معنى الحياة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معنى الحياة

نشر فى : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م

هناك سؤال مُلِح على كل بشر واعٍ: هل الحياة التى نحياها لها معنى؟! إذا سألت إنسانا ما بطريقة عشوائية عن معنى الحياة، سوف تأتيك إجابات كثيرة متنوعة ومتضاربة ومختلفة، فالبعض يعتبر المعنى فى الحياة أو معنى الحياة هو الطعام والشراب والزوجة والأولاد، يقول البعض منهم فلاسفة «الحياة هى الفراش الدافئ والطعام الساخن، قال البعض الآخر عظمة الحياة وروعتها هى فى اقتحامها أى أن يكون الإنسان الحى فى الحياة مغامرا أبدا رغم قصر الحياة، أن ينتقل من مغامرة إلى أخرى ينتقل من الحب إلى السياسة إلى الاقتصاد (العمل والتجار). لكن عندما تسأل فيلسوفا يقول لك «إن الحياة لم توجد للاستمتاع بها بل هى عبء على الإنسان أن يتحملها وفى النهاية يتخلص منها بطريقة أو بأخرى، وهكذا نجد اختلاف نظر البشر إلى الحياة، فالبعض ينظر إلى الحياة أنها معركة يجب أن يقتحمها الإنسان ويحقق ذاته من خلالها، أما البعض الآخر فيرى الحياة مغامرة على الإنسان أن يستمتع بها حتى الثمالة ولا يترك لحظة تمر دون الاستمتاع، أما البعض الثالث فيرى أن الحياة خلقت لكى يتحملها الإنسان وليس يستمتع بها وفى نهاية تحمله على مضض يتخلص منها، أما ألطف وأعجب ما قرأته عن معنى الحياة لأحد الفلاسفة «نحن هنا على الأرض لكى نتسكع فيها فقط، لا تترك أى شخص يقنعك بشىء مختلف عن هذا». عزيزى القارئ عندما تحاول أن تتأمل البشر المحيطين بك والسائرين حولك.. إلخ تستطيع أن تكتشف مائة إجابة على سؤالك فمثلا فى الكتب المقدسة هناك مقولات مشتركة مثل «علينا أن نعمل ما دام نهارا (يقصد نهار الحياة) لأنه يأتى ليل عندما لا يقدر الإنسان على العمل (ويقصد بهذا المرض العضال ثم الموت)». قرأت بعض التأملات فى هذا الشأن أشاركك بها، عزيزى القارئ، ما هى الحياة بالنسبة لشاب فقير تعرفت عليه فى محل عملى، هو يرى أن الحياة ليست أكثر من وجبة عشاء دسمة، وإذا لم يحصل عليها غاب عنه النوم، وبقى صاحيا للأبد، هناك بعض البشر كلما لاقيتهم لا تجد لديهم خطابا سوى المباهاة الفارغة كسبب وجوده فى أيام الطفولة والصبا، وأنا صبى فى مدينة ملوى (محافظة المنيا) كنا ونحن فى سن الصبا نتباهى بمن يسير على يديه وقدميه بالمقلوب وظهره إلى الأرض ووجهه للسماء، وكنا نسمى هذه اللعبة «رقصة العقرب» عندما تتأمل المحيطين بك ــ عزيزى القارئ ــ سوف تلاحظ البعض مثل العقرب إن القضية التى تشغلنى بقوة هذه الأيام هى مدى صدق الناس فيما يحكون ويذكرون ويقسمون أنها حقائق وليست أكاذيب.
• • •
نشأت فى مدينة ملوى وكان أصدقاء والدى أصدقائى، وكانت شلة والدى والذين يعملون فى دكاكينهم المتجاورة، مسلمين ومسيحيين، يلتقون فى الظهيرة للغذاء معا، وأكثر شىء كان مفاجأة لى وأنا صبى وفى طور وعى بما حولى، أنه إذا كذب أحد التجار أو ابنه البالغ فى أمر يخص العائلة التى ينتمى إليها أو التجارة التى يمارسها يسقط من أعين جماعة التجارة لأن الكذب يحط من قيمة المرء.
بلا شك نحن جميعا نستطيع أن نميز من بين رفقائنا فى الحياة وأصدقائنا من هو صادق ومن هو كاذب، ومع ذلك كان هناك من يرفع الفشل شعارا له، لا شك، عزيزى القارئ، أنك الآن وأنت تقرأ هذا المقال تتذكر أسماء الممثلين والشعراء والكتاب الذين نتفاعل ونتعامل معهم بصورة يومية من خلال الميديا وما هو انطباعنا عنهم، فهناك من الفنانين الذين يختزلون وجودهم وفنهم فى جسد بيولوجى جنسى يفتقد أى غرض فى الحياة، وعندما تتأمل هذه النوعية من الفنانين الذين يطلق عليهم هذا اللقب لا تجد فيهم أى قيمة أصيلة أو معنى إنسانى، يقول تولستوى الروائى الروسى فى هذا الشأن «أنت كائن زائل، مجرد تكتل عشوائى الأجزاء، يشكل الترابط بين هذه الأجزاء والتعبير فيها ما ندعوه بالحياة ستبقى هذه التجميعات والعشوائية لبعض الوقت، سيتوقف بعده ترابط هذه الأجزاء وسيصل ذلك الذى تدعوه بالحياة وكل أسئلته إلى نهاية».
تبنى الأديب تولستوى نظرية داروين أن الإنسان حيوان متطور، لكنه فى نهاية حياته رفض النظرية واعتنق الدين المسيحى وتطرف فيه وصار يبشر به قولا وفعلا، لكن ما حدث، عزيزى القارئ، أن تلك الآراء عن أصل الحياة وفنائها سائدة حتى اليوم فى العالم وهى تشكل امتدادا لما عرفته البشرية من أفكار تدعو إلى الإلحاد، وهذا الجدل بين نظرة العلم والدين إلى ماهية الإنسان ما زالت مستمرة، بل تطورت فى القرنين الأخيرين كثيرا، وصارت الغلبة للرأى العلمى لدى أكثرية البشر وهى المفتاح الأول فى التفكير، إذا عدنا إلى بدايات عصر النهضة، وجدنا الأبحاث التطبيقية التى كانت تدور فى فلك الكنيسة حينئذ، وكل نظرية واكتشاف هو فى حقيقته طريقة لتمجيد الله، ويؤدى هذا النوع من التفسير إلى تقديس الحياة حتما، لأن الله يحل عندها فى كل شىء بالوجود، ويحمل معناه. يقول عالم الفيزياء نيوتن عام ١٧١٣م هذا النظام الرائع من الشمس والكواكب والنجوم يمكن تسييره فقط بإرادة كائن ذكى ومسيطر. كم يشبه هذا المعنى ما بلغه خطيب العرب «الفضل بن عيسى الرقاش» وذكره «الجاحظ» فى كتاب «البيان والتبين» وسل الأرض فقل من شق أنهارك وغرس أشجارك وحتى ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا، إن نظرة الإيمان والتقديس الوجودى التى ابتكرها التفكير الدينى شعرية فى الأصل.
أى أن من توصل إلهام شاعر، كلما زادت نسبة الخيال لديه صار ما ينتابه أكثر تناغما وبالتالى تداولا بين الناس فى الواقع، وتتشابه جميع الأديان فى النظرة الشعرية إلى وجود أكثر البشر لا هم لهم فى المعيشة غير طلب السعادة وهذه كلمة مائعة ليس لها تعريف واحد فهى فى الشرق غيرها فى الشمال، ولدى الطفل تختلف عن تلك التى يطلبها الرجل، أو المرأة، فى بعض الرهبان والمتصوفة تختلف المتعة عن تلك التى يطلبها الرجل أو المرأة. فى الصين مثلا خاصة القدامى وبعض المحدثين، يُنظر إلى الشقاء الشخصى كوسام شرف، وهو المعنى القيم الذى لا مثيل له للحياة لأنه يكشف عن التضحيات التى قام بها المرء لصالح أسرته، وأمته، إن هذا السبيل يؤدى بصاحبه يوما بعد يوم إلى مزيد من المشاعر الإيجابية وهذه تختلف فى جوهرها كثيرا عن إحساسنا بالسعادة، والمعرفة.
الفرق بين الاثنين أذكر هذا المثال:
فى عام ٢٠١٩م صنف تقرير السعادة العالمى فنلندا على أنها البلد الأكثر سعادة، فلدى الناس جميعا خدمات اجتماعية واسعة النطاق وحرية فى الصحافة وثقة بالحكومة لا مثيل لها، لكن عندما تم اختيار المشاعر الإيجابية انقلب الجدول، وصارت بلدان مثل غواتيمالا وكوستاريكا تحتل القمة وابتعدت فنلندا كثيرا عنها.
أخيرا بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإن كل ما مر يعطى للحياة معنى وتبقى أسماها هو طلب العلم وهذا مما لا يحصله المرء بواسطة الكتب ودور الدرس وإنما هو «علم يأتينى من عذاب النفس» مثلما يقول الفرنسى آليكسرسسان ليجيه.
أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات