤتمر كامب ديفيد القاموس السياسى العربى من أضيق أبوابه وأصبح يرمز إلى بدء مسلسل تنازلات عن ثوابت القضية الفلسطينية ورضوخ الإدارة الأمريكية». ثم يضيف من فوره أن «هذا التصور لا يتسم بالدقة ويحوى الكثير من المبالغات والمغالطات».

 

وبحسب ما يرى العربى ــ وهو من هو فى عالم الدبلوماسية وعالم القانون الدولى كما وأنه عضو الوفد المصرى المشارك فى مؤتمر كامب ديفيد ــ فإن هذا المؤتمر الذى عقد فى الفترة من 4 لى 17 سبتمبر 1978 «لم يكن بالسوء الذى يصر عليه الذين يهاجمونه ومع ذلك لم تكن نتائجه إيجابية على النحو الذى يطلقه المدافعون عنه».

 

التوازن الذى يدعو إليه الدبلوماسى المصرى والقاضى الدولى فى النظر إلى مؤتمر كامب ديفيد وتحليل مضمونه ونتائجه على مجمل الصراع العربى ــ الاسرائيلى يتطلب النظر فى معطيات الموقف عند انعقاد المؤتمر وأهمها أن كامب ديفيد وقع بعد أحد عشر عاما من حرب 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء والجولان وجميع الاراضى الفلسطينية وإنه خلال هذه السنوات الإحدى عشرة قبلت إسرائيل كما قبلت الدول العربية قرار مجلس الامن 242 الذى يقضى بانسحاب إسرائيل مقابل إنهاء حالة الحرب بنيها وبين الدول العربية.

 

 

الطريق إلى كامب ديفيد

 

ويذكر العربى فى توصيفه لملابسات انعقاد مؤتمر كامب ديفيد إنه جاء بعد ست سنوات من قبول مصر فى عام 1971 «توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل» وذلك فى إطار ردها على مذكرة ممثل السكرتير العام للامم المتحدة المفوض متابعة تنفيذ قرار 242 وبالرغم من عدم قبول إسرائيل ما طالب به ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة من انسحابها إلى الحدود الدولية مع مصر ــ وتغاضى مجلس الامن عن ذلك.

 

فى الوقت نفسه يشير العربى فى صفحات الفصل الخامس من كتابه الذى يؤرخ لجزء مهم من السياق السياسى والسياق القانونى لخسارة مصر جزء من أراضيها الشرقية وسعيها، وبالتأكيد، نجاحها فى استعادة هذه الاراضى إلى أن التفاوض مع إسرائيل من أجل استعادة الأرض وإنهاء حالة الحرب ــ وربما إقامة سلام ــ كان يعد بصورة ما فى حكم المقرر؛ لأن «التاريخ (يؤكد) أن الدول تجتمع دائما على مائدة التفاوض لإنهاء الحرب حتى يحل السلام بينها والاستثناء الوحيد هو حالات الاستسلام غير المشروط لأحد المتحاربين، والحروب العربية الإسرائيلية لم تنته باستسلام غير مشروط، «وحرب 1973 بالذات أنزلت هزائم مادية ضخمة بإسرائيل فى البداية ونجحت فى تدمير اسطورة التفوق الاسرائيلى، ولكنها لم تؤد فى النهاية إلى هزيمة إسرائيلية».

 

ثم يشير العربى، فى معرض حديثه عن كامب ديفيد، إلى مؤتمر الشرق الاوسط فى جنيف الذى عقد يوم 19 ديسمبر 1973، والذى لم ينجح ــ لأسباب يرى العربى بعضها متعلق بالتدخل الامريكى الذى مثله هنرى كسينجر فى حينه ــ فى تحقيق أسباب التوصل إلى سلام فى الشرق الاوسط، كما يشير أيضا إلى انتخاب الرئيس الامريكى جيمى كارتر فى عام 1977 بوصفه «فتح آفاقا جديدة أمام الدول العربية؛ لأنه كان ينادى بحل شامل» كما وأن المستشار السياسى للأمن القومى الأمريكى فى ذلك الحين «زيبنيو برجنسكى» أشرف على دراسة متوازنة بطلب نبذ أسلوب الخطوة خطوة الذى كان يتبعه كسينجر لإضاعة الوقت (كما طالب) بأن تدفع الولايات المتحدة لاحراز سلام عادل وشامل».

 

 

أوهام تحيط بالتفاوض من أجل السلام

 

ولا ينكر العربى إخفاق الإدارة الأمريكية فى عهد كارتر فى بناء سياق متوازن للتفاوض العربى ــ الاسرائيلى ويشير إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات قد «قرأ» هذا الاخفاق على أنه دليل بأن «لا أمل فى الاعتماد على الولايات المتحدة (الأمريكية) لتغيير الموقف الإسرائيلى وإنه يجب أن يواجه الشعب الاسرائيلى ويكسر ما أطلق عليه الحاجز النفسى الذى أعاق تحقيق السلام».

 

كما أنه يشير فى جزء لاحق من الفصل ذاته إلى أن الرئيس كارتر كان غير قادر بالضرورة أيضا على قراءة تفاصيل الموقف بصورة دقيقة؛ لأن الرئيس الامريكى كان يأمل عندما وجه الدعوة إلى عقد مؤتمر كامب ديفيد أن «يؤدى وجوده الشخصى وما يستطيع أن يمارسه من ضغوط بالإضافة إلى وجود الرئيس السادات ورئيس الوزراء (الإسرائيلى مناحم) بيجين إلى التغلب على أى عقبات يصعب على وزراء الخارجية (لمصر وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية)؛ لأنها تحتاج إلى قرار على أعلى مستوى فى الدولة».

 

 

قرارات غير متأنية

 

ولكنه فى سياق عرضه لـ«معطيات الموقف عند انعقاد مؤتمر كامب ديفيد»، وهى المعطيات التى لا يستبعد منها عدم تشاور الرئيس السادات مع الرئيس السورى حافظ الاسد الذى كان يفترض أنه شريك أساسى لمصر فى ذلك الوقت، فإنه لا ينكر أن التوجه إلى مؤتمر كامب ديفيد لم يكن بالخطوة التى تمت دراستها بالعناية الكافية من قبل السادات ــ على أهميتها ــ ويدلل على ذلك بما صاحب وأعقب هذه الخطوة من استقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمى وعدم وجود ضمانات محددة من إسرائيل حول ما ستقدمه فى المؤتمر كذلك عدم وجود تأكيدات واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية حول ما ستطرحه.

 

وفى الوقت الذى كانت مصر تتعرض فيه للضغط الناجم من تشكيك واسع من قبل بعض العواصم العربية فى صواب خطواتها، حسبما يتذكر العربى، فإن «إسرائيل قرأت الموقف قراءة صحيحة وقدرت أن الرئيس السادات أقدم على مخاطرة لم تدرس أبعادها بعناية وأن عدم تحقيق تقدم سريع (فى مؤتمر كامب ديفيد) يضعف موقفه الداخلى ويؤدى إلى زيادة الهجوم على سياسته فى الوطن العربى فلجأت إلى التسويف وكسب الوقت».

 

ويقول العربى إنه يجب التفرقة بين وثيقة كامب ديفيد التى وقعت فى سبتمبر 1978 وبين معاهدة السلام التى وقعت فى واشنطن فى 26 مارس 1979 من حيث إن «وثيقة كامب ديفيد تضمنت النص على الانسحاب الاسرائيلى الشامل وممارسة مصر سيادتها على كامل سيناء بالإضافة إلى حرية الملاحة للسفن الاسرائيلية فى القناة طبقا لاتفاقية القسطنطينية وفى خليج السويس والاستخدام المدنى للمطارات التى تتركها إسرائيل فى سيناء....ثم بعض ترتيبات أمنية، ولا تشمل الوثيقة أى إشارة إلى ما يطلق عليه التطبيع أو أى التزامات إضافية على مصر اللهم إلا إشارة إلى إنهاء المقاطعة وأهمية استكشاف إمكانية تنمية اقتصادية».

 

ويبدو أن هذا السياق أقرب إلى التصور الذى تبناه طاقم وزارة الخارجية قبل التوجه لكامب ديفيد والقائم بالاساس على تنفيذ ما جاء فى القرار 242 أى إنهاء حالة الحرب مقابل الانسحاب إلى الحدود الدولية.

 

وثيقة كامب ديفيد، بالاضافة إلى ذلك، كان بها الكثير من الثغرات السياسية والقانونية ــ التى حاول العربى عرضها على الرئيس السادات فى جدية وهدوء فأجابه الرئيس السادات بغضب عن المواقف السياسية المتصورة من قبله للأستاذ محمد حسنين هيكل الذى يرتبط بصلة نسب مع العربى، قبل أن يدخل وزير الدفاع الاسرائيلى فى حينه عزرا وايزمان ليعانق السادات ويتبادل معه أحاديث بعضها يحمل الشكوى من العربى فيأذن الرئيس للعربى بالانصراف محبطا.

 

وفوق هذا وذاك، يقول العربى، فإن وثيقة كامب ديفيد «تضمنت بعض إشارات إيجابية لصالح فلسطين مثل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة ولكنها أحجمت عن الاشارة إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين وهو ما دفعنى إلى رجاء الرئيس السادت بعدم التوقيع عليها».

 

 

كامب ديفيد.. ما لها وما عليها

 

وإلى هذا يشير العربى إلى أن أحدا فى طاقم الخارجية لم يكن يعتزم إعداد مشروع معاهدة كاملة ولكن الرئيس السادات فجأة يطلب مشروع معاهدة كاملة، فيقوم وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل مع معاونيه بإعداد مسودة تضل طريقها هى الأخرى جراء التعهدات التى يقطعها الرئيس الامريكى لنظيره المصرى ورئيس الوزراء الاسرائيلى بعيدا عن المستشارين السياسيين والقانونيين وسط احساس من التفاؤل الكبير من قبل السادات الذى يروى العربى عنه قوله إنه «قلب المائدة على» بيجين فى وجود كارتر، رغم أن ما تم التوصل إليه سواء فى وثيقة كامب ديفيد أو فى معاهدة السلام حسب رواية «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» ــ وهى الرواية المتسقة مع معظم إن لم يكن كل روايات من شاركوا وشهدوا أحداث تلك الحقبة التفاوضية بما فى ذلك ما تحويه من إشارات إلى ميل السادات للعرض الشفهى أكثر من قراءة مذكرات العرض ــ يبدو مواتيا للمصلحة الاسرائيلية أكثر منه بكثير مواتيا للمصلحة المصرية، بما فى ذلك الرفض الاسرائيلى ــ الامريكى لتضمين الاتفاقية مقترحا مصريا، لإثارة موضوع التسلح النووى الاسرائيلى، وهو ما حدا فى النهاية بمعاونى السادات سواء السياسيون أو العسكريون أو القانونيون، بمن فيهم العربى نفسه، إلى الاعتراض الذى بلغ حد ما يرويه العربى ــ كما رواه أخرين ــ من مقاطعة الوفد المصرى فى معظمه للغياب عن توقيع الوثيقة.

 

وحسب العربى فإن أبرز ايجابيات كامب ديفيد هو ضمان الانسحاب الاسرائيلى إلى الحدود الدولية فيما ثبت أن المعنى القانونى للقرار 242 بما يعنى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى التى احتلتها بالقوة العسكرية فى عام 1967، واقرار مبدأ انتشار قوات تابعة للأمم المتحدة ينشئها مجلس الأمن.

 

أما أبرز السلبيات، فيقول العربى إنها حدوث «شرخ ضخم فى العالم العربى» وارتفاع أصوات تطالب بعزل مصر، والتفاوض حول الوثيقة فى إطار من افتراض حسن النية لإسرائيل مما سمح بصياغات فضفاضة يمكن لاسرائيل التأويل فى تفسيرها وبالطبع عدم الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره والنص على مشاركة الاردن فى المحادثات المتعلقة بالحكم الذاتى دون التشاور مع الحكومة الاردنية مما أدى إلى رفضها المشاركة وتعليق موضوع عودة النازحين والخطابات المتبادلة المتعلقة بشأن القدس والتى أدت إلى اظهار تراجع الموقف الامريكى «لأنه لم يحدث فى تاريخ العلاقات الدبلوماسية أن رئيس دولة يشير إلى موقف بلاده عن طريق الاحالة إلى ما ذكره سفراء لدولته ولا يعبر بنفسه عن موقف» الادارة ذاتها.

 

ورغم تحسب العربى الشديد فى اختيار مفرداته فى ضوء مسئوليته الدبلوماسية السابقة والتكوين القانونى المتملك منه وقيمته الأدبية وشعوره الوطنى إلا أن الاحساس الذى لابد وأن يصل القارئ المتواصل مع الكلمات وتسلسلها والصياغات وتشابكها لا بد وأن يستشعر ما استشعره العربى فى حينه من احساس بالغضب والرفض لما يحدث وما صحب ذلك من محدودية تغيير القرار وهى المشاعر التى لا يبدو أن العربى قد فارقها كثيرا وهو يعود بعد اكثر من 30 عاما ليتذكر ما حدث فى كامب ديفيد.

 

 

الوصول إلى الهند قبل اغتيال السادات

 

ثم يطوى العربى صفحة كامب ديفيد، وإن لم يطو أثرها السياسى والقانونى أبدا، ويمضى قدما حاملا غضبه وقلقه إلى الهند ليصلها قبل اغتيال السادات بشهور ويقضى فيها عامين ونصف العام سفيرا لمصر فى نيودلهى، حيث تنقل كلماته الإعجاب كيفما تسير الامور فى الهند ذات الحكم المدنى الرشيد والفصل بين السلطات والجهاز الإدارى الرفيع المبنى على الكفاءة المطلقة والاهتمام العميق والشامل بالتعليم والقرارات التى تتخذ بأسلوب علمى متحضر «وتقدر الضرر الذى يعود من جراء القرارات الهوائية والعشوائية» ــ التى لا يبدو العربى متجاوزا أبدا لذكرياتها القاسية وتبعاتها على مصلحة الوطن الذى لا يمل فى كل ما يرويه فى «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» من الإشارة إليها.

 

لأن أيام العربى فى نيودلهى كانت فى أغلبها فى ظل حكم الرئيس حسنى مبارك بعد اغتيال السادات فإن بها إشارات، لما يبدو أنه مثير لراحة نفس العربى، من جهود لاستعادة العلاقات العربية العربية، يروى من بينها قصة رسالة مبارك إلى الأسد عبر سفير سوريا فى نيودلهى.

 

 

مشارطة التحكيم فى جنيف

 

فى الفصل «من طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» يعود العربى لحديث العمل الدبلوماسى والجهد القانونى لاستعادة كامل سيناء، هذه المرة من خلال رواية العمل من أجل التحكيم الدولى لاستعادة طابا.

 

ولا يخفى العربى أن تكليفه بمنصب مندوب مصر الدائم لدى المقر الاوروبى للأمم المتحدة فى جنيف من قبل عصمت عبدالمجيد، وزير الخارجية فى حينه، يرتبط بالاساس برغبة الاخير وجود العربى بما يتمتع به من خبرة قانونية وتفاوضية وسياسية فى جنيف لمتابعة مباحثات إبرام مشارطة التحكيم وما صاحب ذلك من محاولة إسرائيلية لفتح باب الحوار مع الفلسطينيين من خلال وساطة البعثة الدائمة لمصر هناك مع ممثلى منظمة التحرير الفلسطينية.

 

وبحكم عمله مندوبا دائما لمصر للأمم المتحدة فى مقرها الاوروبى يتعامل العربى مع مختلف جوانب القضية الفلسطينية ويتذكر ضمن ما يتذكر محاولة مصر للتعامل مع التصويت المقرر من قبل الأمم المتحدة فى أواخر نوفمبر 1947 عندما تقدم محمود فوزى سفير مصر لدى الأمم المتحدة فى ذلك الوقت بمشروع قرار إلى الجمعية العامة «كان إذا كتب له النجاح ربما أدى إلى تغيير مسار القضية الفلسطينية برمتها» حيث اقترح أن ترجئ الامم الجمعية العامة التصويت على التقسيم وتطلب رأى محكمة العدل الدولية حول «مدى صلاحيات الجمعية العامة فى تقسيمى أراضى إقليم ضد رغبة غالبية السكان»، ولم ينجح المشروع كما ذكر العربى بأغلبية الأصوات، فكان أن صدر قرار التقسيم عن الجمعية العامة فى 29 نوفمبر 1947 تحت رقم 181.

 

ثم يعود العربى ليتذكر عشاء أقامه لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات فى دار سكن المندوب الدائم المطل على بحيرة جنيف الرائعة الجمال والذى فرضت عليه السلطات البلدية حصارا أمنيا «بما فى ذلك سيارات مصفحة تغلق الطريق وطائرات هليوكوبتر تحلق فوق حديقة المنزل، وقوارب مسلحة تحوم فى البحيرة، وجنود معهم كلاب حراسة فى أماكن متفرقة من الحديقة»، لينقلب دار السكن الانيق فى ذلك الحى الراقى من جنيف الوادعة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية يتحدث خلالها عرفات مع وزير الخارجية المصرى فى ذلك الوقت عبدالمجيد ونظيره السعودى الأمير سعود الفيصل حول اعتزام الزعيم الفلسطينى ان يعلن فى خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نبذ استخدام القوة ضد إسرائيل صراحة «مقابل تعهد أمريكى، ضمنه عبدالمجيد فيما لحق، بفتح الولايات المتحدة الامريكية لقنوات اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية.

 

كما يتذكر العربى أيضا انتقال مجلس الأمن إلى جنيف ليعقد اجتماعا للنظر فى الممارسات الاسرائيلية فى القدس رغم أن الولايات المتحدة الامريكية كانت ضد هذا الاجتماع وهى بالفعل التى عرقلت صدور بيان عنه قبل ان تحول الضغوط الاسرائيلية على سكرتير عام المنظمة الاممية من الموافقة على مقترح مصر بايفاد لجنة من ثلاثة أعضاء من مجلس الامن للتحقق مما تقوم به فى القدس.

 

ومن مجمل تجربته فى العمل فى مقر الأمم المتحدة الأوروبى فى جنيف، وهى التجربة التالية لعمله فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك، يوجز العربى أن هناك تجارب تابع فيها الاداء الفلسطينى بالمقابل للاداء الاسرائيلى فى التعامل مع ملف الصراع فى المحافل الدولية فكان شاهدا على تخبط وارتجالية أداء السياسة الفلسطينية وهو الاداء الذى طالما فاقم من شأنه التزام السياسة الاسرائيلية إجمالا التخطيط المسبق والدراسة الشاملة التى تقوم بها إسرائيل قبل الاقدام على أية خطوة ذلك بالطبع، حسبما يضيف بدون تردد إلى ما لدى إسرائيل من نفوذ فاعل ونافذ لدى مراكز اتخاذ القرار فى دول كثيرة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التى تعاظم دورها على حساب تراجع دور الامم المتحدة، وهو ما يتفق مع الرغبة الاسرائيلية فى «اقصاء تحقيق السلام عن الأمم المتحدة والدخول فى متاهات اختلفت مسمياتها».

 

وبلغة لا تحتمل التأويل واستنادا على ما قدمه من شروح ووقائع يقول العربى بأن «الموقف الحالى سيئ للغاية ويتدهور بمرور الزمن من سيئ إلى أسوأ» مشيرا إلى أن «ما يطلق عليه عملية السلام الآن كان (بالأساس) اختراعا إسرائيليا ذكيا للالتفاف حول التنفيذ الفورى للقرارات ذات الصلة».

 

وقبل أن يختتم حديثه فى هذا الشأن يذهب العربى إلى أن عملية السلام أصبحت غير ذات جدوى تذكر، ويقول «عندما يقال إن عملية السلام قد ماتت فالمقصود من ذلك أنه لم يعد لها تأثير حقيقى على مجريات الاحداث، وإنه مهما طال زمن الاستمرار فى إطارها فإن السلام لن يتحقق حيث تاهت معالم الطريق».

 

 

الحلقة السابقة:

 

قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (1)



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك