باتت المنافسة الرقمية بين الفنانين واقعًا لا يمكن تجاهله، بل تحولت إلى ساحة رئيسية لقياس الشعبية. فبمجرد صدور ألبوم جديد، يتركز الاهتمام على ترتيبه في قوائم "الترند" بمنصات مثل يوتيوب وتيك توك وسبوتيفاي. ومع كل إصدار جديد، يتجدد الجدل: هل ما تحققه الأغنية من مشاهدات واستماعات يعكس نجاحًا فنيًا حقيقيًا، أم أنه مجرد نتاج لحملات ترويجية واهتمام لحظي؟ هذا السؤال عاد ليحتل صدارة المشهد بعد تصريحات تامر حسني المثيرة للجدل، والتي فُسرت بأنها موجهة لعمرو دياب.
تامر حسني يعتب على عمرو دياب: "مش عارف ليه بيعمل كده"
أثار الفنان تامر حسني موجة من الجدل بعد منشور عبر حسابه الرسمي بالأمس، وجّه فيه عتابًا إلى فنان كبير، لكن الجمهور فسر أن المقصود هو النجم عمرو دياب، وذلك على خلفية نشر صورة لترتيب قديم لترند الألبومات، تُظهر ألبوم تامر "لينا ميعاد" في المركز الرابع.
وقد أعرب تامر عن استيائه مما اعتبره تجاهلًا متعمدًا لنجاحه، مؤكدًا أن ألبومه كان متصدرًا بالفعل قائمة يوتيوب.
وقال: "الفكرة إن ألبومي أنا تعبت فيه جدًا، والناس بتتكلم عنه بكل خير، وده الأهم، أما لما كنت رقم 1 في 10 أيام في أسبوع نزول الألبوم، هو كان تحت، احتراما ليه ولمحبيه، منزلتش صورته وهو تحت".
واعتبر أن تصرفات الفنان الآخر غير مبررة، قائلًا: "أنا مش عارف ليه هو بيعمل كده، لأنه أكبر من كده ومش محتاج يعمل كده".
صراع دائم بين جمهورين لا يهدأ
التوتر بين جمهور عمرو دياب وتامر حسني لم يكن أمرًا جديدًا. فمنذ بدايات تامر في أوائل الألفينات، وضعه الجمهور في مقارنة مباشرة مع "الهضبة"، باعتباره نجم الجيل الجديد الطامح لنفس المكانة الأسطورية. فكان الجمهور، ولا يزال، هو المحرك الأساسي لهذه المقارنة، وأصبح كل تصريح أو ألبوم جديد مادة لتأجيج المقارنة. ومؤخرًا، أصبح للحملات الإلكترونية دور كبير في هذا الصراع، حيث تتحول منصات التواصل إلى ساحة نقاش لسؤال: من الأحق بالصدارة؟
المنافسة الرقمية لا تعكس دائمًا النجاح الحقيقي
وفي السياق ذاته، أوضح الكاتب الصحفي محمد البرمي أن الأرقام الرقمية لا تعكس بالضرورة النجاح الفني الحقيقي كما يتخيله البعض. فهناك فنانون يحققون مشاهدات هائلة على المنصات، مثل محمد رمضان، الذي وصل عدد مشتركي قناته إلى 16 مليون مشترك وحققت مشاهداته نحو 6 مليارات، وكذلك حسن شاكوش وبعض مطربي المهرجانات، الذين تجاوزوا بأرقامهم مطربين كبار معروفين بتاريخهم الطويل في عالم الغناء.
وأشار أيضًا إلى حالة المطرب السوري الشامي، الذي لم يكن معروفًا على نطاق واسع قبل تقديمه لأغنية مع تامر حسني، لكنه أصبح اليوم من بين الأكثر استماعًا في العالم العربي، وتجاوز عدد مشتركي قناته على يوتيوب 4 ملايين مشترك، وهو ما يدل على التأثير الكبير للمنصات في صناعة الانتشار، بغض النظر عن شهرة الفنان المسبقة أو تاريخه الفني.
وأضاف البرمي أن المنصات الرقمية أصبحت، من وجهة نظره، جزءًا أساسيًا من صناعة الفنان. فمع أن الأرقام على المنصات الرقمية لا تعكس دائمًا النجاح الفني الحقيقي، فإنها تمنحه فرصًا كبيرة لتحقيق الأرباح والعقود الإعلانية، إلى جانب التواجد المستمر وسط الأجيال الجديدة التي لا تعرف وسيلة للاستماع إلى الموسيقى إلا من خلالها. لذلك، فإن أي فنان يتجاهل هذا التواجد الرقمي يخسر شريحة كبيرة من جمهوره وأداة مهمة للربح.
عمرو دياب وتغيير استراتيجي في التواجد الرقمي
رغم قلة اعتماده على النشر عبر يوتيوب مقارنة بفنانين آخرين مثل تامر حسني، إلا أن عمرو دياب، وفقًا للبرمي، يملك فرصًا أكبر بكثير لما لديه من تاريخ فني طويل يمتد لأكثر من 40 عامًا.
ورغم عدم استغلاله الكامل للمنصات الرقمية سابقًا، فإن قيمته الفنية جعلته محل تعاقدات من تطبيقات إنتاج الأغاني، والتي ربما تحقق له أرباحًا تتجاوز ما تقدمه منصات مثل يوتيوب وتيك توك.
لكن مع ذلك، يرى البرمي أن اتجاه عمرو دياب مؤخرًا لإدارة حقوقه الرقمية بنفسه يمثل قرارًا مهمًا للغاية، ومن شأنه أن يضاعف نجاحه في هذا المجال. فدياب هو بالفعل المطرب الأكثر استماعًا في العالم العربي، وقناته تقترب من 7 ملايين مشترك، وإذا تمكن من استعادة حقوق أغانيه القديمة، فمن المحتمل أن يتصدر قائمة الفنانين رقميًا بلا منازع.
نجوم الجيل الجديد يفرضون أنفسهم بقوة
كما أشار البرمي إلى أن فنانين من الجيل الجديد استطاعوا فرض أنفسهم بقوة من خلال الاعتماد على التواجد الرقمي. فهناك مطرب يُدعى علي لوكا مثلًا، اقتربت مشاهداته من 5 مليارات، بينما يمتلك حسن شاكوش نحو 9 ملايين مشترك على يوتيوب، إلى جانب أسماء مثل عصام صاصا وعنبة وويجز وبابلو، الذين تتجاوز مشاهداتهم أحيانًا كبار المطربين.
وأوضح أن ذلك يرجع إلى التغير الذي طرأ على شكل الصناعة؛ فبينما كان المطرب في السابق ينتظر فرصة إنتاجية من شركة كبيرة، بات بإمكان أي فنان اليوم إطلاق أغنية بإمكانيات بسيطة وتحقيق ملايين المشاهدات من خلال المنصات الرقمية فقط.
فهذا التحول يجعل الاهتمام بالحقوق الرقمية والتواجد المستمر على المنصات أمرًا حيويًا، ليس فقط لتحقيق العائدات، ولكن للبقاء ضمن اهتمامات الأجيال الجديدة التي أصبحت تعتبر هذه المنصات المصدر الأساسي لاستهلاك المحتوى الموسيقي.