الصين تحدد استراتيجيتها حتى سنة 2050 - فاروق حلمى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين تحدد استراتيجيتها حتى سنة 2050

نشر فى : الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 8:35 م
لم يحظ خطاب لزعيم دولة ما أخيرا بقدر من الاهتمام يماثل ما حظى به الخطاب الذى ألقاه الرئيس الصينى شى جين بينج فى افتتاح المؤتمر القومى التاسع عشر للحزب الشيوعى يوم الأربعاء 18 من الشهر الحالى. ولا غرو فلقد أصبحت الصين الحائزة لثانى أكبر اقتصاد فى العالم تلعب دورا مؤثرا على الساحة الدولية، وينتظر أن يستمر تزايد دورها هذا باطراد.
حدد الرئيس شى فى خطابه الذى امتد ثلاث ساعات ونصف الساعة رؤية طموحا تمتد على مدى العقود الثلاثة القادمة، واعدا بإرساء «دولة اشتراكية حديثة عظمى» بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين، حين تصبح «قائدا عالميا من حيث القوة الوطنية المركبة والنفوذ الدولى» باقتصاد حديث وثقافة متقدمة وقوات مسلحة من المستوى العالمى.
واستعرض الرئيس المنجزات التى تحققت فى السنوات الخمس الماضية، مضيفابأن الرخاء المشترك لكل فرد تحقق على نحو أساسى، وبات الشعب يتمتع بحياة أكثر سعادة وأمنا وصحة. لكنه نبه لأن «التناقض الرئيسى» الذى تواجهه الصين حاليا أصبح «التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة لحياة أفضل وبين التنمية غير المتوازنة أو الكافية»، وهو ما أدى إلى «تزايد مطالبه المتعلقة بالديمقراطية وحكم القانون والإنصاف والعدالة والأمن والبيئة الجيدة»، وكذا الاختلافات الواضحة بين الأقاليم الصينية والفجوة متواصلة الاتساع فى دخول الأفراد.
وأعلن شى أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بدأت «عصرا جديدا» لتجديد شباب الأمة وتحقيق حلم النهضة الوطنية. وأكد أن صينا «مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة» فقط هى التى ستستطيع العبور إلى مرحلة جديدة من الاشتراكية، وأن الحزب الشيوعى يجب أن يكون القوة الدافعة لهذا المسار الذى سيضع الصين فى مركز العالم.
******
بدا الرئيس الصينى أكثر طموحا ممن سبقوه من الرؤساء، حيث حدد فى الخطاب خطة للتنمية من مرحلتين؛ الأولى تستمر من عام 2020 حتى عام 2035: يقوم الحزب خلالها بالبناء على الأساس الذى تم إرساؤه بإقامة مجتمع رغد بصورة معتدلة حتى الآن، والعمل الشاق لضمان تحقيق التحديث الاشتراكى وبناء مجتمع رغد الحياة على نحو شامل. وستشهد البلاد عندئذ طفرة كبرى فى قوتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وتكون فى مقدمة ركب الدول المبتكرة، وستكون حقوق الشعب فى المشاركة المتساوية والتنمية المتكافئة مكفولة بشكل تام، ويتم إنجاز بناء الدولة والحكومة والمجتمع وخضوعها جميعا لحكم القانون. وسوف ترتفع نسبة الفئات ذات الدخل المتوسط، وتضيق الفجوة التنموية بين الريف والحضر وبين الأقاليم وكذا بين السكان فى مستوى المعيشة، ويتحقق تكافؤ الخدمات العامة الأساسية ويتقدم جميع أبناء الشعب نحو الرخاء المشترك. كما يتم تشكيل منظومة حوكمة اجتماعية حديثة وتتحسن البيئة الإيكولوجية نوعيا.
أما المرحلة الثانية، فتستمر من عام 2035 حتى منتصف القرن الحالى: ويقوم الحزب فيها بالبناء على ما تحقق من تحديثات ليعمل على تطوير البلاد لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظمى، تتمتع بالرخاء والقوة والديمقراطية والتقدم الثقافى والتناغم وجميلة، متحولة بذلك لدولة ذات تأثير عالمى بحلول 2050. ويتم فى تلك الفترة الوصول لارتفاعات جديدة فى جميع أركان التقدم المادى والروحى والسياسى والثقافى والأخلاقى والاجتماعى والإيكولوجى والعسكرى وتحديث نظام حكم الدولة، لتصبح من الدول الرائدة من حيث القوة الوطنية الشاملة والتأثير الدولى، ويتحقق الرخاء المشترك لجميع أفراد الشعب، وتقف الأمة الصينية شامخة وسط أمم العالم.
******
شرح الرئيس رؤيته فى مختلف مناحى الحياة؛ ففى المجال الاقتصادى، أوضح أن الاقتصاد يمر حاليا بمرحلة انتقالية من النمو المتسارع إلى تنمية عالية الجودة، ويجب ــ من أجل بناء اقتصاد محدث ــ التركيز على الاقتصاد الحقيقى، والارتفاع بمستوى الصناعات للمستوى وسط العالى وفقا لمعيار القيمة الدولى، وتعميق الإصلاح الهيكلى للشركات المملوكة للدولة وتوسعها ورفع مستوى أدائها، وتحويل الشركات الصينية لمستوى عالمى أكثر تنافسية. كما تعهد بأن تكون الصين أكثر انفتاحا وفتحا لأبوابها للعالم وتيسيرا للاقتراب من السوق وحماية لحقوق المستثمر الأجنبى.
كما وعد ببذل عناية أكبر بتقوية البحث الأساسى فى العلوم التطبيقية وشن مشروعات علمية وتكنولوجية قومية، وإعطاء الأولوية للابتكار فى التكنولوجيات بالغة التقدم. وأبدى أيضا العناية بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة كسمة جوهرية للتحديث، واعدا بتأسيس وكالات تنظيمية لإدارة الأصول الطبيعية ومراقبة الأنظمة الإيكولوجية.
وبالنسبة لمشكلة الفقر، شدد الرئيس على وجوب ضمان إدماج المناطق الفقيرة فى المجتمع المتسم بالرخاء المعتدل، وعلى انتشال جميع سكان الريف الذين يعيشون تحت خط الفقر من هذا الوضع بحلول عام 2020، وخلق وظائف أكثر لخريجى الكليات والعمال المهاجرين.
وبينما أبرز شى تحقيق الصين بالفعل لاختراقة تاريخية فى مجال الدفاع الوطنى والإصلاح والتحديث العسكرى، فإنه أكد وجوب تأكيد سيطرة الحزب المطلقة على الجيش وتعزيز قدرة البلاد على التعامل مع الأمن القومى وحماية سيادتها ومصالحها. وقال إنها ستستمر فى دفع التكامل بين القطاعين العسكرى والمدنى، واستكمال تحديث الجيش بأفرعه المختلفة بحلول 2035 وبلوغه مرتبة عالمية بحلول سنة 2050.
وفيما يتصل بدور الصين على الصعيد الدولى، ذكر الرئيس أنه «يجب ألا يتوقع أحدا أن تبتلع الصين أى شىء من شأنه الإضرار بسيادتها أو أمنها أو مصالحها.. وينبغى إعلاء الإنصاف والعدالة الدوليين ومعارضة أى أعمال تستهدف فرض إرادة أحد على آخرين أو التدخل فى الشئون الداخلية لهم وممارسة القوى للاستئساد على الضعيف». وأضاف بأنه «مهما بلغت درجة تطور الصين فلن تسعى أبدا للهيمنة أو التوسع». كما أبدى العزم على مواصلة إعلاء مبادرة «الحزام والطريق» التى تحيى طريق الحرير البرى والبحرى القديم وتعزز التبادل التجارى على امتداده، وتخلق مناخا مواتيا لتنمية البلاد بوجه عام.
ونوه شى بالتحديات التى تواجه العالم مثل عدم الاستقرار الإقليمى والاقتصادى وتزايد اتساع فجوة الثروة والإرهاب والأوبئة الرئيسية وتهديد أمن شبكة المعلومات وتغير المناخ. كما أشار للاتجاهات الحمائية المتصاعدة والمشاعر المعادية للعولمة بالولايات المتحدة وأوروبا، وأومأ لتراجع قيادة أمريكا العالمية تحت إدارة ترامب بقوله: «لا يمكن لدولة بمفردها أن تتعامل مع جميع أشكال التحديات التى تواجهها البشرية ولا يمكن لأى دولة أن تجنح للعزلة». 
******
من أجل تحقيق الغايات التى أعلنها، دعا شى لمواصلة تقوية قدرة الحزب على القيادة وتنظيم صفوف الشعب وإلهام المجتمع. ويجب فى سبيل ذلك التصدى بكل حزم لأى أقوال أو أفعال تقوض سلطة الحزب أو تباعد بينه وبين الشعب، كما ينبغى مواصلة قوة الدفع المتحققة فى محاربة الفساد وتحقيق سيادة القانون، وذلك من خلال تكوين مجموعة مركزية رائدة لدعم الحوكمة القائمة على القانون وحق عامة الشعب فى المساءلة لضمان الالتزام بالدستور. وحث الرئيس الحزب على عدم التهاون مع الفساد على جميع المستويات، مشيرا لنية صياغة قانون وطنى لضمان تنفيذ الحملة المضادة للفساد ــ التى عوقب خلالها حتى الآن 2.1 مليون شخص ــ ومخاطبة كل من أعراضه وأسبابه وتعزيز مراقبة الانضباط.
وقد عكف المندوبون فى مؤتمر الحزب ــ الذى اختتم أعماله يوم الثلاثاء الماضى ــ على مناقشة رؤية الرئيس المعلنة بخطابه، وما هو متوقع من تضمينهم لها فى دستور الحزب ليستأثر شى بذلك بمركز مساو للزعماء ماو تسيتونج ودينج شياوبينج. كما ناقش أيضا قوائم المرشحين لشغل المناصب القيادية التى تضم أعضاء اللجنة المركزية للحزب واللجنة الحزبية لفحص الانضباط.
وقد ترددت توقعات واسعة بين صفوف المراقبين بشأن القيادات الجديدة المنتظر الإعلان عنها، ومهما كان ما ستنتهى إليه فإن من المنتظر أن تتضمن هذه القيادات شخصيات مساندة للرئيس شى ومحل ثقته لتمكينه من تنفيذ رؤيته الطموح.
فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات