مشاهد أربعة لتناقضات نظام الحكم فى مصر - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاهد أربعة لتناقضات نظام الحكم فى مصر

نشر فى : الإثنين 2 مارس 2009 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مارس 2009 - 7:30 م

 لاشك أنه لا يوجد أى نظام سياسى فى أى دولة فى العالم يتسم بالاتساق الكامل بين أطرافه وأجنحته وسياساته، إلا أن نوع وحجم التباينات والاختلافات التى يمكن أن توجد بداخل الغالبية الساحقة من هذه النظم لا يصلان أبدا إلى مستوى التناقض الجذرى الذى يجعل المرء مندهشا ومحتارا فى فهم طبيعة وتوجهات النظام السياسى.

ويبدو الحال فى مصر مختلفا و«فريدا» من نوعه فى هذا المجال، فالمراقب لتصرفات وقرارات وسياسات النظام السياسى المصرى بمختلف مكوناته يجد نفسه فى حيرة حقيقية أمام العدد والحجم الهائل للمتناقضات التى يتسم بها فى مختلف المجالات الداخلية والخارجية، بما يعطى الانطباع بأننا أمام عدة أنظمة وليس نظامًا واحدًا، أو أنه مصاب بانفصام حاد ومزمن فى الشخصية. وظاهرة التناقضات هذه قديمة وملازمة لأداء ذلك النظام ويمكن التدليل عليها بمئات الأمثلة خلال سنوات عمره الثمانى والعشرين، ومع ذلك فإن تأمل الأحوال المصرية خلال الشهرين الأخيرين وحدهما يضعنا أمام سلسلة مشاهد متتابعة لتلك التناقضات.

< أول هذه المشاهد هو موقف عديد من كبار المسئولين المصريين عن السياسة الخارجية والداخلية من حركة حماس فى أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة ومعهم الغالبية الساحقة من الكتاب والإعلاميين المحسوبين على الحزب الوطنى وحكومته، والذى اتسم بعدوانية بالغة واتهامات مرسلة بأنها تمثل الخطر الأكبر على الأمن القومى المصرى سواء باعتبارها حركة إسلامية أو بسبب علاقاتها الحميمة مع إيران.

وذهب بعض من صحفيى وكتاب الحكومة إلى أبعد من ذلك حيث شنوا حملات شعواء على كل من أنصف الحركة الفلسطينية المقاومة من السياسيين والكتاب المصريين وساندها والشعب الفلسطينى، واضعينهم فى خانة «أعداء مصر» التى يجب عليها مواجهتهم. وفجأة وخلال أيام قليلة تغير كل شىء، فأتى قادة حماس من الصف الثانى من غزة ودمشق إلى القاهرة ثم تبعهم بعد ذلك قادة الصف الأول لتدور مباحثات طويلة لم تنته بعد بينهم وبين أعلى المسئولين عن الأمن القومى المصرى سواء حول قضية التهدئة مع إسرائيل أو المصالحة الوطنية الفلسطينية.

وفجأة أيضا توقفت الاتهامات والتصريحات والتحريضات التى كان بعض المسئولين وتابعيهم من الكتاب والإعلاميين يشنونها ضد حركة المقاومة الإسلامية ومسانديها فى مصر، وتحول حديثهم كله إلى «النجاح» الكبير الذى حققته الدبلوماسية المصرية فى معالجة العدوان على غزة والخلاف الفلسطينى الداخلى، بما يشمله ذلك من إشارات إيجابية حول حركة حماس نفسها التى كانت بالأمس بالنسبة لهم أعدى أعداء مصر وأخطرهم على أمنها القومى.

وثانى مشاهد التناقضات المصرية نراه بين واقعتين تفصل بينهما أيام قليلة، أولاهما ما أعلن عن زيارة نجل الرئيس السيد جمال مبارك إلى واشنطن لكى يلتقى بحسب الأنباء المنشورة بعدد من مراكز البحوث والدراسات الأمريكية ليناقش مع باحثيها عديدًا من القضايا المصرية الداخلية والخارجية، الأمر الذى رأى فيه بعض هؤلاء الباحثين الأمريكيين ونظراء لهم مصريون تمهيدا منه لدى الإدارة الأمريكية عبر تلك المراكز البحثية لخلافته لوالده فى منصب الرئاسة.

وبالطبع لم يصدر عن أى مسئول مصرى كبير أو صغير أى نفى أو إثبات لهذه التحليلات والتوقعات وظل الأمر ملتبسا كحال كل الأمور فى هذا البلد. أما الواقعة الثانية فكانت هذا الظهور اللافت للسيد عمر سليمان مدير المخابرات العامة فى مؤتمر المصالحة الفلسطينية والاهتمام الإعلامى الواسع به وبخاصة من وسائل الإعلام الحكومية، الأمر الذى أشاع فى الأوساط السياسية والإعلامية المصرية والأجنبية تكهنات بأن ذلك يعد إشارة واضحة إلى توليه منصب الرئاسة بعد الرئيس مبارك، وهو ما دفع صحيفة الديلى تلجراف البريطانية المعروفة إلى تخصيص تحليل مطول عن هذا الاحتمال الذى رأته شبه مؤكد.

وأتى المشهد الثالث للتناقضات بعد وقوع تفجير ميدان الحسين الإرهابى، حيث توالت تصريحات عديد من المسئولين السياسيين والتشريعيين القياديين فى النظام السياسى والحزب الحاكم، بعضها يتحدث عن قرب إصدار قانون مكافحة الإرهاب الذى تتكتم عليه الحكومة منذ سنوات أربع على الأقل، فى حين نفى بعضها الآخر ذلك وأكد على استمرار العمل بقانون الطوارئ حتى نهاية مدته منتصف العام المقبل لأنه الأكثر فاعلية ــ حسب رأيهم ــ على مواجهة ظاهرة الإرهاب فى مصر.

وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتكرم مسئول واحد فى الحزب أو الحكومة أو البرلمان لكى يوضح للرأى العام المصرى الموقف الحقيقى من هذه القضية المهمة وأى الرأيين السابقين هو الذى يعبر عن النظام السياسى، تاركين المصريين لكى يستنتجوا أو يخمنوا بأنفسهم هذا الموقف أو، وكما يحدث فى كل مرة، أن ينتظروا حتى يفاجئوا بعرض القانون بين عشية وضحاها على البرلمان لإقراره.

ويأتى المشهد الرابع للتناقض من قلب الوسط الإعلامى المصرى وبخاصة قطاع الصحافة المكتوبة فيه. ففى أكبر المؤسسات الصحفية القومية، أصدر رئيسها قرارا غامضا هلاميا يحظر على الصحفيين العاملين بها ممارسة أى نشاط مهنى خارجها فى أية وسيلة إعلامية أخرى مكتوبة كانت أم مسموعة أم مرئية، بحجة أن ذلك محظور قانونا لأنه يمثل ازدواجا وظيفيا.

ولم يفرق القرار بين أنواع النشاط المهنى وما يدخل منها ضمن حرية الرأى والتعبير التى يكفلها الدستور أو ممارسة أنشطة مهنية مشروعة لا يحظرها القانون فى غير وقت العمل الرسمى أو بما لا يتناقض معه، وتحول القرار إلى إجراءات عقابية تعسفية ضد بعض من صحفيى تلك المؤسسة بدون أى سند حقيقى من الدستور والقانون.

ويبدو التناقض فادحا فى هذه الحالة عندما يعرف الناس أن من أصدر وصاغ هذا القرار كلاهما باق فى منصبه على خلاف القانون الذى يوجب إحالتهما إلى المعاش منذ عام على الأقل بعد المد لهما خمس سنوات، فمن يشغلون مناصبهم بالمخالفة للقانون الصريح هم الذين يريدون إلزام صحفيى تلك المؤسسة القومية الأكبر بتنفيذ قرارهم الجائر بحجة تطبيق القانون الذى لا شك أنه برىء منه.

والسؤال البسيط هنا هو: أين المجلس الأعلى للصحافة ومجلس الشورى ــ بحكم أن الأول هو الذى يدير الصحافة القومية والثانى هو النائب عن الشعب المصرى فى ملكيتها ــ من هذا التناقض الفج؟ وهل لا يستطيع المجلس المسئول عن جزء رئيسى من عملية التشريع الدستورى والقانونى فى البلاد أن يحسم هذا التناقض نصوص الدستور والقانون الصريحة الواضحة؟

إن المشاهد الأربعة السابقة للتناقضات متنوعة الجوهر والاتجاه فى النظام السياسى المصرى خلال فترة قصيرة، بالإضافة إلى مئات المشاهد المماثلة التى تكررت طوال فترة وجوده، تؤكد جميعها أننا أمام حالة حقيقية من التفكك الداخلى والانقسام بين أجنحة واتجاهات لا يجمع بينها سوى المصالح الكبرى والتشارك فى الاستيلاء على مصير المصريين وليس مصالحهم ولا حاضرهم أو مستقبل أولادهم.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات