الزيارة الباهتة - نادر بكار - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزيارة الباهتة

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص

نعم يُمكننى وصف زيارة «كيرى» بالباهتة.. فأجزم أن الرجل ما كان ليستكشف أمرا جديدا يفوق ما ترسله إليه سفارة بلاده من تقارير منتظمة بشأن أحوال السلطة والمعارضة وحالة الضبابية التى تخيم على مشهدنا السياسى؛ ولا هو اضاف إلينا جديدا للخروج من الأزمة.. فقط مجموعة من اللقاءات الباهتة مع رجال أعمالٍ لم يفصح أحدٌ حتى هذه اللحظة ــ على حد علمى ــ عن هوياتهم فى حين كان بمقدوره التقاء مجموعة اقتصادية وزارية لو كان يبحث الحالة الاقتصادية مثلا؛ ولقاءات أخرى بمنظمات العمل المدنى تبعث على طرح تساؤلات عديدة لاسيما مع ملفٍ لازال مفتوحا عن طبيعة الدعم والتمويل الأمريكى لكثيرٍ من تلك المنظمات؛ ولقاء آخر مع رموز سياسية ــ مع كامل التقدير الشخصى لهم ــ لا يُدرى على أى معيارٍ تم اختيارهم وأى وزنٍ جماهيرى يمثلون؛ وباستثناء السياسى المخضرم أيمن نور ــ وإن كنت اتحفظ على اقتراحه باعادة انتاج مشروع مارشال فى نسخةٍ مصرية ــ لم يعرف أحدٌ طبيعة ما ألقوه على مسامع السيد كيرى.. وفوق كل ذلك استفز مشاعر الكثيرين بزيارة لوزير الدفاع المصرى تحمل معانى غير مريحة على الإطلاق.

 

من الضرورى أن نتفهم طبيعة واشنطن كعاصمة «براجماتية» من طرازٍ فريد؛ تقبع المبادئ بالنسبة إلى ساستها فى الدرك الأسفل من سلم الأولويات.. فلم تكن لتكترث كثيرا بديكتاتوريات قائمة فى مصر وتونس وغيرها طالما ظلت مصالحها الحيوية آمنة غير مهددة؛ وإن كان لها ثمة اعتراض تبديه بين الحين والآخر على أنظمة حكمٍ شمولية فكان فقط من قبيل مساحيق تجميلٍ لستر تناقضها أمام شعبها وشعوب العالم؛ أو كان نوعا من فرض مساحةٍ أكبر من الهيمنة ودس الأنف فى شئون الآخرين بزعم الاهتمام بنشر الديمقراطية.

 

وبعد أن بوغتت «واشنطن» بسلسلة ثورات الربيع العربى تسحب البساط من تحت أقدام نفوذها؛ ويتساقط رجالها فى المنطقة الواحد تلو الآخر وعلى رأسهم (مبارك)؛ الحق أنها استوعبت الصدمة سريعا وعمدت إلى إعادة ترتيب الأوراق وتغيير (التكتيكات) فى محاولة لاستكشاف طبيعة التحول الذى طرأ على المنطقة العربية ومن ثم رسم سياساتها الجديدة التى تحفظ لها استمرار رعاية مصالحها الحيوية.

 

الأمريكيون لا يعنيهم كثيرا هُوية من يصل إلى سُدة الحكم فى مصر طالما لم تمتد يده للعبث بمصالح واشنطن الحيوية فى المنطقة أو يتعد َخطوطها الحمراء كالحفاظ على أمن إسرائيل مثلا.. وحتى اللحظة الراهنة فإن «واشنطن» لتفضل كثيرا التعامل مع نظامٍ شرعيٍ قائمٍ حتى وإن تناوشته المعارضة وبدا فى كثيرٍ من الأحوال مضطربا مرتبكا لكن يمكن الوصول معه إلى تفاهمات تُبقى الأمور على ما هى عليه إن لم تطورها باتجاه نفوذٍ أكبر.. عن انتظار «فوضى» لا يستطيع أحدٌ الجزم بأنها ستكون «خلاقة»!