تآلفات عربية أم معالم شرق أوسط جديد؟ - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تآلفات عربية أم معالم شرق أوسط جديد؟

نشر فى : الأحد 3 يوليه 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الأحد 3 يوليه 2016 - 10:30 م

انشغل الفكر الاستراتيجى على مر التاريخ بفكرة الصراع بين الكيانات السياسية (قبائل ومدن ودول... إلخ)، وما يرتبط بذلك من سعى كل طرف لتعزيز موقفه عبر التقارب مع طرف أو أكثر فى تحالفات تتفق فى أهداف محددة، قد تكون طويلة المدى أو مؤقتة، وقد تكون علنية أو سرية، كما قد تكون رسمية مكرسة فى وثيقة أو أكثر، أو تكون ضمنية أو شفوية.

ويمكن القول بأن فكرة التحالف تتضمن وجود تعاون بين دولتين أو أكثر فى المجال الأمنى بحيث يعكس ثلاثة عناصر: أولها: هدف أو عدة أهداف واضحة، وثانيها: وجود التزام من جانب طرف واحد أو أكثر (مثلا الالتزام بالتشاور أو بالدفاع المشترك) وثالثها: وجود طابع مميز للتحالف (عسكرى أو دبلوماسى). باختصار فإن «التحالف» شكل من أشكال التعاون الأمنى الصريح أو الضمنى بين دولتين أو أكثر.
أما «التآلفات»، فيلاحظ الطابع المؤقت أو المدة الزمنية القصيرة نسبيا التى تعيشها هذه الترتيبات، ويرتبط بذلك ضعف أو غياب الجانب المؤسسى فيها، مع غلبة الطابع العسكرى، وجنوحها لضم عدد كبير من الدول.

تجربة الحلف العربى
بعد الحرب العالمية الثانية، مرت المنطقة العربية بصراع حول مواقف دولها من الأطروحات الغربية الساعية لتكوين أحلاف عسكرية لتطويق الاتحاد السوفييتى (حلف بغداد، الحلف المركزى)، وبالمقابل طرحت تجربة التنظيم الإقليمى (جامعة الدول العربية) وبالأخص معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين دول جامعة الدول العربية (17/6/1950)، والتى ألحق بها برتوكول إضافى عام 1951 يقضى بتكوين هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب الدول المتعاقدة.
ويمكن لأى مراجعة سريعة لتجربة السبعين عاما الماضية أن تخلص إلى تعثر كلتا المقاربتين لتعزيز الأمن الإقليمى: فالمبادرات الغربية تحطمت على صخرة الحركة القومية العربية، بينما تعثرت اتفاقية الدفاع العربى المشترك أمام تعقيدات الصراع العربي– الإسرائيلى.
ورغم فشل المنظومة العربية فى القيام بدور عسكرى مؤثر فى معظم الأزمات التى مرت بالمنطقة، لا تزال الدول العربية تبحث عن آليات جديدة لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك. ففى عام 2015 قرر مؤتمر قمة شرم الشيخ تكوين «قوة عربية عسكرية مشتركة للتدخل السريع»، وما لبث أن وضع رؤساء الأركان مشروع برتوكول لإنشاء هذه القوة، غير أن الموضوع «تأجل» فى اللحظة الأخيرة بناء على طلب سعودى سانده عدد من الدول الأعضاء (الكويت، الامارات، البحرين، قطر، العراق).
بالمقابل لابد من التوقف عند نموذج آخر للعمل العربى المشترك هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية (تأسس عام 1981) الذى أنشأ العديد من آليات التكامل بين الدول الأعضاء فى المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية مع الاتجاه للعمل العسكرى المشترك فيما بعد عبر قرار إنشاء قوة مشتركة («درع الجزيرة«) مكونة من 10 آلاف عسكرى (عام 1984) ما لبثت أن ارتفعت إلى 30 ألف فرد. وفى مؤتمر قمة المجلس الثالث والأربعين (2013) تم الاتفاق على تكوين قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس تتبعها قوة من 100 ألف عسكرى. ونذكر هنا تجربة مجلس التعاون لتكوين قوة مشتركة مع مصر وسوريا فى أعقاب حرب تحرير الكويت («مجموعة إعلان دمشق«) غير أن المشروع لم ينفذ، كما يلاحظ الاتجاه لجذب المغرب والأردن للمشاركة فى مجلس التعاون ووجود مقترح بضم اليمن فى مرحلة قادمة.

التآلفات
يمكن القول بأن التآلفات التى تضم دولا تمتلك النية على القيام بعمل ما coalitions of the willing قد أصبحت واقعا يفرض نفسه على حساب نمط الأحلاف القديمة. والملاحظة الرئيسية هنا هى أن ظاهرة التآلفات قد تكاثرت بسرعة فى منطقة الشرق الأوسط.
يلاحظ وجود عدة تآلفات صاعدة حاليا بين دول الشرق الأوسط أهمها:
• التآلف الدولى ضد داعش: فى 11/9/2014 انضمت عشر دول عربية إلى هذا التآلف الذى تقوده الولايات المتحدة (السعودية، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، قطر، الإمارات العربية المتحدة). ويلاحظ المرونة الفائقة لهذا التآلف: ففى اجتماع المجموعة الذى عقد بتاريخ (2/6/2015) لم تحضر سوى 24 دولة من مجموع الأعضاء آنذاك (60 دولة)، وقيل إن هناك 9 دول فقط تأخذ هذا التحالف بجدية.
• تآلف «عاصفة الحزم»: فجر 24 مارس 2015، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت أنها قررت «ردع عدوان الحوثى استجابة لطلب الرئيس اليمنى». وكانت عمليات «عاصفة الحزم» قد بدأت قبل ذلك بساعات بمشاركة الدول الخليجية الخمسة ومعها مصر والأردن والسودان والمغرب وباكستان، مع وجود تصريحات ورسائل إعلامية تشير لوجود مساندة أمريكية وبريطانية للعمليات العسكرية. وعاد البرلمان الباكستانى فاعترض على الانضمام لهذا التآلف وتمسك بالحياد.
• التآلف الأمريكى – الخليجى: اجتمع الرئيس الأمريكى مع ممثلى مجلس التعاون فى كامب دافيد (14/5/2015) حيث عبروا عن التزامهم «بالشراكة الاستراتيجية» التى تجمعهم وأكدت الولايات المتحدة على سياساتها باستخدام جميع عناصر القوة لتأمين المصالح الحيوية ومواجهة أى عدوان خارجى ضد حلفائها، كما عبرت عن الاستعداد للعمل مع دول مجلس التعاون فى حالة أى عدوان أو تهديد لتحديد الإجراءات المناسبة بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية. ومضى البيان الختامى للاجتماع فأشار لقيام «شراكة استراتيجية جديدة لتقرير التعاون الأمنى فى مجالات التسليح ومحاربة الإرهاب والأمن البحرى والدفاع الصاروخى والأمن الإلكترونى. ونص البيان على أن الأطراف سوف تعارض وتعمل سويا للرد على «أنشطة إيران لبث عدم الاستقرار فى المنطقة».
• تآلف 4+1: تم الاتفاق على إنشاء هذا التآلف فى سبتمبر 2015 حيث يضم روسيا وسوريا وإيران والعراق مع انضمام حزب الله فيما بعد. ويهدف هذا التآلف إلى تبادل المعلومات حول «داعش» عبر غرفتى عمليات أحدهما فى دمشق والأخرى فى بغداد، ومع ذلك فمن الواضح أن التنسيق بين هذه الأطراف يتعدى هذا النظام ليشمل العمليات العسكرية التى يقومون بها على المسرحين السورى والعراقى.
• التآلف الإسلامى ضد الإرهاب: أعلنت السعودية يوم 15/12/2015 إنشاء تحالف إسلامى لمحاربة الارهاب بمشاركة 34 دولة. ولوحظ أن هذه المبادرة قد شملت دولا آسيوية مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان كما شملت دولا افريقية مثل نيجيريا بالإضافة لتركيا وعدد كبير من الدول العربية، مع إغفال دول مثل إيران والعراق وسوريا والجزائر وعمان وأفغانستان. وسرعان ما اتضح أنه لم يتم التشاور مع عدد من الدول التى تم إدراجها فى المبادرة (مثلا: باكستان، لبنان، ماليزيا، إندونيسيا).
• اتفاقيات ثنائية: بالتوازى مع ظاهرة التآلفات، شهدت المنطقة العربية سلسلة متلاحقة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الدول الكبرى، نذكر منها على سبيل المثال:
 الاتفاق البريطانى ــ البحرينى (5/12/2014) لتطوير ميناء سلمان بحيث يعمل كقاعدة بريطانية بكلفة نحو 22,5 مليون دولار، تتحملها البحرين.
 الاتفاق الروسى ــ السورى (26/8/2015) بخصوص استخدام روسيا لقاعدة «حميميم» قرب اللاذقية. وفى فبراير 2016 ألمحت منظمة معاهدة الأمن الجماعى عن استعدادها لضم سوريا إليها.
 الاتفاق السعودى ــ التركى (29/12/2015) الذى أنشأ مجلسا للتعاون الاستراتيجى بين الطرفين لتناول القضايا المشتركة فى مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والطاقة والاستثمار. ويلاحظ أن قطر وتركيا كانا قد اتفقا على إقامة آلية مماثلة (يوم 19/12/2015) كما تم توقيع اتفاق للتعاون العسكرى بين الجانبين وأعلن عن إقامة قاعدة عسكرى تركية فى قطر مع إمكانية إنشاء قاعدة قطرية فى تركيا.

خلاصة صورة التآلفات الجديدة فى المنطقة العربية تشير إلى:
• تراجع دور التحالف العربى المركزى (جامعة الدول العربية) بما يعكس تقلص مساحة التوافق بين الدول العربية، وفقدان مصداقية العمل العربى المشترك، وتصاعد عدد الدول الفاشلة التى تعانى من حروب أهلية.
• تعمق حالة عدم الاستقرار فى الإقليم، وتعدد المنازعات فيه، وتباين مواقف الدول العربية والإقليمية بما يعقد ويطيل من هذه المنازعات، بما ينعكس على تعدد التآلفات وتقاطعاتها وطابعها التكتيكى المرتبط بموقف أو نزاع محدد ولمدة معينة.
• التوسع فى تدويل قضايا المنطقة العربية بدخول أطراف دولية وشرق أوسطية كلاعبين رئيسيين وخاصة فى شئون الأمن والدفاع.
• توجد أنماط للتكامل والتنافس بل الصدام فيما بين مجموعة التآلفات الجديدة التى نشأت فى العالم العربى والمؤسسات القائمة فى إطار النظام الاقليمى العربى. ففكرة إيجاد تآلف إسلامى ضد الإرهاب قد تبدو مكملة للتآلف الدولى ضد داعش غير أنها تنافس التنظيم الإقليمى المركزى (جامعة الدول العربية) بل الفكرة العربية نفسها. ويمكن القول بأن التعاون التركى – القطرى، والتركى – السعودى يصطدما بتآلف 4+1 والاتفاق الروسى ــ السورى.
• يمكن رصد عدد من الجوانب الفنية أو الوظيفية فى نمط التآلفات الجديدة، حيث من الواضح تركيزها على الجوانب العسكرية، والاتجاه نحو الجوانب العملية للتعاون (مثلا مشتروات سلاح، التدريب) مع ضعف فى الجانب المؤسسى (مثلا لا توجد أمانة عامة، أو مفاهيم أمنية security concept أو مجالس مشتركة تنعقد على فترات متقاربة.. إلخ).
التنظيم الإقليمى العربى مطالب بدراسة هذه التطورات، وتحليل أسبابها، والتحرك لمعالجتها فى المدى المتوسط والطويل، وتعزيز أطر التعاون العربى داخل منظومة الجامعة العربية. وبالمقابل، فإن تداعيات عدم النجاح فى هذا المسعى يمكن أن تسهم فى تبلور نظام إقليمى فى إطار «الشرق الأوسط الجديد» يضم أطرافا غير عربية، وينتظم طبقا لقواعد جديدة، وربما يحتاج لتنظيم إقليمى مختلف.

 

التعليقات