منظمات المجتمع المدنى وإعادة بث الخوف - حسام عبدالله - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منظمات المجتمع المدنى وإعادة بث الخوف

نشر فى : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 8:00 ص

تدور حاليا حملة واسعة على منظمات المجتمع المدنى وبالدرجة الأولى على المنظمات المدنية الأمريكية وتتصدر الحملة السيدة فايزة أبوالنجا حيث تقوم بدور المقاتل الذى يحمى مصر من التدخل الأجنبى وتتزعم محاولة القضاء على هذا الدور الأمريكى وبقدرة قادر تتحول الدولة المصرية إلى عدو رئيسى للولايات المتحدة الأمريكية بعدما كانت تؤتمر بأوامرها. إن الدولة تتحرك بموقف يبدو للعامة كما لو انها تقاوم مؤامرة واسعة تحاك ضد مصر ونسمع نفس الكلمات التى بالت منذ أكثر من عام حينما هب شعبنا فى 25 يناير، ويجب علينا ألا ننسى ان السيدة فايزة أبوالنجا هى من بقايا النظام السابق ووزيرة فى وزارات عهد حسنى مبارك إلى يومنا هذا. من المعروف ان المنظمات المقدمة للمحاكمة كلها بلا استثناء تعمل فى مصر منذ عدة سنوات وتقدمت بطلبات ليكون وجودها قانونيا، ولكن طلب منها ان تستمر فى العمل بصفة ودية والجميع يعلم هذا.

 

ان هذه الحملة تدور بالدرجة الأولى لمحاولة إشاعة الخوف فى المجتمع بصفة عامة، وفى المجتمع المدنى بصفة خاصة فالمستهدف حقيقة ليس المنظمات الأمريكية. وانا متأكد تماما انه لن تصدر أى احكام بأى صورة من الصور حيال أى من هذه المنظمات، وان جميع هؤلاء المقدمين للمحاكمة سوف تتم تسوية أوضاعهم بين الحكومة المصرية والولايات المتحدة الأمريكية. ان المقصود هنا هو اشاعة جو عام من الخوف تبدو فيه الدولة كالمقاوم للمؤامرة العالمية التى تحاك ضد مصر. وبذا يصبح انتشار الفوضى والفساد وغياب البوليس والآمان جزء من مؤامرة عالمية يحيكها الطرف الثالث والمعنى به هنا هو الولايات المتحدة الأمريكية وحيث انه لا يمكن لهذا الطرف الخارجى ان يقوم بدوره من الخارج فقط، فإن من ينفذون هذه المؤامرات هم بالضرورة الثوار المصريون الذين تعودت الدولة على تسميتهم بالبلطجية قبل وبعد 25 يناير.

 

هذه الزوبعة هى ليست إلا محاولة بالدرجة الأولى هدفها القضاء على أطراف المجتمع المدنى المصرى وهى أيضا محاولة لتجفيف منابع الدعم لها حتى لو كانت قانونية ومن مؤسسات عالمية، وبالتبعية يؤدى هذا إلى خنق منابع الدعم الداخلى. فها نحن نجد ان الدولة تتقدم بقضية مفرغة من المحتوى الحقيقى ضد المنظمات الأمريكية حتى يؤدى هذا إلى اشاعة الخوف من التعامل معها فى المستقبل وكأن هذه جريمة مجتمعية وان لم تكن حتى قانونية. فعلى سبيل المثال منظمة فريدم هاوس قد لا يوجد لها بالضرورة ترخيص بالعمل داخل مصر ولكنها منظمة عالمية معروفة، تدعم كثيرا من منظمات المجتمع المدنى فى العالم التى تحارب من أجل الحريات الشخصية، ومن ثم فإن مهاجمة فريدم هاوس أو أمثالها ليست فقط مهاجمة لعملهما فى مصر ولكنه بالأساس هو محاولة لمنع القوى العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان من أى تعامل مع أى من المنظمات المجتمع المدنى المحلية حتى لو كان هذا التأييد يمس قضايا اساسية فى حقوق الإنسان كحقوق المرأة أو المواطنة أو حقوق العاملين أو غيرها. هذا الوضع الغريب غير موجود فى كل بلاد الأرض، ولا يتهم أى أحد بالعمالة للخارج الا فى ظل الانظمة الديكتاتورية وبالذات العربية، حتى لوكانت هذه المساعدات تدور فى اطار من القانون.

 

المشكلة الحقيقية ان القانون فى مصر قبل وبعد 25 يناير يمنع أى عمل مدنى فى مصر دون موافقة الدولة عليه وحيث ان الدولة لا تريد حملات من أجل حقوق المرأة أو الحقوق الشخصية أو الحريات أو حقوق الأقليات أو الحقوق الفئوية فإنها عادة ما تمنع أيا من هذه المنظمات من التواجد الرسمى فى مصر وأقصد هنا حتى المنظمات المصرية. ثم تحاول ان تعرقل أى محاولة للتأييد العالمى لمثل هذه المنظمات، فالغرض من الحملة الحالية ان يرسخ فى عمق التفكير المصرى ان كل منظمات المجتمع المدنى ليست الا مجموعات من المأجوريين الذين يعملون لخدمة أعداء الوطن.

 

انه من مسلمات الفكر السياسى ان منظمات المجتمع المدنى هى جزء جوهرى من العملية الديمقراطية، فالديمقراطية ليست فقط الحق فى وجود برلمان مستقل منتخب أو حتى انتخاب رئيس للجمهورية انما الديمقراطية الحقيقية تكمن أيضا فى تمتع اطراف المجتمع المختلفة بالقدرة على التنظيم والحركة حول قضايا خاصة محددة ويتجمع حول هذه القضايا فى كثير من الأوقات قوى قد لا تتفق فى كل السياسات ولكنها تتفق على قضايا مشتركة ومحددة. فعلى سبيل المثال قد تنشأ منظمة للحقوق الشخصية للمرأة وتسعى لمساواة أجور المرأة بالرجل، قد تنضم إلى مثل هذه المنظمة عناصر يسارية أو ليبرالية أو دينية أو يمينية الطابع يناضلون جميعا من أجل هدف محدد، فيتحركون بين الناس ويبثون الدعاية عبر برامج تليفزيونية أو عبر أفلام أو مقالات أو وقفات احتجاجية... إلخ، فبدون وجود منظمات المجتمع المدنى فى كل الدول الديمقراطية فإن الدولة فى النهاية تستأثر بالحكم وتتحول الأحزاب السياسية إلى جزء من الديكور العام. فبلا وجود ضغط مستمر من الشارع بأشكال مختلفة على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية فإن اعادة تكوين الرأى العام لا تكون ممكنة وهذا جزء جوهرى من العملية الديمقراطية والسياسية.

 

من الملفت للنظر كيف تستخدم كل الدول الرجعية الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها فزاعة، بالرغم من ان هذه النظم كلها معتمدة على التأييد الأمريكى وتتبع السياسة الأمريكية فى المنطقة ولعلنا نتذكر انه منذ 25 يناير 2011 لم تتغير السياسة الخارجية المصرية قيد انملة ومازالت مصر بالدرجة الاولى تعمل فى اطار من السياسة الأمريكية بل بالعكس تقلص الدور المصرى على المستوى الخارجى وعلى المستوى العربى وحتى القوى الجديدة الصاعدة أعطت ضمانات كافية للولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تسعى إلى احداث تغيرات جوهرية بأى صورة من الصور فى علاقات مصر الخارجية أو بطابع النظام الاقتصادى.

 

الولايات المتحدة الأمريكية ستتعامل مع أى قوى تحفظ معاهدة السلام وتحفظ هيمنة إسرائيل على المنطقة وذلك بالإضافة ألا تكون بأى صورة من الصور معادية لركيزة الولايات المتحدة الأمريكية الاخرى فى المنطقة ألا وهى الممكلة العربية السعودية وحكم آل سعود لها لأن ضمان استمرار تدفق النفط مرتبط بثبات المملكة العربية السعودية وأيضا الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة فإذا ما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ان تحتوى أى تغير فى المنطقة بحيث تضمن مثل هذه الامور فإنها ستتعامل وتدعم هذه الانظمة الجديدة القديمة.

 

إن الوضع المضحك المبكى فى هذه الزوبعة هو اننا نتهم الولايات المتحدة الأمريكية اتهاما نعلم بشكل قاطع انها ليست وراءه، فليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية زعزعة الامن أو الاستقرار فى مصر، ليس من مصلحتها بأى صورة من الصور حتى انقسام المجتمع المصرى لأن مصر دولة مركزية ومادامت مصر (وهى مازالت) مؤيدة لسياسات أمريكا؛ فإن للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة رئيسية فى الدفاع عن استمرار الحكم كما هو. ان ما يحدث امام اعيننا هو تمثيلية كبرى ليست بالضرورة كل حروفها مكتوبة ومتفق عليها بين مصر والولايات المتحدة ولكن نتائجها معروفة، فالولايات المتحدة لن تقطع المعونة عن الجيش المصرى فهى ضمانة استمراره للعمل وبتأييد الولايات المتحدة الأمريكية وهى لن تقطع هذه المعونات لأنها جزء من طريقتها فى فرض سياستها على المنطقة وفى المقابل فالسلطة المصرية لن تجرؤ على محاكمة وادانة هذه الاطراف التى عملت فى مصر طوال السنوات الماضية بموافقة الدولة المصرية وتحت اعينها بدون أى نقض أو محاولة فى السابق فى تغيير مثل هذا الامر.

 

ان ما أراه اليوم هو ان بعد الانتخابات البرلمانية وما يبدو فى الافق من اتفاق شبه كامل بين القوى الإسلامية والمجلس العسكرى اننا نعيش فى مرحلة اعادة انتاج الخوف للمجتمع المصرى فمن أهم ظواهر الثورة المصرية بعد 25 يناير هو كسر حاجز الخوف فالناس كانت دائما غاضبة ولكنها كانت خائفة ومرتعبة من الخروج والمواجهة. ولذا فجزء جوهرى مما يسعى إليه المجلس العسكرى ومعه مؤيدوه الجدد فى البرلمان هو اعادة انتاج الخوف من مواجهة السلطة بكل اشكالها، هذا تم فى البداية عن طريق الضرب وطلقات الرصاص وقتل الشهداء وتعرية النساء... إلخ. وقبل وبعد هذا بالهجوم على المنظمات المقاومة المصرية مثل حركة 6 أبريل التى لم تتوقف الاتهامات على الرغم من ان النيابة برأتهم من أى تهم ضدهم.

 

حملات التخويف تجرى الآن بشكل اوسع بحيث يصبح أى هجوم على المجلس العسكرى أو حتى على البرلمان نوعا من الإجرام، ومما لا شك فيه ان هذه الزوبعة الجديدة حول النائب الشاب الشجاع زياد العليمى هى محاولة لتأديب كل من تخول له نفسه من أعضاء البرلمان ان يهاجم المجلس العسكرى أو المشير. فالمطلوب منا ان نعود للخوف مرة أخرى بحيث يصبح هناك خط أحمر لا يمكن لنا تجاوزه. المطلوب ان نرجع لما قبل سنة 2005 حيث كان هناك خط أحمر حول العائلة المقدسة الأب والابن والزوجة التى لا نستطيع ان نهاجمهم.

 

ان النضال اليوم هو حول شكل ومستقبل الديمقراطية فى مصر، وعليه فالاستمرار فى كسر حاجز الخوف من ناحية وتأييد المجتمع المدنى فى مصر باعتباره جزءا جوهريا من العملية الديمقراطية من ناحية أخرى هو واجب رئيسى وفرض عين فى مواجهة وكشف هذا المخطط، ولعلنا نتذكر ان المجتمع المدنى ليس فقط خاصا بالحريات وبحقوق النساء او الفئات المختلفة بل هو جزء اصيل لخلق العدالة الاجتماعية، فالمجتمع المدنى أيضا معنى بإنشاء نقابات جديدة ذات نوعية مختلفة ومستقلة عن تأثير الدولة، فالكفاح من أجل الديمقراطية هو كفاح لصالح الفقراء وكفاح لصالح كل المحرومين فى المجتمع ومن ثم فالوقوف وقفة رجل واحد لفضح مثل هذه التشويهات هو موقف جذرى علينا جميعا ان نتخذه.

 

إنهم يكذبون، وهم يعلمون اننا نعلم انهم يكذبون، ونحن نعلم انهم يعلمون اننا نعلم انهم يكذبون، وللأسف فالبعض منا يتوق إلى كذبهم لأن هذا يعفيهم من أسئلة صعبة على النفس وعن مواجهة حقيقية مع عمق الخوف الذى يسعون من أجل اعادة زرعه فينا.

حسام عبدالله طبيب مصري مقيم في بريطانيا
التعليقات