مركز مجدى يعقوب.. نموذج عالمى يحترم آدمية المرضى - حسام عبدالله - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مركز مجدى يعقوب.. نموذج عالمى يحترم آدمية المرضى

نشر فى : الإثنين 20 يونيو 2016 - 8:40 م | آخر تحديث : الإثنين 20 يونيو 2016 - 8:40 م

فى رحلة بديعة إلى الأقصر فى مارس الماضى (حيث دعيت لإلقاء محاضرة فى العيد الثلاثينى للمركز المصرى لأطفال الأنابيب ــ أول وأكبر مركز لعلاج العقم فى مصر) ثم إلى أسوان وأبى سمبل، نجحت أنا وزوجتى الدكتورة مديحة الصاوى فى ان نزور مركز الدكتور مجدى يعقوب فى اسوان.


عندما زرنا المركز لم يكن بروفيسور يعقوب موجودا ولكن استقبلنا الدكتور محمد زكريا المدير العام للمركز واستشارى العناية المركزة، شابٌ فى مقتبل عمره لم يتجاوز الخامسة والثلاثين وهو عبارة عن شعلة من النشاط والحيوية وتحس مباشرة بكم الحب والتقدير والاحترام له فى كل شبر من هذا المكان.

ومن المثير للاهتمام هنا (وهى معلومة عرفناها من د. زكريا) ان متوسط عمر معظم العاملين بالمركز لا يتجاوز منتصف الثلاثينيات، كلهم شباب ملىء بالحماس والرغبة فى اتقان العمل منهم المسلم والمسيحى (١٥٪ من مجمل العاملين) رجال ونساء المحجبات منهن والسافرات كلهم مصريون يعملون فى صمت وسط الضجيج الخافت لأجهزة العناية المركزة.


الاختيار هنا واضح ومقصود الشباب هم قلب ومستقبل المكان تم تدريبهم على نوع مختلف من العناية نقطته المحورية هى المرضى وليست الأطباء، وهذه الرؤية تعطى الثقة ان هذا المركز سيستمر حتى بعد غياب الدكتور مجدى يعقوب، فالمركز ليس قائما على شخص بعينه انما هو مكان لنقل الخبرة المكتسبة فى المملكة المتحدة إلى اسوان بما فى ذلك التدريب والتعليم المستمر.


الجندى الخفى لهذا الصرح اسمه ايضا «مجدى» ــ دكتور مجدى اسحاق ــ فهو فى نهاية العقد السابع من عمره، وبدونه لما قامت لهذا المركز قائمة (هذا تعبير سمعته من الأستاذ هشام عز العرب رئيس بنك CIB الذى قابلته على العشاء فى إحدى زياراته للندن). الدكتور اسحاق يعمل بمنطق ان دور الإدارة هو توفير كل الظروف اللازمة لكى يتفرغ الأطباء لعملهم الرئيسى (علاج المرضى) دون شغل اهتمامهم بتفاصيل الإدارة اليومية الخاصة بتوفير المعدات او الأدوية اللازمة للمرضى... إلخ.


وبينما تسمع قصص عن الدكتور مجدى يعقوب وتفانيه الشديد من اجل علاج مرضاه، فأنت ايضا تسمع الكثير عن مجدى اسحاق وعن دوره وتعليماته فى كل ما يختص بإدارة المكان والتأكد دائما من سير الأمور على أحسن ما يكون. وهنا اتذكر قصة رواها لى د. مجدى اسحاق ــ انه فى بدء عمل المركز كاد يمر بأزمة مالية لولا كم التبرعات من متوسطى الدخل المصريين فى شهر رمضان، ومن الجدير بالذكر هنا ان المركز ايضا يتلقى تبرعات من العديد من كبار المتبرعين الذين يتبرعون من أجل مشروع بعينه بالمركز وفى بعض الأحيان تلاحظ اسماءهم مكتوبة بأماكن مختلفة فى المستشفى سواء كانت تبرعا او صدقة جارية.


لقد استغرقت زيارتنا للمركز عدة ساعات زرنا فيها جميع الأقسام فى المستشفى بدءا من العناية المركزة للأطفال ثم الكبار، مرورا بالصيدلية والكمبيوتر سنتر حتى وصلنا إلى الكافيتريا ومطعم العاملين وجميعها اماكن شديدة النظافة وألوانها مريحة للعين، ولاحظنا عند دخول المطبخ شهادة معلقة على الحائط من احدى كبار منظمات الفندقة مكتوب عليها «درجة الجودة ٩٩.٦٪» كم يملؤك الفخر حقا ان الـ«مجديين» نجحا فى بناء قطعة من أوربا بأياد مصرية.


وربما لا يعلم الكثير أن كل انواع العلاج والعمليات يتم اجراؤها فى المركز بالمجان، وبالتالى فلا يوجد كالمعهود قسم خاص وقسم عام؛ فالمريض كبيرا فى السن كان او صغيرا يدخل الغرفة او العنبر الذى يناسب حالته الصحية وتصرف له جميع الأدوية ايضا بالمجان. يقوم بإجراء كل انواع عمليات القلب الدكتور مجدى يعقوب وكذا فريق من جراحى القلب الشبان الذين تدربوا على يديه وهم الآن يقومون بأغلب الجراحات المعقدة منها او البسيطة، وهذا من اهم انجازات د. مجدى يعقوب حيث ان هدفه الدائم هو تدريب الآخر ونقل الخبرة.


الأطباء العاملون يتلقون مرتبات جيدة جدا مقارنة بالدخول العامة فى مصر، ولكن ليس لأى احد منهم عيادات خاصة، ويبدو لدينا انهم لو كان عملهم خاص فإن دخول الكثير منهم كانت ستكون اعلى مما يأخذون، الفرق هنا ان هذا الدخل يوفر حياة كريمة لهؤلاء الأطباء بما فى ذلك من ضرورات الحياة كتعليم الأولاد وغيرها فيسمح لهم ان يتفرغوا ذهنيا ونفسيا لعلاج مرضاهم والاهتمام بالبحث العلمى.


من الملاحظات الجميلة وجود كافيتريا ومطعم واحد فقط يأكل فيه كل العاملين معا، وفى أوقات محددة مرتبطة بمواعيد العمل والخفارات. فالطبيب والممرضة وعمال النظافة والإداريون جميعهم يأكلون فى نفس المكان ونفس الوجبات، علمنا ان الفارق الوحيد هو ان الطبيب يدفع ٢٠ جنيها ثمنا لوجبته وكل الآخرين يدفعون ١٠ جنيهات لنفس الوجبة وفى كلتا الحالتين الوجبات فاخرة شهية وزهيدة الثمن.


طبعا التدخين ممنوع داخل المستشفى ولكن يوجد مكان واحد خارج المبنى مسموح فيه بالتدخين يجتمع فيه المدخنون، والذى يسترعى الانتباه هو وجود زرع اخضر جميل فى هذا المكان عله يوحى للبعض بالامتناع عن هذا الإدمان.


المركز على وشك من ان يضاعف من اعداد المرضى بعد افتتاح الملحق الكامل الملتصق بالمستشفى والذى تم بناؤه ويجرى حاليا تجهيزه بالمعدات والأجهزة اللازمة لتشغيله على أحدث المستويات الطبية والتقنية. وسيؤدى هذا ايضا إلى زيادة فى امكانيات البحث العلمى.

هذا الملحق كأى شىء آخر فى هذا المركز ــ تم انجازه بالتبرعات والهبات التى تحصل عليها المؤسسة، فهى تعتمد ‪ ‬بشكل مطلق عليها سواء من الأشخاص او المؤسسات، والحملة المستمرة طوال الوقت والجميل والعظيم ان اغلب هذه التبرعات تأتى من الأفراد بغض النظر عن الدين او النوع، وكما ذكرت سالفا فإن اعلى التبرعات تأتى خلال شهر رمضان.


على الرغم من ان٥٠٪ من مرضى المركز من اسوان والصعيد الا ان المركز يستقبل مرضى من جميع انحاء مصر، حيث ترسل التقارير والأشعات وغيرهما إلى المستشفى ويجرى الاتصال بالطبيب او المركز الذى يريد ارسال المريض لترتيب نقله إذا كان له علاج فى اسوان. هذا ويقوم المركز فى السنة بمتابعة أكثر من ١٣٠٠٠مريض فى العيادات الخارجية، وتجرى أكثر من ٩٥٠ عملية قلب معقدة ٥٥٪ منها يتم إجراؤها على اطفال صغار بعضهم لا يتجاوز يومين من العمر.


رؤية الدكتور مجدى يعقوب فى بناء المركز فى اسوان هى فى ذاتها انجاز عظيم وتعبر عن انحياز واضح للفقراء والمهمشين، فالصعيد فى مصر يعانى من اهمال مضاعف على جميع المستويات، والمركز هو المكان الوحيد فى الصعيد الذى يقوم بالعناية الأولية بالشرايين التاجية، ويتم شهريا علاج ٣٥ مريضا يعانون نوبات قلبية سواء بالقسطرة او الدعامات.

ويتم العلاج فى زمن قياسى، حيث ان الوقت بين وصول مريض الذبحة إلى المستشفى وتركيب الدعامة هو ٤٥ دقيقة وقيل لنا ان هذا أسرع مما يحدث فى بريطانيا. وفى العام الماضى أجرى المركز ٢٥٤٠ عملية قسطرة بما فيها كهروفسيلوجيا القلب وعمليات استبدال الصمام الأورطى من خلال القسطرة TAVI.


هذا ويقوم المركز سنويا بنشر حوالى ٣٠ بحثا علميا ما بين مؤتمرات او مجلات علمية. ومن الملفت للاهتمام انه حينما حاولت جامعة اسوان ضم المركز اداريا تحت جناحيها فقامت الدنيا وبدأ أهل اسوان اعلاء صوتهم بكل الأشكال دفاعا عن استقلالية هذا الصرح وشاركهم فى ذلك كل المهتمين بالشأن العام فى مصر. ولعل اهم شىء يفتخر بذكره الدكتور محمد زكريا هو ان الشىء الرئيسى الذى يذكره اغلب المرضى فى استطلاع رأيهم فيما يخص المركز هوان المريض يحس ان المعاملة معهم آدمية وقائمة على الاحترام.


لقد عملت فى المستشفيات البريطانية طوال عمرى المهنى وأعمل رئيسا لأكبر وحدة لعلاج العقم فى بريطانيا واشهد اننى رأيت صرحا عظيما ويبدو لى ــ وعلى الرغم من قصر الزيارة ــ انه لا يقل كفاءة ونظافة وتفانيا فى العمل عن أى مستشفى عملت به فى بريطانيا.

لقد رأيت ما هو ممكن تحقيقه من خلال ثقة الناس وحبهم. لقد اثبت كل فريق العمل المتواجد فى هذا المكان انه إذا ما توافرت الإمكانيات وحسن الإدارة فإن المصريين قادرون على توفير خدمة تضاهى مثيلاتها فى كل العالم المتقدم.


وعلى الرغم من ان قناعاتى الراسخة هى ان مثل هذه الخدمة يجب ان تكون متوفرة فى كل المستشفيات العامة فى مصر الا ان ذلك يرتبط ارتباطا شرطيا بتوفير الإمكانيات وهذا عمليا لن يحدث دون تغيير اساسى فى السياسات الضريبية وتوجيه جزء كبير منها إلى القطاع الصحى مع ضرورة توفير دخول محترمة لكل العاملين فى هذه المستشفيات.

ولكن ذلك وحده لن ينجح دون تبنى سياسة علاجية تضع المرضى فى القلب والمركز، سياسة تتفهم آدمية المريض وتعامله بالاحترام والفهم الواجب لاحتياجاته الطبية والإنسانية، فالطب قبل وبعد أى شىء هو طريقة حياة وليس فقط مهنة وعلما.


طبيب عالمى يرأس أكبر وحدة لعلاج العقم فى بريطانيا

حسام عبدالله طبيب مصري مقيم في بريطانيا
التعليقات