استطاعت إسرائيل، بعد نحو عقدين من الزمان من نشأة الاتحاد الأفريقي، أن تحصل على وضع مراقب بالمنظمة الإقليمية. ولا يخفى أن هذا الانضمام للاتحاد الأفريقي له دلالاته وأبعاده الخطيرة على الأمن العربي، لأنه سيقوض كثيرًا من المواقف الأفريقية الداعمة للقضية الفلسطينية.
ووضع المراقب تمنحه المنظمات الدولية للأطراف الثالثة، والتي غالبًا ما تكون منظمات دولية غير حكومية، وذلك لخدمة المصلحة المشتركة لكل من المنظمة والطرف الثالث من خلال تمكينه من المشاركة في أعمالها. وفي بعض الأحيان، تمنح المنظمات الدولية هذا الوضع للتعامل مع المواقف الحساسة من الناحية السياسية، وذلك بالنسبة للدول المرشحة التي لا تحصل على العضوية الكاملة لأسباب مختلفة. فالأمم المتحدة على سبيل المثال منحت مركز المراقب للدول المنقسمة كحل مؤقت ريثما يستقر مركز الكيانات المعنية. كذلك، منحت الأمم المتحدة هذا الوضع لحركات التحرر الوطنية، كمنظمة التحرير الفلسطينية التي حصلت على هذا الوضع عام 1974، والمنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو).
وقد قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بترقية وضع فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو بموجب القرار 67/19 الصادر في 4 ديسمبر 2012، عندما رفض مجلس الأمن الدولي طلب فلسطين الرسمي بالانضمام إلى الأمم المتحدة. والفئة الأخيرة التي تمنحها الأمم المتحدة هذه الوضعية، المنظمات الإقليمية التي تفي بمتطلبات الفصل الثامن من الميثاق، وكذلك المنظمات الدولية. وقد سارت على نهجها المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى.
ويسمح وضع المراقب لمندوبي الأطراف المعنية بحضور الاجتماعات التي تعقدها المنظمة الدولية، لا سيما عندما تناقش الأخيرة مسائل تهمهم، مما يمكنهم من متابعة أنشطة المنظمة. كما يحصل صاحب هذا الوضع على وثائق الاجتماعات. وينبغي ملاحظة، أن الطرف الذي يحصل على وضع المراقب، وإن كان يسمح له بالمشاركة في الاجتماعات، إلا أنه لا يتملك الحق في التصويت على القرارات داخل أجهزة المنظمة المعنية. والأمر لا يختلف كثيرًا داخل الاتحاد الأفريقي، الذي يمنح هذا الوضع للدول غير الأفريقية، حيث سبق ومنحه لفلسطين وتركيا. والدول التي تحصل على هذا المركز يحق لها -بطبيعة الحال- حضور الجلسات المفتوحة لمؤتمرات الاتحاد الأفريقي التي تهمها، والحصول على وثائق الاتحاد شريطة أن تكون ذات طبيعة غير سرية، وأن تتناول الأمور والمسائل التي تهم الدول المراقبة. كما تستطيع الدول التي تحصل على هذا الوضع أن تشارك في اجتماعات أجهزة الاتحاد الأفريقي وفق شروط محددة، فقد تشارك الدولة في أعمال جلسات المؤتمر بإذن من رئيس المؤتمر، دون أن يكون لها حق التصويت، كما قد يؤذن لها بالإدلاء ببيان حول مسألة تخصها، مع مراعاة إرسال نص البيان مسبقًا إلى رئيس المؤتمر من خلال المفوضية. كذلك، قد يتم إعطاء الدولة التي تتمتع بوضع المراقب الكلمة في الجلسات المفتوحة التي تدعا إليها لتمكينها من الرد على الأسئلة التي تطرحها الدول الأعضاء.
ويكشف انضمام إسرائيل كدولة مراقب غير عضو بالاتحاد الأفريقي عن نجاحها الكبير في التغلغل في القارة الأفريقية وتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع معظم دول القارة.
في الواقع، نجحت إسرائيل في استغلال تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية مثل المغرب والسودان في عام 2020، لكي تحقق هذا النصر الدبلوماسي.
هذا إلى جانب استغلالها للدعم الأمريكي الدائم للعودة إلى القارة الأفريقية، لكي تكون حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة تصاعد النفوذ الصيني والروسي في القارة.
وليس غلوا القول إن حصول إسرائيل على هذا المركز سيكون له أبعاد خطيرة على موقف الاتحاد الأفريقي من القضية الفلسطينية، فقد ظلت إسرائيل لسنوات قلقة من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد احتلالها للأراضي الفلسطينية، مما وضعها في حالة أشبه بالعزلة الدولية، لم يخفف منها سوى الدعم الأمريكي. لذلك، كانت إحدى أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية هي محاولة فك هذه العزلة وكسب المزيد من الدول، خاصة في أفريقيا، حتى تتمكن من إحكام قبضتها على الأراضي المحتلة، وتخفيف الانتقادات الموجهة لإسرائيل في هذا الصدد، فدائمًا ما وجهت مفوضية الاتحاد الأفريقي الإدانات المتكررة للانتهاكات الإسرائيلية المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، والتي وصفتها بأنها تمثل "انتهاكًا للقانون الدولي". وهو ما يعني أن حصول إسرائيل على هذا المركز هو انتصار سياسي في المقام الأول.
ولكن لم يمر حصول إسرائيل على هذه الصفة مرور الكرام، حيث عارضت الكثير من الدول الأفريقية دخول إسرائيل الاتحاد الأفريقي كمراقب، مثل مصر والجزائر وتونس وليبيا وجيبوتي وجزر القمر وموريتانيا، وجنوب أفريقيا وناميبيا وبوتسوانا وإريتريا والسنغال وتنزانيا والنيجر والجابون ونيجيريا وزيمبابوي وليبيريا ومالي وسيشل.
وبينت هذه الدول أن القرار الذي منح إسرائيل هذا الوضع، تم اتخاذه بشكل انفرادي دون التشاور مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، بل ويتعارض مع أهداف ومبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
فمنح إسرائيل وضع دولة مراقب غير عضو بالاتحاد الأفريقي قد تجاوز المبادئ التي أقرها الاتحاد الأفريقي لاعتماد الدول غير الأفريقية، والتي من بينها توافق أهداف ومبادئ الدولة غير الأفريقية الراغبة في الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي مع روح وأهداف ومبادئ الاتحاد الأفريقي المنصوص عليها في القانون التأسيسي، إلى جانب تعهد الدولة المعنية بالعمل على دعم وتعزيز المعرفة بمبادئ الاتحاد وأنشطته.
ولا شك أن في انضمام إسرائيل كمراقب للاتحاد فيه مساس بأهدافه ومبادئه التي تسعى إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين واحترام حقوق الإنسان.
هذا فضلًا عن أن هذا القرار قد تجاوز القواعد الإجرائية المعمول بها في هذا الصدد، والتي تبدأ بقيام الدولة الراغبة في الحصول على وضع مراقب بتقديم طلب لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، الذي ينظر بدوره في الطلب على أساس مبادئ وأهداف القانون التأسيسي والقرارات ذات الصلة الصادرة عن أجهزة سياسة الاتحاد الأفريقي، ويخطر الدول الأعضاء لإبداء تعليقاتها وملاحظاتها. وفي حالة عدم وجود اعتراض خلال فترة خمسة وأربعين (45) يومًا من تاريخ الإخطار، يقبل الرئيس خطاب اعتماد رئيس البعثة أو ممثل الدولة غير الأفريقية. وفي حالة إبداء اعتراض، لا يجوز لرئيس المفوضية معالجة الطلب وعليه إدراجه في جدول أعمال المجلس التنفيذي. وتكشف تصريحات الدول المعارضة لانضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي كمراقب عن عدم التزام رئيس المفوضية بهذه القواعد الإجرائية، بل والخروج عليها. وهذا بطبيعة الحال يجعل القرار قابلًا للإبطال لتجاوز هذه القواعد.
لذا كان الأحرى على الاتحاد الأفريقي قبل أن يتخذ هذا القرار أن يحاول الضغط على إسرائيل لكي تلتزم بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ويحاول أن يثنيها عن الاستمرار في احتلال الأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وأن يدفعها إلى الدخول في مفاوضات جدية غير مشروطة لإقامة الدولة الفلسطينية، بدلًا من التسرع في إعطائها هذا الوضع أو الصفة بالمخالفة لمبادئه وأهدافه.
* مدرس القانون الدولي والتنظيم الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
i_menshawy@feps.edu.eg