البرادعي ومعضلات حركة التغيير - حسام عبدالله - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 1:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البرادعي ومعضلات حركة التغيير

نشر فى : الإثنين 11 مارس 2013 - 4:00 م | آخر تحديث : الإثنين 11 مارس 2013 - 4:00 م

حين طرح الدكتور محمد البرادعى نفسه على الساحة السياسية المصرية ببيانه المشهور فى الرابع من ديسمبر 2009 كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. احدث هذا التصريح زلزالا هائلا فى الحياة السياسية المصرية ليس فقط لان من قدم هذا البيان شخصية هامة ذات وزن دولى ومحلى .معروف منها انها لم تتلوث باى شكل من اشكال الفساد السائدة فى الدولة ولكن الاهم هو انه تقدم ببرنامج جديد للحكم برنامج اوضح ان هناك مرشحا ذا ثقل يدعو الى طريق ثالث بين الدولة الدينية ودولة الفساد والافساد .

 

لقد طرح البرادعى شعار التغيير وكنه لم يطرح اى تغيير فى المطلق فهو الذى طالب فى بيانه الاول السعى الى بناء دولة مدنية مصرية تقوم على الحدلثة والاعتدال والحب والحكم الرشيد ، دولة فيها الدين لله والوطن للجميع ، دولة تقوم على تمكين الشعب نساء ورجالا ولاحظوا الترتيب ، ودولة تقوم على احترام الاغلبية وحماية الاقلية وتكافؤ الفرص ، وكل كلمة فى هذا البيان كانت منتقاة بعناية فائقة ، فالبرادعى على هدوئه الشديد جاد وثوى فى ان واحد ، طرح نفسه كممثل لتيار ضخم من الطبقة الوسطى المصرية التى تكره الفساد وتأثيره على حياتها اليومية ، وفى نفس الوقت لا تريد دولة دينية مرجعيتها الفقهاء وليس الشعب ، نعم تريد المرجعية لهذا الشعب الاكثر تدينا من أى شعب أخر فى العالم ولكن تدينه تدين وسطى.

 

طرح البرادعى نفسه أذن كممثل لهذا التيار الوسطى فى الآمة المصرية ممثلا للأقباط والمسلمين المعتدلين الذين يسعون إلى وحدة الوطن وتقدمه، وطرح نفسه كمثل للحداثة والتوازن بين الاقتصاد الحر والعدالة الإجتماعية وهو من طالب بوضع دستور جديد يقوم على كفالة جميع الحريات وحقوق الانسان المتفق عليها عالميا .

 

البرادعى اذن لم يدع إلى التغيير فى المطلق، ولكنه دعا إلى تغيير من نوع معين ولهذا التف حوله الاف من أبناء وبنات هذا الوطن مسلمين ومسيحيين ملتحيين وعلمانيين، محجبات وسافرات، يجمعهم جميعا الرغبة فى إصلاح حداثى سلمى لا يتجاوز مسلمات الآمة ولكن يتعامل معها فى إطار من العقلانية والإيمان الشديد للشعب وبالتغيير، إن أهم ما كشفه هذا التأييد هو عمق واتساع مؤيدى التغيير والفكر المدنى و العقلانى فى مصر .

 

أعلن البرادعى فى بيانه الأول أن مصر فى هذا الوقت تحتاج إلى رئيس توافقى يلتف حوله الجميع ومن ثم فإنه رغم وضوح الرؤية لديه فيما يريده للوطن يسعى لوحدة كل الأطراف حول مشروع للتغيير ، وهو أيضا يؤمن بأن التغيير سوف يأتى فقط عبر قناعة الناس والشعب بضرورته ، ومن ثم حملته من أجل توقيعات على بيان النقاط السبع " معا سنغير " فهذه النقاط وحدها ليست التغيير المنشود حتى من قبله ، ولكنها الحد الأدنى الذى يجمع كل نشطاء الأمة الراغبين فى التغيير ، وهو هنا يسعى لأن يعمل الشباب والمفكرون والحركات السياسية من أجل حملة واسعة يدور فيها النقاش حول التغيير وما يتضمنه وبالقطع إذا لم يتوافر الحد الأدنى من الموقعين او الراغبين فى التغيير فمن باب أولى لن تحدث حركة جماهيرية شعبية او ثورية .

 

وبسبب هذه الدعوة ألتف عدد كبير من خيرة رجال ونساء هذا الوطن من دعاة التغيير ، حول الدكتور البرادعى وتم إنشاء الجمعية الوطنية للتغيير ، حيث شملت هذه الجمعية بشكل إيجابى من أجل طرح أفكار الرادعى والترويج لها على جميع المستويات ، وتشكلت لجان لدعم التغيير داخل وخارج الوطن .

 

ولكن للأسف اصبح الأن واضحا أنه كان هناك تناقض بين قيادات المثقفين الذين أحاطوا به وجزء من الشباب الراغبين فى رفع سقف المواجهة ، فكلاهما يطالب بأن يقوم الرادعى بدور قيادى وفعال فى هذه الحركة وأن يستقر فى مصر ، وكلاهما يسعى لأن يقوم البرادعى بدور الداعية والمفكر والقائد عبر العديد من اللقاءات والمؤتمرات على طول اللاد وعرضها وعلى جميع المستويات " وكان الحملة الرئاسية قد بدأت دون تغيير فى الظروف السائدة ودون تحقيق اى من النقاط السبع" .

 

بل فقد طالب البعض بأن يكون البرادعى فى مقدمة الصفوف المواجهة للنظام سواء فى المظاهرات أو الاعتصامات، ونفى المقابل فإننى أعتقد أن الدكتور البرادعى يسعى لآن يشجع الجميع على العمل طويل الآمد من اجل جمع توقيعات على بيان السبع نقاط وعلى كسر حاجز الخوف كما قال مؤخرا البرادعى فى تقديرى يرى ان هذه مرحلة الدعوة وليست مرحلة المواجهة المباشرة مع السلطة.

 

وأغلب الظن أن الربرادعى فى سعيه إلى التوافقية لا يريد المواجهة ولا يريد الدخول فى تقاصيل وفى نفس الوقت فعينه من ناحية على زيادة عدد مؤيديه والموقعين على البيان. ومن ناحية أخرى على مؤسسات الدولة المصرية ذاتها " وهو من أبنائها" فهو لا يسعى للصدام المباشر معها بل لعله أيضا يسعى إلى استقطاب جزء اصلاحى منها .

 

ومن هنا فإننى ارى أن البرادعى ليس فقط بديلا محتملا للمعارضة المصرية، ولكنه أيضا بديل قد تراه بعض أطراف السلطة المصرية منفذا سياسيا ، وبالذات فى الوقت الذى تزداد فيه أزمة النظام فى إطار شيخوخة الحكم ، والرفض العام لفكرة التوريث، والاحساس بانعدام البدائل ، فالبرادعى هنا بالقطع ليس فقط مرشح الاصلاح والحداثة .

 

البرادعى وقف للامريكان فى العراق وايران ولكنه ليس معاديا للأمريكان وبالقطع هم لايرون فيه تهديدا لمصالهم اذا جاء رئيسا لمصر ، ولهذ الاسباب مجتمعة أصبح للبرادعى حضور هائل حتى فى غيابه المتكرر عن الوطن .

 

أننى وببساطة شديدة لا أرى أن هذا السرد أعلاه فيه مايعيب الدكتور البرادعى فالوطن لا يشهد حالة ثورية تقوم حركة البرادعى بوأدها ، الوطن فى حقيقة الآمر يشهد فرزا طائفيا وطبقيا ونحن فى احتياج شديد لاصلاحه ولإنقاذ البلاد من أخطاره، ثم وبعد تردد دام شهورا طوية أعلنت حركة الإخوان المسلمين مؤخرا - وبالتحديد بعد التزوير الفاضح ضدها فى انتخابات مجلس الشورى – تأييدها ودعمها لبرنامج النقاط السبع وأنها سوف تطلب من أعضائها ومؤيديها الإشتراك فى حملة البرادعى من أجل التغيير ، وفى نفس الوقت أقام البرادعى مؤتمرا صحفيا تحت علم الإخوان المسلمين أعلن فيها انه مازالت هناك خلافات مع الإخوان ولكنه يؤيد حقهم فى إعلان نفسهم فى حزب سياسى إذا ماقبلوا بمدنية الدولة وبالتبادل السلمى للسلطة " من الملاحظ أن هذا لايتعارض مع بيانه التاسيسى حيث تمسك بضرورة إصدار دستور جديد يقوم على حقوق الإنسان المتفق عليها حاليا " .

 

الحقيقة المؤكدة أن الرادعى أصبح لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية وكل الأطراف تسعى إليه ولن يفيد الحركة الوطنية الليبرالية أو اليسارية ؟أو كل اطراف المعارضة المجدنية فى مصر أن تعادى الدكتور البرادعى ، المطلوب الأن هو العمل الجاد والدءوب من أجل التغيير الديمقراطى السلمى حول النقاط السبع ، بل والأهم حول برنامج 4 ديسمبر 2009 ، ولن يفيد القوى المدنية أن تقول أن البرادعى ليس جادا أو انه تحالف مع الإخوان ، فهو – فى المحصلة النهائية – يظل من أهم دعاة الحرية والديمقراطية والدولة المدنية .

 

البرادعى هو رمز التغيير الأقوى و الألتفاف حوله لا يجب أن يوقف الحركة من أجل إقناع الناس بأهمية وحتمية التغيير ، فالتغيير الحقيقى هو تغيير الشعب بأفراده وطوائفه ، علينا جميعا إذا ان نستمر فى دعوتنا من أجل هذا النوع من التغيير ، وألا نكل فى دعوتنا من أجل وحدة هذا الوطن ، ومن أجل الحداثة والعدالة الإجتماعية ، ومن أجل أن تتبوأ مصر مرة أخرى موقعها الأقليمى المنوط بها كما قال الدكتور البرادعى .

 

يتساءل كثيرون " ثم ماذا بعد التوقيعات ؟ " , بمعنى أخر ماقيمة التوقيعات فهى لن تغير الحكم ؟ .

 

إن جمع التوقيعات هو عمل سياسى يومى يتم فيه اللقاء بالعمة والخاصة وتناقش فيه المشاكل والرؤى المستقبلية , وهو بالتأكيد عمل شجاع يقوم به الذين يجمعون التوقيعات أولا ثم الذين يوقعون – فوراء كل موقع هناك العشرات بل المئات التى تود التوقيع ولكنها لم تتجاوز مخاوفها بعد , إن الحصول على عدد كبير من الموقعين سوف يشكل زخما سياسيا نضاليا كبيرا من أجل التغيير المنشود ، ولا يجوز التقليل من أهميته .

 

إن الديمقراطية الحقيقية ليست هى حرية الهجوم على الحاكم ولكن الديمقراطية هى إمتلاك القدر على التغيير , إن كراهية الحكم لاتعنى اأن الثورة على الأبواب , إن الثورة والتغيير يحدثان فقط عندما تمتلك قوى التغيير إرادة الفعل حين تشعر بقوتها , وقوتها تأتى من وحدتها – وحدة الهدف ووحدة الحركة – والعمل طويل النفس .

 

عضو الجمعية الوطنية للتغيير «فرع المملكة المتحدة » لندن 8 يونيو 2010

حسام عبدالله طبيب مصري مقيم في بريطانيا
التعليقات