إعادة انتخاب الرئيس الصينى وإنجازات حكمه - فاروق حلمى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعادة انتخاب الرئيس الصينى وإنجازات حكمه

نشر فى : الجمعة 3 نوفمبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 4 نوفمبر 2017 - 12:25 م
اختتم المؤتمر القومى للحزب الشيوعى الصينى أعماله منذ أيام بإعادة انتخاب الرئيس شى جين بينج أمينا عاما للحزب، مجددا بذلك البيعة له لولاية ثانية كرئيس للدولة لخمس سنوات أخرى. كما انتخب المؤتمر أعضاء اللجنة المركزية للحزب وعددهم 204، الذين قاموا بدورهم باختيار الأعضاء الـ24 للمكتب السياسى لتلك اللجنة من بينهم، وقام هؤلاء بتشكيل اللجنة الدائمة للمكتب والمكونة من 7 أعضاء لتصبح القيادة السياسية الجماعية الجديدة للبلاد، بقيادة الرئيس شى وعضوية رئيس الوزراء ذاته وخمسة أعضاء جدد. 

كذلك قام المؤتمر بتعديل دستور الحزب لإدراج «فكر شى للاشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد» المتضمن مجموعة من المبادئ الساعية لإرساء «دولة اشتراكية حديثة عظمى» بحلول عام 2050، حين تصبح «قائدا عالميا من حيث القوة الوطنية المركبة والنفوذ الدولى» باقتصاد حديث وثقافة متقدمة وقوات مسلحة من المستوى العالمى، وأصبح هذا الفكر بالتالى جزءا لا يتجزأ من منظومة نظريات الاشتراكية الصينية ودليلا إرشاديا جديدا لعمل الحزب والمجتمع بأسره، مما يضفى مكانة تاريخية لأفكار شى تضاهى مكانة الزعيمين ماو تسى تونج، ودينج شياو بينج. وقد أذن ذلك بإطلاق مرحلة ثالثة من تاريخ الصين المعاصرة تستهدف تعزيز النهضة الكبرى للأمة الصينية واضطلاعها بدور عالمى أنشط. 

كما قرر المؤتمر تضمين المبادرات التى أطلقها شى فى ولايته الأولى كالحملة المضادة للفساد، ومبادرة الحزام والطريق المستهدفة لبناء شبكة للبنية الأساسية والتجارة تربط آسيا بإفريقيا وأوروبا على طول طريق الحرير القديم ومد النفوذ الصينى من خلالها للخارج. ونص القرار على «وجوب التمسك بأفكار شى لمدة طويلة وتطويرها بلا انقطاع» مما يكرس تواصل بقائها وتأثيرها لما بعد انتهاء حكمه.

ولاشك أن إدراج فكر شى فى دستور الحزب من شأنه تخويله درجة غير مسبوقة من الهيمنة غير المنازع فيها على الحزب والدولة، وتقوية الحزب البالغ عدد أعضائه 89 مليونا والتغلب على النقائص التى كانت قد أضعفت صلته بالجماهير، مما يمكنه من تفعيل أجندته السياسية بل واحتمال بقائه فى الحكم لما وراء السنوات الخمس القادمة.

***

ولم تأت إعادة انتخاب شى من فراغ، فقد حقق منجزات بعيدة المدى فى السنوات الخمس الأولى، قاطعا شوطا كبيرا فى تحقيق هدف «الحلم الصينى» الذى قطعه على نفسه عندما تولى عام 2012، ويقال إنه أطلق فى سبيل ذلك أكثر من 1500 من الإجراءات الإصلاحية غير المسبوقة فى مدى تغطيتها وعمقها. فعلى الصعيد الداخلى، شن بنجاح حملة لا هوادة فيها لمحاربة الفساد والبيروقراطية عاقبت أكثر من مليون مسئول حزبى ومائة من جنرالات الجيش، واتخذ إجراءات صارمة لتشديد سيطرة الحزب على المجتمع وأمر الإعلام والجامعات بخدمة الحزب، كما فرض قواعد ضابطة لأنشطة المنظمات غير الحكومية والممارسات الدينية وصعد الرقابة على الإنترنت واحتجاز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وإن كان ذلك تم فى إطار من الالتزام بحكم القانون.

وأثمر عزم إدارة شى فى إجراء إصلاحات اقتصادية حدت من تراجع النمو الاقتصادى السابق وأبقت على معدل له بنسبة 7.2% فى الفترة من 2013 إلى 2016، مقارنا بـ4% فى الاقتصادات النامية و2.5% بالنسبة للعالم. كما نجحت إدارته فى تحجيم ملكية الدولة للصناعة وتشجيع إشراك رأس المال الخاص فى الشركات المملوكة للدولة محققة بذلك تقدما نسبيا فى انتهاج اقتصاد السوق، وقامت بتطوير سوق المال وقمع المتلاعبين فيه والمنظمين الماليين الفاسدين. كذلك استثمرت بثقل كبير فى البحث العلمى والتكنولوجى، حتى أصبحت نسبة كبيرة من التقارير البحثية وطلبات تسجيل براءات الاختراع فى العالم تأتى من الصين. 

وحددت الإدارة مكافحة الفقر أولوية متقدمة وتمكنت حملاتها من تخفيض عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر من 100 مليون فى بداية 2013 إلى 43.3 مليون بنهاية 2016. كما جعلت حماية البيئة أولوية أخرى وعاقبت المسئولين والشركات الملوثة لها، وواصلت التزام الصين باتفاقية باريس لتغير المناخ والسعى الجاد للوفاء بأهدافها. كما يحسب لتلك الإدارة وضع نهاية لسياسة الطفل الواحد بهدف مخاطبة تدنى معدلات المواليد.

ودخلت الصين منذ توليه مرحلة جديدة على الساحة الدولية، أنهت السياسة التى اتبعت منذ عهد الزعيم دينج بالالتزام بالتواضع والمواقف المهادنة وكسب الوقت لحين بناء القوة الشاملة، واستبدلتها بسياسة أكثر إقداما ونشاطا وتأكيدا لدور الصين الدولى ومشاركتها فى الاقتصاد العالمى ولمركزها القيادى الإقليمى. وأصبحت بكين فى عهده أكثر عزما فى التعامل مع النزاعات الإقليمية فى آسيا، وصعدت بناء جزر صناعية فى بحر الصين الجنوبى وقامت بدوريات بحرية منتظمة فيه لتأكيد سيطرتها عليه رغم معارضة أمريكا والدول المجاورة، مع الحرص على تجنب الدخول فى مواجهات مسلحة.

كما بزغ شى على المسرح الدولى كمدافع قوى عن العولمة ولاعب ماهر فى مد نفوذ بلاده فى الخارج وتوسيع مصالحها فى البلدان الأخرى، وذلك من خلال ضخ مليارات الدولارات فى القارتين الآسيوية والأفريقية بل وفى أوروبا وأمريكا، وإطلاق مبادرة الحزام والطريق المتضمنة لتعهده بتمويل وبناء شبكات مواصلات وتجارة عالمية فى 60 دولة على امتداد هذا الطريق بمبلغ 124 مليار دولار، مما حفز حكومات محلية صينية ودول وشركات خاصة أيضا لعرض دعمها ماليا. وهذا بخلاف تبنى بكين لإنشاء البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية الذى انضمت دول أوروبية وغيرها لعضويته كمؤسسين ومن بينها مصر. 

كذلك خضع الجيش الصينى أثناء ولاية شى لعملية إصلاح وتحديث شاملة لرفع قدراته القتالية، وتمت إعادة هيكلة أنظمته القيادية والشروع فى تنفيذ خطط لتخفيض عدده بمقدار 300 ألف جندى وبما لا يخل بهدف تحويله لأحد أفضل جيوش العالم. كما تم أيضا إخضاع الجيش بصورة مطلقة لسيطرة الحزب وتطهير قياداته.

وكان من شأن هذه الإنجازات الملموسة فى تحسين أحوال المواطنين ورفع قدر البلاد دوليا أن تمكن شى من إذكاء النخوة الوطنية، وأصبح يتمتع بشعبية بين الجماهير خاصة مع ما تشعر به من جدية وحزم فى محاربة الفساد. وتعزز هذا باختياره لعناصر شابة فى قيادة البلاد لدى إعادة انتخابه يوم 25 أكتوبر الماضى مما ينبئ بإصلاحات أبعد تحقق نهضة الأمة، وما يسهم به هذا كله من تدعيم للعلاقة بين الحكومة والشعب وحشد الطاقات لتحقيق المزيد من التقدم.

***

وأكد الرئيس بعد إعلان تجديد ولايته على وجوب تقيد الحزب بفلسفة التنمية التى تضع الشعب فى صلبها، وإحراز تقدم 
ثابت نحو تقوية شعور المواطنين بالرضا وتحقيق الرخاء المشترك لكل فرد و«جعل أمانيهم فى حياة أفضل محور تركيز جهودنا دائما». ووعد شى ببذل الجهد «لتنفيذ الرؤية الجديدة للتنمية والنضال فى سبيل تحقيق نمو اقتصادى صحى ومستدام يفيد الشعب فى الصين وحول العالم». وذكر «سوف نراجع تجربتنا ونبنى على قوة الدفع الجيدة لمواصلة تحديث نظام الحكم وقدرته، ونبذل الجهد بإصرار لتعميق الإصلاح وانفتاح الصين بصورة أشمل وأوسع للعالم». وأضاف بأن «الشعب الصينى سوف يكون صامدا فى إعلاء مصالح دولتنا فى السيادة والأمن والنماء بثقة وفخر»، وستتعاون الصين مع الدول الأخرى من أجل «خلق جماعة دولية بمستقبل مشترك»، وتقدم إسهامات جديدة أعظم فى سبيل السلام والتنمية للإنسانية جمعاء».

وإذا ما أرادت دولة تهتم بتجربة الصين وتتطلع للاقتداء بنهضتها أن تخرج من تلك التجربة بدروس مستفادة، فيتعين أن يكون أولها التمعن بعمق فيما تتخذه من خطوات لتحقيق التقدم فى مختلف الميادين والسعى الجاد والمتسارع لتطبيق ما أثبت نجاحه منها، وثانيها وجوب أن تكون إعادة انتخاب قيادتها لولاية أخرى فى الحكم مرتبطة بمقدار ما حققته من تغييرات ملموسة على أرض الواقع، ومدى إسهامها بالفعل فى تخفيض نسبة الفقر وتوفير مظلات أمن اجتماعى لمحدودى الدخل وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين ورفع مستوى الخدمات الأساسية المقدمة لهم من صحة وتعليم وبيئة نظيفة وخلافه، إلى جانب زيادة إنتاج الدولة وصادراتها ومعدلات نموها الاقتصادى والاجتماعى الحقيقى، وما يترتب على هذا التطور من دعم لقوتها الشاملة وتعزيز لمركزها الإقليمى والدولى وزيادة انتفاعها من هذا التفعيل على جميع الأصعدة.

 

فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات