عن بطالة الشباب ولوم الضحية - ميشيل أسعد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن بطالة الشباب ولوم الضحية

نشر فى : الأحد 9 أكتوبر 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 9 أكتوبر 2016 - 9:45 م
انتشرت فى الآونة الأخيرة تصريحات صحفية وتليفزيونية لمسئولى الحكومة ومقدمى البرامج عن وجود فرص عمل بالآلاف للشباب بمرتبات خيالية ولا تجد من يشغلها. على نفس المنوال، يتهم العديد من الناس ــ عن جهل أو تجاهل ــ الشباب مرارا وتكرارا بالكسل والتقاعس عن البحث الجدى عن فرص للعمل، كأن مشكلة البطالة التى تصل نسبتها إلى 30% للشباب هى نتيجة لكسل الأفراد وليست نتيجة لخلل هيكلى فى النظام التعليمى والتدريبى وسوق العمل، تفاقم على مدار العقود المتتالية. هذا الخطاب السخيف، وهو جزء من نمط متكرر ومعتاد للوم الضحية، يعتمد على معلومات منقوصة أو مغلوطة يتم ترديدها بشكل متواصل حتى تصبح قناعات راسخة لدى العديد من الناس. لهذا السبب وددت أن أناقش بعض أساسيات بطالة الشباب حتى نفهم مبادئ تلك المشكلة العويصة بدلا من ترديد معلومات مغلوطة.

الاقتصاد المصرى غير قادر على خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الوافدين الجدد لسوق العمل كل عام، فما بالك بتوفير فرص عمل للمتعطلين من الفترات السابقة. سوق العمل المصرية كانت معتمدة لعقود على التوظيف الحكومى، لكن مع تباطؤ التعیین الحكومى وعدم قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل كافية أصبحت هناك فجوة متزايدة فى العرض والطلب، خاصة مع زيادة عدد الوافدين الجدد لسوق العمل بشكل كبير (من 400000 فى العام فى السبعينيات إلى أكثر من 850000 مع بداية القرن الجديد) نتيجة لتغييرات ديموغرافية.

***

الشركات الصغيرة والمتوسطة التى توفر غالبية فرص التوظيف فى أسواق العمل، غير قادرة على النمو والاستمرار فى السوق المصرية. الشركات المتناهية الصغر، الصغيرة، والمتوسطة هى المحرك الرئيسى فى توفير فرص العمل لكن ريادة الأعمال فى مصر مؤججة بالمشاكل والعقبات ــ مثل عدم توفر الدعم المادى والتدريبى، قوانين بالية وتفشى البيروقراطية والفساد ــ التى تجعل عملية تأسيس، استمرارية ونمو الشركات الصغيرة فى منتهى الصعوبة.

نظام التعليم الجامعى والفنى لا يؤهل الخريجين لاحتياجات سوق العمل. بسبب أن الخريجين غير مدربين على المهارات الأساسية التى تحتاجها سوق العمل، فلا يجدون عملًا يناسب ما اكتسبوه من مهارات فى مراحل التعليم المختلفة، وعلى الجانب الآخر لا تجد الشركات شبابًا مؤهلًا على شغل فرص العمل المتاحة.

صعوبة الحصول على معلومات حول فرص العمل المتاحة وكيفية تأهيل الشباب لتلك الوظائف فى ظل غياب شبكات توظيف رسمية. على الرغم من وجود بعض البرامح والمبادرات الحكومية والأهلية المختصة بتدريب وتأهيل الشباب للتقديم والحصول على وظيفة، لا يزال هناك قصور كبير فى حجم وجودة وتأثير تلك البرامج. فيواجه الشباب عقبات كبيرة فى الحصول على معلومات عن فرص العمل المتاحة وكيفية الاستعداد للتقدم لها، وإن كان انتشار شبكات التوظيف الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعى يساهم فى تقليل فجوة المعلومات.

***

نمو التوظيف غير ــ الرسمى وتأثيره السلبى على جودة فرص العمل. مشكلة توظيف الشباب لا تقتصر على البطالة وعدم توافر فرص عمل كافية، ولكنها تمتد لسوء جودة فرص العمل المتاحة. كنتيجة لعدم قدرة القطاع الخاص على سد الفجوة الناتجة عن تراجع معدلات التوظيف الحكومى، ازدهر التوظيف غير ــ الرسمى، ووصل إلى 40% من مجمل سوق العمل فى 2012 بحسب المسح التتبعى لسوق العمل فى مصر. وظائف القطاع غير ــ الرسمى تعتبر سيئة الجودة لأنها فى أغلب الأحوال تكون دون عقود رسمية، ضمانات أو تأمينات اجتماعية.

تراجع التوظيف الحكومى وزيادة نسبة التوظيف غير الرسمى يجعل بعض الشباب يفضل الانتظار للحصول على وظيفة أفضل من أن يقبل أول وظيفة ممكنة إذا لم تناسب طموحاته وتخصصه. وهو ما يفسره البعض على أنه استعلاء من الشباب، ولكنه فى الحقيقة نتيجة لتفضيل الشباب، وبشكل خاص الإناث، للوظائف الحكومية وبعض وظائف القطاع الخاص التى توفر استقرارًا وتأمينًا اجتماعيًا على وظائف، أقل جودة، فى القطاع غير ــ الرسمى أو فى القطاع الخاص.

البطالة، كغيرها من المشاكل المجتمعية، لا تساوى فى الظلم بين كل الشباب. فالإناث من الشباب تواجهن مشاكل أجسم من الذكور. فعلى سبيل المثال، تضررت الإناث من الشباب بشكل أكبر من تراجع معدلات التوظيف الحكومى ــ مما أدى إلى قلة نسبة مشاركة الإناث فى سوق العمل (23% من الإناث فى مصر يشاركن فى سوق العمل، مقابل 80% من الذكور ــ بحسب البنك الدولى فى عام 2012)، وتصل نسبة البطالة للشابات إلى 46.8% مقابل 21% للشباب الذكور. ويتضرر الشباب من الأسر الفقيرة أكثر من شباب الطبقة المتوسطة والغنية ــ فنسب الالتحاق بالمدارس وجودة التعليم أقل كثيرًا ممن هم أوفر حظا.

***

للبطالة عواقب وخيمة على الشباب والمجتمع. فالمجتمع المصرى يرسم طريق نجاح تقليديا للشباب يتمحور حول 3 نقاط أساسية: التعليم، التوظيف، والزواج. لكن فى العقود الماضية، أصبح هذا الطريق محفوفًا بالصعاب فى كل خطوة: فمستوى التعليم متدهور ولا يؤهل الشباب لسوق العمل. يتخرج الشباب دون أى أدوات أو مهارات تمكنهم من الحصول على عمل ــ لسوق عمل لا يوفر فرص عمل كافية أو جيدة توفر حياة كريمة. البطالة وتأخر التوظيف لهما أضرار نفسية على الشباب ــ منها قلة الثقة فى النفس ونظرة المجتمع للبطالة على أنها وصمة عار ــ فنجد العديد من الصحف لا تزال تستعمل كلمة «عاطل» كمرادف لـ «صايع»، بالإضافة إلى العواقب المادية، فتأخر التوظيف يعطل الشباب عن الاستعداد للزواج، المكون الثالث والأخير فى طريق النجاح التقليدى، خصوصا مع ارتفاع تكاليف الزواج وأهمية «التوظيف» كشرط من شروط الزواج.

سخافة وخطورة خطاب لوم الشباب لا تنحصر فى الجهل الكبير بأسباب بطالة الشباب، ولكن لأن هذا الخطاب يرفع جزءًا كبيرًا من المسئولية عن عاتق الدولة ومؤسساتها ويلقى بها على الشباب. ليس هناك حلول سحرية لمشكلة البطالة، لكن الخطوة الأولى على الطريق السليم هى الاعتراف بحجم المشاكل المعقدة التى ينبغى علينا كدولة ومجتمع الانتباه لها، بدلا من تبنى خطاب لوم الضحية الفج.
ميشيل أسعد مستشار إدارة وتطوير أعمال، وحاصل على درجة الماجستير بمدرسة لندن للاقتصاد
التعليقات