جبهة الإنقاذ بين الانتحار السياسى والإنقاذ الوطنى - حسام عبدالله - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جبهة الإنقاذ بين الانتحار السياسى والإنقاذ الوطنى

نشر فى : الثلاثاء 12 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 مارس 2013 - 8:00 ص

أعلم أننى بكتابة هذا المقال قد أغضب عددا ليس بالقليل من الأصدقاء ورفاق الدرب، قد أغضب قيادات وشخصيات عامة أجلها وأحترمها ومازلت اعتبرها القيادة الرئيسية لاستكمال أهداف الثورة المصرية. وقد أغضب ابنى وابنتى اللذين تركا كل شىء وأقاما بمصر منذ اندلاع الثورة وما زالا «مصرين» على استكمالها هما والعديد من الشباب والأصدقاء الذين ارتبطوا بهما وبى شخصيا سواء فى لندن أم فى القاهرة. وقد تمت كتابة هذا المقال قبل صدور قرار المحكمة الإدارية بخصوص إحالة قانون الانتخاب إلى المحكمة الدستورية العليا ووقف العملية الانتخابية، وهو القرار الذى يعد بلا شك مكسبا للحركة الديمقراطية، إلا أننى مازلت مقتنعا بأن القضايا التى أطرحها فى مقالى هذا على نفس القدر من الأهمية سواء تمت العملية الانتخابية فى موعدها أو فى موعد آخر.

 

والقضية التى أود أن أناقشها هنا هى قرار جبهة الإنقاذ بمقاطعة الانتخابات البرلمانية والذى أعتقد أنه بمثابة الانتحار السياسى حال استمراره. أقول هذا وأنا مقتنع تماما أن هذه الانتخابات سوف تتم تحت إشراف حكومة منحازة للإخوان المسلمين، وكذا تجرى بدون رقابة محلية أو دولية ذات اعتبار أو حيثية، وأن مكتب الإرشاد سوف يستعمل كل الوسائل، بما فيها التزوير ربما، لضمان النتيجة لصالحهم.

 

قد يكون الرئيس مرسى فقد شرعيته منذ أن عاد من مفاوضات غزة التى وافق فيها على الطلبات الإسرائيلية كاملة، باعتبار أن أمن غزة والتحركات العسكرية هى مسئولية مصر وليست فى يد الفلسطينيين، فاحتفلت به الصحافة العالمية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص معلنين الرضاء الكامل عنه بعد ما قدم أوراق اعتماده. وبهذا استطاع مرسى إصدار إعلانه غير الدستورى ليبدأ المشروع الإخوانى فى السيطرة على الدولة.

 

يقول البعض فى تبرير مقاطعة الانتخابات أن خوضها يعنى إعطاء الإخوان والرئيس مرسى الشرعية الكاملة، وبالذات أنهم يفعلون كل شىء من أجل إكمال عملية التمكين السياسية بالسيطرة على البرلمان. ولكن هذا القول يتجاهل أن الشرعية السياسة لا تكتسب إلا برضاء الشعب، بمعنى أصح فان تزوير الانتخابات يفقدها شرعيتها سواء شاركنا فيها أم لم نشارك. وعلى العكس فان المشاركة هى التى تكشف التزوير وتثبت فقدان الشرعية، وفى المقابل فإن ضرورة التزوير تنتفى حال عدم المشاركة.

 

سيسعى الإخوان بكل الإمكانيات إلى كسب هذه الانتخابات لأن خسارتها تعنى هزيمة مشروعهم السياسى. ونحن جميعا نعلم أن شعبية مرسى والإخوان فى تناقص مستمر، والهجوم عليهم يتسع كل يوم مما ينبئ بأنه فى غياب التزوير، وفى حال توحد قوى الجبهة فإن احتمالات نجاح القوى الديمقراطية المعارضة لحكم الإخوان عالية، والتزوير يمكن إيقافه أو التقليل من آثاره بالمشاركة الواسعة لشباب الثورة فى كل مكان للإشراف على الصناديق والتصدى لكل أشكال التزوير، بل وتوظيف طاقاتهم فى حشد المواطنين الراغبين فى التصويت للمعارضة، وحثهم على الخروج للتصويت وتمكينهم من الوصول لصناديق الاقتراع. وإذا كان مؤيدو الإخوان «حيروحوا بدرى.. نروح احنا بدرى عنهم»، ذلك أن المشاركة فى هذه العملية تؤدى حتما إلى مزيد من وحدة قوى الثورة والتحامها من خلال هذه المعارك.

 

شاركت قوى جبهة الإنقاذ فى الاستفتاء على الدستور فى آخر لحظة، وعلى الرغم من هذا التأخر وكل التجاوزات التى حدثت فلقد حازت القوى المعارضة للدستور على ٣٦٪ من أصوات الناخبين، وذلك على الرغم من ان الكثير من مؤيدى القوى المدنية لم يذهب للاستفتاء. وعلى الرغم من هذا فإننا لم نعط لهذا الدستور أى مصداقية أو شرعية، فهو كان ومازال فى أعيننا وأعين الكثير من أبناء شعبنا دستورا غير شرعى ولد سفاحا. لقد حصلت القوى المدنية على ربع البرلمان حين كان الإخوان فى اوج قوتهم، وكانت مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء تجرى على قدم وساق، فكيف بنا نمتنع عن النزول والصراع ضدهم فى كل مكان وهم فى أوج ضعفهم الآن، وبعد سقوط القناع عن توظيفهم للدين لتحقيق أحلامهم فى الاستيلاء على السلطة. وها هى انتخابات الاتحادات الطلابية بطول البلاد وعرضها تنتصر للقوى المدنية على الرغم مما فى لوائح الطلاب من عوار، وعلى الرغم من المحاولات رشوة الطلبة بالملازم وغيرها.

 

لقد اكتسبنا وجودا سياسيا فى البرلمان السابق وظهر من بيننا قيادات برلمانية رفعت لواء المعركة السياسية داخل البرلمان، وفى حال عدم اشتراكهم فى الانتخابات هذه المرة فإن احتمالات فوزهم بعد أربع سنوات تكون أقل، حيث إن أى نائب جديد منتخب بدلا من نائب الإنقاذ سوف يسعى إلى تكثيف وتعميق وجوده السياسى والمحلى، وبذا تصبح إمكانية هزيمته فى المستقبل أصعب. ذلك بالإضافة إلى أن المعارضة البرلمانية ستكون فى يد حزب النور وحزب مصر القوية وغيرهم امن الأطياف الأخرى للتيار الإسلامى، بالإضافة لأعضاء وقيادات من الحزب الوطنى السابق، ولذا فالمعارضة البرلمانية ومن ثم السياسية ستكون خارج نطاق القوى الثورية والمدنية.

 

ولعلنا جميعا نعلم أن جبهة الإنقاذ لا تحرك الشارع المصرى وان كانت شعاراتها وأهدافها تتطابق مع شعاراته، فهى تؤثر فيه وتتأثر به ولكنها لا تسيطر عليه ولذا فعلى الجبهة ان تستمر كالمعبر السياسى عن الشارع الثورى فى مصر، فمعركة الجبهة هى محاولة الوصول إلى السلطة لتنفيذ مطالب الثورة، وهذا يتأتى بالعمل فى جميع الاتجاهات. فنحن فى الشارع مع الإضرابات والاعتصامات، وهى التى تعطينا الزخم، ونحن فى المحاكم نتصدى للقوانين الجائرة، ونحن فى النقابات نناضل من أجل استقلال الحركة النقابية، ونحن فى الانتخابات النيابية نحارب الديكتاتورية الدينية ونتمسك بشعارات الثورة ومدنية الدولة، رافضين للدستور، رافضين للحكومة، رافضين لحكم المرشد.

 

إن حالة السيولة السياسية والأمنية فى العديد من المدن على طول البلاد وعرضها، ناهيك عن حالة الرعب والمواجهات واستعراض القوى بين البوليس والألتراس، وانسحاب البوليس من بورسعيد وحالة الفوضى العامة، تنبئ بأن احتمالات إجراء الانتخابات قد يكون من المستحيل، خصوصا أن الرئاسة وحركة الإخوان والحكومة يتصرفون وكأن ما يحدث فى البلاد لا يخصهم. فالتمكين الشامل عبر انتخاب برلمان موال هو شغلهم الشاغل، ولذا فإن غياب جبهة الإنقاذ، كعنوان واضح وصريح لإفشال مشروع التمكين، يشكل خطرا داهما على مستقبل الثورة المصرية.

 

إن نزول الانتخابات، حال حدوثها، بشعارات مؤيدة للشارع يضيف زخما ولا يعطل الحالة الثورية. والمشاركة فى الانتخابات تتم أيضا من أجل وباسم شهداء الثورة، ومن أجل أن يكون لهم صوت يمثلهم ويسعى لتحقيق المطالب التى استشهدوا من أجلها بالسعى للوصول إلى السلطة. ان حالات الاعتصامات والإضرابات والعصيان المدنى فى بعض المحافظات هى عمل ثورى مشروع، وهى تعبير عن رفض شعبى ورغبة عارمة فى التغيير، ولكن فى حال غياب قيادة سياسية تأخذ بزمام هذه الحركة، تكون النتيجة حالة من الفوضى العارمة التى تستدعى نزول الجيش مرة أخرى إلى الشارع السياسى المصرى، الأمر الذى يؤدى إلى إحلال الديكتاتورية العسكرية محل الديكتاتورية الدينية والعودة إلى المربع الأول. ولذا وجب خلق تلاحم بين القوى السياسية، وعلى رأسها جبهة الإنقاذ، وبين الشارع المصرى لفرض البديل السياسى لحكم الإخوان.

 

إن تحقيق أهداف الثورة لن يحدث ما لم تصل قوى الثورة إلى سدة الحكم، وعليه فالبديل لسيطرة الإخوان ليس إسقاط الدولة أو إعادة الديكتاتورية العسكرية، التى قد تأتى هذه المرة بتأييد شعبى لغياب البديل السياسى، بل هو جبهة للإنقاذ تكون عنوانا واضحا للعيان متحدا فى المعارك وقادرا على تسلم السلطة، فالهدف هو تغيير الحكم بما يحمى الحرية ويحقق العدالة الاجتماعية.

 

إن مقاطعة جبهة الإنقاذ للانتخابات لا قيمة له إلا بمقاطعة شعبية واسعة تخفض الإقبال على صناديق الاقتراع لأقل نسبة ممكنة. فاذا كانت الجبهة مصرة على المقاطعة فلا بديل من حملة سياسية وإعلامية ضخمة فى كل مكان، بنفس التكلفة التى كنا سننفقها على العملية الانتخابية برمتها وعلى المرشحين، بل وأكثر، حملة نعلن من خلالها بوضوح وببساطة لماذا نقاطع، حملة ندعو فيها كل أبناء الشعب إلى عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، حملة شعبية لحصار المقار الانتخابية لاقناع الآخرين بعدم الاقتراع، حملة نتقدم فيها ببرنامج واضح ومحدد لكيف يمكن للوطن الخروج من ازمته وكيف يتم بناء المستقبل. بكلمة واحدة على جبهة الإنقاذ ان تتقدم بمشروع الإنقاذ والبناء، ولهذا فالسؤال لجبهة الإنقاذ هو: هل نقدر ــ بصدق ــ على تنظيم مثل هذه الحملة؟ بغير ذلك تكون المقاطعة عملا أجوف، قد يرضى ضمائر البعض ولكنه لا يعبر عن أى مفهوم ثورى، فهو ببساطة يضيع ما استشهد من أجله شبابنا ويسلمه، جملة وتفصيلا، لقوى الظلام التى تريد اعادة الديكتاتورية مرة أخرى مستبدلة الحزب الوطنى بالذين يستخدمون الدين للسيطرة على حال العباد.

 

إن البلاد تمر بحالة إحباط غير عادية، وكل من ناصر الثورة يحس بغصة فى الحلق وألم فى الصدر وهم يرون الإخوان يفرضون حكمهم خطوة بخطوة، ويتحدون أى قوة تحاول الوقوف فى طريقهم، بعد طبخ الدستور وإكمال عملية الاستيلاء الكامل على مقدرات البلاد، عبر انتخابات تتجاهل كل القواعد الديمقراطية، وتضرب عرض الحائط بالقانون والهيئة القضائية. وربما كان كل هذا متوقعا ولا يؤدى إلى الإحباط، إلا أن غياب قوى مدنية متحدة وقادرة على تحدى الإخوان فى كل منعطف يسلكون، وإعلان هذه القوى مغادرة المعركة والمواجهة، هو الذى يصيب الشعب باشد أنواع الإحباط. من البديهى ان يتم وضع الصعوبات لعرقلة طريقنا وامكانيات نجاحنا، ولكن ما هى الثورة أن لم تكن تحدى هذه العقبات وهزيمتها؟ إن نزول القوى الثورية للانتخابات إنما هو لتحقيق أهداف الثورة وليس للتكسب منها، والشباب الذى يتحرك ويعطى كل ما يملك من أجل ثورته هو الكفيل بحمايتها ومنع عمليات التزوير والانحياز للإخوان.

 

ان إسقاط المشروع الإخوانى يسير فى خطين متوازيين: الشارع والصندوق.

حسام عبدالله طبيب مصري مقيم في بريطانيا
التعليقات