- أنجلوس بلير: عامر سيتخذ قرارات أكثر صعوبة لغرس ثقة القطاع الخاص والمستثمرين لتعزيز الاستثمار
- رجال بنوك: الأزمة النقدية معقدة وأكبر من رجل واحد
عندما استقال رئيس البنك المركزى المصرى هشام رامز بدأت التليفونات ترن حيث كان رجال البنوك يهنئون بعضهم البعض لرحيل الرجل، الذى يقولون إنه رفض تغيير المسار حتى عندما انتقلت مصر من أزمة العملة فى اتجاه أزمة التجارة.
زاد الدم الجديد على القمة من آمال التغيير الوشيك فى السياسة النقدية، التى فشلت فى تحقيق استقرار الجنيه وأغضبت المستوردين وأصبحت مرتبطة ارتباطا شخصيا برامز، وحرمت بعض الأعمال التجارية من الدولار.
يُنظَر إلى خلفه المعين طارق عامر، على أنه مدير ديناميكى ومتعاون يعود إليه الفضل فى تغيير أحوال أكبر بنك فى مصر.
رحب كل من رجال البنوك والمستوردين بإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهم مرتاحون أكثر لأسلوب عامر الودود ويقولون إن وصوله يتيح للبنك المركزى الفرصة لإلغاء السياسات القائمة دون أن يخسر مصداقيته.
وقال مصرفى فى مكتب الخزانة بأحد البنوك المصرية: «لم نكن نسير فى الاتجاه الصحيح ونحن فى وضع حرج يتطلب التفكير خارج الصندوق. هناك تفاؤل فى السوق بأن عامر سوف يلغى بعض السياسات المثيرة للجدل التى وضعها رامز».
الطريق الوعر
واجه البنك المركزى ضغطا متزايدا لخفض قيمة الجنيه، حيث انتعشت السوق السوداء وقدمت طوق النجاة للأعمال التجارية العاجزة عن الحصول على الدولارات الكافية من القنوات الرسمية.
لكن رجال البنوك قالوا إن تلك الخطوات أصغر من اللازم، ومتأخرة عما يجب، ومتدرجة أكثر من اللازم وبدا أنها مترددة، حيث أشار أحدهم إلى أنه «لا أحد يعرف ما يفكر فيه.. الأمر غامض».
يقول رجال البنوك إن رامز كانت تسيطر عليه فكرة سحق السوق السوداء حتى وإن كان ذلك على حساب اقتصاد يسير فى طريق وعر فى اتجاه النمو الاقتصادى.
هؤلاء الذين أيدوا الجهود لاستقرار الجنيه بدأوا إعادة التقييم فى فبراير عندما أدخل رامز القيود البنكية التى شملت حدا أقصى لإيداع الدولار قدره 50 ألف دولار شهريا، الأمر الذى قتل السوق السوداء،
حيث لم يكن رجال الأعمال مكانا يودعون فيه الدولارات التى حصلوا عليها بشكل غير رسمى.
تجبر القيود البنوك كذلك على تقديم الدولارات لواردات السلع الاستراتيجية حيث الأولوية لبعض الأغذية على السلع غير الضرورية، الأمر الذى أغضب مستوردى السلع الكمالية.
وكان رامز قد دافع بقوة عن منهج يقول إنه يهدف إلى الاستفادة من الدولارات الموجودة فى مصر كأحسن ما يكون.
وفى مقابلة نُشرت فى الأهرام إبدو الشهر الحالى، قال: «يرفض رجال الأعمال الاعتراف بأن البلاد تواجه نقصا فى الدولارات ويجب أن تحدد الأولويات. احتياطى العملة ينخفض، وككل بلد يعيش ظرفا اقتصاديا مشابها، لا بد لمصر من أولوياتها».
هبطت الصادرات المصرية بنسبة 19 بالمائة فى الشهور التسعة الأولى من عام 2015، حيث يقول بعض المصنعين إن قيود العملة جعلت من الصعب فتح خطابات اعتماد لاستيراد المواد الخام.
قال طارق أباظة المدير التنفيذى لنعيم القابضة: «الجميع لديهم مشكلات مع الدولار ويربطون هذه المشكلة بهشام رامز. فهم يقولون باستمرار إن هشام رامز يقتل الأعمال التجارية، ويحاول قتل السوق السوداء وبذلك قتل الاقتصاد نفسه.. سوف تكون هناك آمال كبيرة (للسوق) فى طارق عامر».
أسلوب الإدارة
يقول رجال البنوك إن عامر ــ الذى عمل فى سيتى بانك وبانك أوف أميركا وكان من قبل نائبا لمحافظ البنك المركزى ــ لاعب جماعى مناسب أكثر لبناء علاقات قوية مع المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولى.
ويقول البعض إنه متحرر التفكير أكثر من رامز. وعلى أقل تقدير يتوقع رجال البنوك علاقة أكثر تعاونية.
ويقول أحد رجال البنوك الذى عمل مع عامر فى البنك الأهلى المصرى المملوك للدولة: «كان عامر يستمع إلى الذين يعملون معه باستمرار، وكان يأخذ آراء الخبراء. إنه مستمع جيد جدا كان يثق فى الناس، وليس ذلك النوع الذى يصدر الأوامر فحسب».
كان البنك الأهلى المصرى يعانى من الركود عندما تولى عامر المسئولية عام 2008، وسط الأزمة المالية العالمية. قام عامر بتسييل الأصول السامة وأعاد هيكلة البنك وزاد من قدرة الإدارة، كما قال أحد رجال البنوك الذى عمل هناك فى تلك الفترة. وعندما ترك البنك عام 2013 كان البنك الأهلى المصرى أحد أكثر البنوك ربحية فى المنطقة.
أمام عامر اختيارات صعبة. فقد واجه البنك المركزى ضغطا كى يخفض قيمة العملة، خاصة منذ تراجع عملات الأسواق الناشئة فى هذا العام. لكن كثيرين يعارضون هذه الخطوة، خوفا من أنها سترضى الأعمال التجارية لكنها تلهب الوضع فى بلد يعتمد على الاستيراد حيث يعيش الملايين على الكفاف.
هذه نقطة أعلنها رامز مرارا وكان يحظى بتأييد من أعلى قيادة. وعندما عين السيسى عامر لتولى الوظيفة، أكد ضرورة إعطاء الأولوية للمصريين المعرضين للخطر بتقييد التضخم وضمان حصولهم على الطعام والدواء والوقود. وهو الأمر الذى يوافق عليه كثيرون فى الشارع.
فى الوقت نفسه تحمل دعوات بعض رجال الأعمال إلى ربط الجنيه بسلة عملات مقيمة بالتجارة أو تعويم الجنيه بالكامل مخاطر كبيرة.
ربما يثبت أن التغييرات الجريئة غير مستساغة من الناحية السياسية فى مصر، حيث تسعى الحكومة إلى الاستقرار وتكره رؤية تكرار لاحتجاجات الشوارع التى ساعدت على الإطاحة برئيسين خلال ثلاث سنوات.
يقول أنجوس بلير رئيس معهد سنجت، وهو مركز أبحاث مركزه القاهرة: «الحقيقة هى أنه يريد نظاما اقتصاديا أكثر تحررا فى مصر، وهو على وجه الدقة ما تحتاجه مصر لدفع النمو الاقتصادى إلى مستويات أعلى. وكان سلفه حريصا جدا بالنسبة لاحتياجات مصر وأرى أن السيد عامر سوف يتخذ قرارات أكثر صعوبة لغرس ثقة القطاع الخاص
والمستثمرين لتعزيز الاستثمار».
الأمر الذى زاد من كراهية رامز فى القطاع المصرفى هو تدخله فى التفاصيل الدقيقة ومنها تسعير المنتجات.
ويقول رجال البنوك إنه كان يعطى الأوامر لكنه لا يرحب بالتعليق عليها، وفى بعض الأحيان كان يعنف كبار رجال البنوك أمام أقرانهم ويخلق بيئة يخشى فيها الخبراء من الإفصاح عن آرائهم.
لكن آخرون قالوا إنه على الرغم من مسوغات تعيين عامر، فقليلون يعرفون كيف يخطط لمعالجة الأزمة. كما قالوا إن الأزمة النقدية معقدة وأكبر من رجل واحد.
وقال أحد رجال الأعمال: «أى شخص يأخذ مكان رامز سوف يبدأ بعد تلقى النقد نفسه».