ما بين الحياة المترفة والبطالة الممنهجة - ميشيل أسعد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين الحياة المترفة والبطالة الممنهجة

نشر فى : الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:20 م
فى عام 1930، بعد شهور من الكساد الاقتصادى الكبير، كتب الاقتصادى البريطانى اللامع John Maynard Keynes مقال بعنوان Economic Possibilities for our Grandchildren أى «الاحتمالات الاقتصادية لأحفادنا». فى هذا المقال، تحدث كاينس عن موجة التشاؤم من الظروف الاقتصادية المنتشرة آنذاك، وطرح نظريته أنها ظروف مؤقتة، وأن الازدهار سيعم فى المستقبل، وتنبأ بأن جيل أحفاده لن يضطر للعمل أكثر من 15 ساعة أسبوعيا، على سبيل المثال، بفضل التقدم التكنولوجى والرخاء المنتظر.

فى العقود القليلة الماضية، بدأ التطور التكنولوجى فى تغيير جوانب متعددة من حياتنا اليومية بشكل ملموس، بعد أن كان مقتصرا بدرجة كبيرة على نظم المعلومات والاتصالات. فأصبحنا لا نحتاج إلى الذهاب إلى البنك من أجل إجراء تحويل بنكى أو فتح حساب جديد. وعلى نفس المنوال، أصبح يمكننا التسوق عبر الهاتف المحمول من أى مكان أو حجز تذاكر الطيران والتواصل مع فندق فى قارة أخرى بضغطة إصبع، وأصبح السفر السياحى للفضاء والسيارات دون سائق مشاريع حقيقية تحت التنفيذ وليست مجرد أحلام أو مشاهد فى فيلم خيال علمى. أما على المستوى المحلى، فبدأنا فى لمس هذه التغييرات فى السنوات القليلة الماضية، ربما بشكل أقل ومتأخر عن بعض الدول الأخرى ولكن تلك الفجوة الزمنية تقل والعوائق تتلاشى واحدة تلو الأخرى بفعل التكنولوجيا والعولمة.

مجرد التفكير فى المستقبل مشوق للغاية، خصوصا لمن يتابع المشاريع المستقبلية والإبداعية حول العالم، لكن هل المستقبل وردى؟ هل ستُحل كل مشاكلنا ونعيش فى رخاء غير مسبوق؟ هل سنعمل 15 ساعة فقط فى الأسبوع مثلما تنبأ الاقتصادى اللامع؟ هذه الأسئلة هى محور نقاشات أكاديمية علمية ومهنية حول العالم. وقبل أن تبدأ عزيزى القارئ فى تخيل حياتك المترفة إذا عملت يومين فقط فى الأسبوع، للأسف، أغلب الظن أن تفاؤل جون كاينس كان فى غير محله.

***
التطور التكنولوجى فى حد ذاته ليس بمفاجأة، لكن الجديد هو السرعة المتزايدة لهذه التغييرات، التى أصبحت تتعدى قدرتنا على فهمها، تحليلها والاستعداد لها. فبينما يعدد بعض الناس فوائد التكنولوجيا، يرى البعض الآخر، أن هناك أخطارا ناتجة عن ذلك التطور ويجب أن نبدأ فى الاستعداد لها ومواجهتها. القائمة طويلة، لكن أحد أهم تلك الأخطار هو تأثير التكنولوجيا على سوق العمل وظهور ما يسمى بالـ«البطالة التكنولوجية». فمنذ الثورة الصناعية، بدأت فكرة استبدال العاملين بأجهزة تعمل بشكل أكفأ بنسبة خطأ ضئيلة، دون الحاجة إلى إجازة أو راحة طويلة، وفى أغلب الأحيان بتكلفة أقل من العامل خصوصا مع ارتفاع مستوى الدخل فى العديد من الدول. الأمر تطور بشكل كبير، وربما مخيف للبعض، فى السنوات الماضية، فبعد أن كانت عملية «الميكنة» تهدد المهن التى تحتاج إلى مهارات بسيطة جدا، أصبحت الآلات قادرة على التعلم الدورى مما مكنها من القيام بأعمال تحتاج إلى مهارات إدراكية أو ذهنية.

فى عام 2013، أصدر باحثان فى جامعة أكسفورد، ورقة بحثية تتنبأ أن 47% من المهن فى الولايات المتحدة، ستكون مهددة بخطر الميكنة فى خلال العقدين المقبلين، وتلاها العديد من الأبحاث والتوقعات المشابهة. ثم فى مايو من العام الماضى، أثار مقال فى جريدة الـ Wall Street Journal ضجة كبيرة جدا، عندما حلل تأثير الميكنة على مهنة المحاسبة ووضح كيف بدأت «الروبوتات»، والمقصود بروبوت هنا هو مجرد تطبيق على الكمبيوتر وليس جهاز مثلما نرى فى بعض أفلام الخيال العلمى فى استبدال المحاسبين فى الشركات، وأن العديد من المهن الأخرى فى خطر. مصدر الجدل كان حتى فترة قصيرة، كانت قناعة أغلب الناس، أن المهن التى تتطلب مهارات متوسطة أو مرتفعة وقدرة ذهنية مثل المحاسبة آمنة من خطر الميكنة. الجدير بالذكر أن الأبحاث لا تتنبأ باختفاء هذه المهن تماما من الوجود، لكن العديد مما يقوم به الفرد سيقوم به روبوت، مما يقلل العمالة المطلوبة.

على الجانب الآخر، يرد العديد من الناس بأنها ليست المرة الأولى التى تثار فيها هذه المخاوف غير المبررة، فمع كل عصر يتسارع فيه التطور، يتنبأ بعض الاقتصاديين بازدياد نسبة البطالة الممنهجة، لكن يتحول الأمر إلى بطالة مؤقتة يتبعها خلق لمهن جديدة لم تكن موجودة من قبل، ومثال على ذلك الوظائف مثل مهندس نظم المعلومات أو خبير فى وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها. لكن هل هذه المرة ستخلق وظائف بالعدد الكافى لاستيعاب من تأثروا بالتكنولوجيا؟ يرى Martin Ford، صاحب كتاب العام من Financial times، The rise of the robots، أن الشركات ستحتاج إلى عدد عمالة قليل نسبيا ــ مما يهدد بارتفاع نسبة البطالة، ويعطى مثالا بمقارنة شركة جوجل وجنرال موتورز، فالأولى، فى عام 2012، حققت أرباحا تقدر بـ14 مليار دولار باستعمال 38 ألف موظف، مقارنة بـ11 مليار دولار أرباح لجنرال موتورز فى 1979 باستعمال 840 ألف موظف بعد التعديل لأخذ التضخم فى الحسبان.

***
التفكير فى المستقبل، كما ذكرت، مشوق للغاية لكنه أيضا يمكن أن يكون مرعبا. من الطبيعى أن نتوق إلى الاختراعات والخدمات الجديدة التى ستجعل حياتنا أفضل وأسهل أو ستحل مشاكلنا العويصة بطرق مبتكرة، ولكن من الذكاء أن نبدأ فى التفكير فى تأثير هذه التغييرات المحتمل. فهل ستعمل الأجيال القادمة لبضع ساعات فقط أسبوعيا وتنعم برخاء غير مسبوق أم ستواجه نسبة بطالة تاريخية وظروف اقتصادية كالحة؟ أسئلة كثيرة تدور فى ذهنى وذهن كثيرين حول العالم. ما هو تأثير الميكنة والتطور التكنولوجى على عدم المساواة ونسبة البطالة؟ وهل الاقتصاد قادر على خلق فرص عمل بديلة كافية؟ هل النظام التعليمى الحالى قادر على تأهيل الطلبة لاحتياجات سوق العمل المحلى فى المستقبل؟ أو حتى الحالى؟ ما هو دور الحكومات والقطاع الخاص الاستباقى المطلوب؟ أسئلة ربما ليس لها إجابات نموذجية حتى الآن، لكن يجب أولا أن نطرح ونفهم السؤال، حتى نتمكن يوما ما من التوصل لحل.


مستشار إدارة وتطوير أعمال، وحاصل على درجة الماجستير بمدرسة لندن للاقتصاد.
ميشيل أسعد مستشار إدارة وتطوير أعمال، وحاصل على درجة الماجستير بمدرسة لندن للاقتصاد
التعليقات