بعد فوزها بجائزة البوكر.. صلاة القلق: عمل روائي يمتاز بلغة شعرية آسرة وسرد متعدد الطبقات - بوابة الشروق
الجمعة 25 أبريل 2025 9:59 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

بعد فوزها بجائزة البوكر.. صلاة القلق: عمل روائي يمتاز بلغة شعرية آسرة وسرد متعدد الطبقات

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 25 أبريل 2025 - 6:20 م | آخر تحديث: الجمعة 25 أبريل 2025 - 6:20 م

«نص ينبض بالتأمل، أفكار لامعة تتقاطع مع أسئلة الإنسان الكبرى، سرد يعيد مساءلة التاريخ من زواياه المنسية»، ضمن أهم نقاط قوة رواية «صلاة القلق»، وهو العمل الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2025، كأحد أبرز النصوص التى نجحت فى تحويل القلق الإنسانى إلى تجربة فنية وفكرية آسرة.
تتضمن الرواية التى صدرت عن دار مسكيليانى خيوطا من اللغة الشاعرية وسردا رمزيا متعدد الأصوات، يمزج فيه الكاتب محمد سمير ندا بين الذاتى والجمعى، وبين الانكسار السياسى والتمزق الوجودى، ليمنح القارئ نصًا مفتوح التأويل، محكم البناء، غنيًا بالثيمات ومشحونًا بشحنة جمالية نادرة فى الرواية العربية الحديثة، حيث لا تكتفى النصوص بسرد حكاية، بل تصوغ قلقًا جماعيًا وفرديًا فى آن، وتحوّله إلى تجربة أدبية جمالية مشبعة بالفكر والرؤيا.
الرواية قدّمت بنية سردية فريدة تنطلق من حدث واحد غامض: انفجار لجسم مجهول يقع فى قرية منسية عام 1977، ليصبح هذا الحدث مفتاحًا لانكشاف تاريخ مضمَر ممتد من نكسة 1967 وحتى لحظة الانفجار، حيث تتحوّل القرية إلى ما يشبه علبة مغلقة، يعيش فيها أهلها حكاياتهم كأنهم داخل مسرح عبثى تتبدّل فيه الملامح والوجوه، وينقلب فيه القرويون إلى سلاحف، فى إشارة رمزية كثيفة لتشوّه المصير الإنسانى تحت وقع التأزم السياسى.
يبرع ندا فى توزيع الصوت السردى على ثمانى شخصيات مختلفة، كل منها تروى الحدث بمقدار، ما يمنح النص بنية فسيفسائية تلتقى خطوطها جميعًا لتشكل لوحة متكاملة من الحكاية، بدون أن يفقد السرد تماسُكه أو قوته، فتعدد الأصوات هنا ليس مجرد تقنية شكلية، بل أداة تفكيك وتحليل للتجربة الجمعية من وجهات نظر متباينة، تُظهر كيف أنّ الحقيقة نفسها قد تكون خاضعة لتعدّد القراءات، بل وربما للوهم أحيانًا أكثر من الواقع.
الرواية لا تخلو من الطابع الرمزى العميق، فالقرية تبدو استعارة كبرى لجيل فقد بوصلته، وتحوّل من الكرامة إلى الخضوع، ومن الحلم إلى الاستكانة. وهى استعارة تكتمل بالسؤال المركزى الذى يتردد فى قاع النص: من يكتب التاريخ حقًا؟
يتجلى على مدار صفحات العمل سطوة الأسلوب السردى المحكم، والذى يجمع بين البساطة والعمق، حيث تنمو اللغة من داخل الشخصيات ومن طبيعة الأحداث، لا تتجمّل، بل تحفر فى طبقات الوعى واللاوعى، وتدفع القارئ إلى التأمل والمساءلة، ويتفق القارئ على «صلاة القلق» ليست مجرد رواية تُقرأ، بل تُعاش. هى تجربة سردية متشابكة، تُربك المتلقى وتدفعه للبحث خلف الكلمات، وتجعله شريكًا فى فكّ شيفراتها وإسقاطاتها. كل شخصية، وكل مشهد، وكل سطر، يحمل دلالة تتجاوز المعانى المباشرة.
من جهة اللغة، تشكّل صلاة القلق تجربة غنية قائمة على لغة مشبعة بالشاعرية والرمزية، لكنها فى الوقت نفسه، متماسكة وناضجة، لا تقع فى فخ الغموض ولكن تنمو من قلب الشخصيات، تتغذى من مناخ الرواية، وتحاكى مزاجها الداخلى؛ لغة متأثرة بفضاء القصة، وتُسكب فى تراكيب تحمل دلالات متعددة، قابلة للتأويل فى أكثر من طبقة.
أما على صعيد الموضوعات، فالرواية لم تنحصر فى بعد سياسى فقط، بل امتدت لتشمل تيمات متداخلة تتمحور حول الدين، الثورة، القمع، الحرية، الفن، الموسيقى، الرقابة، والتاريخ، دون أن تبدو شعاراتية أو تقريرية. بل إنها تظهر من خلال التفاصيل، وتُقرأ أحيانًا فى ما هو مسكوت عنه أكثر مما يُقال صراحة. هذه القدرة على قول الكثير بصمت، وعلى جعل القارئ شريكًا فى الاكتشاف والتفسير، تُعد من أبرز ميزات الرواية.
إنّ صلاة القلق ليست رواية تجيب، بل رواية تطرح الأسئلة؛ أسئلة عن الهزيمة، وعن الخلاص، وعن الإنسان العربى حين يُجبر على الاختيار بين مجموعة اختيارات أحلاها شديد المرارة، ومن هذا المنطلق، لا يبدو فوز الرواية بجائزة البوكر حدثًا مفاجئًا، بل تتويجًا لعمل روائى ناضج، جرىء فى لغته وبنيته، عميق فى مضمونه، ومفتوح فى تأويله.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك