عن شركات التاكسى البديلة.. رياح التغيير قادمة لا محالة - ميشيل أسعد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن شركات التاكسى البديلة.. رياح التغيير قادمة لا محالة

نشر فى : الثلاثاء 16 فبراير 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 فبراير 2016 - 11:00 م
فى العقود القليلة الماضية، بدأت حركة تغيير فى العديد من القطاعات الصناعية والخدمية، مبنية على تقدم تكنولوجى متسارع وعلى الإنترنت، البرمجيات والأجهزة المحمولة. على سبيل المثال، نجد شركة مثل جوجل أصبح لها أهمية كبيرة فى حياتنا اليومية. جوجل تعمل منذ سنوات على طرح سيارة تعمل بدون سائق، ضمن العديد من المشاريع الطموحة، بل وتقوم حاليا باختبار نسخ تجريبية من هذه السيارات فى شوارع ولاية كاليفورنيا. تسير فى نفس الاتجاه شركات مختلفة، منها تسلا موتورز، التى تمكنت فى فترة قصيرة من إنتاج سيارات إلكترونية غيرت شكل الصناعة.

على نفس المنوال، نجد أن أحد أكبر شركات الفندقة فى العالم، Airbnb لا تمتلك غرفة واحدة. لكن يظل أحد أبرز الأمثلة هو شركة أوبر Uber التى تعتمد على تطبيق على الهاتف المحمول وGPS فى ربط السائقين الملاكى بالركاب الراغبين فى الانتقال من مكان إلى آخر، بمقابل مادى ــ تحصل أوبر على نسبة منه. أوبر ليست شركة سيارات أجرة بالمعنى التقليدى، فالسائقون حاملون لرخصة قيادة ملاكى، وبالتالى تستغل الشركة ثغرات قانونية فى تفادى دفع رسوم الرخص والتأمينات اللازمة، مما يمكنها من توفير أسعار أقل من منافسيها التقليديين. أى شخص يمتلك سيارة ورخصة قيادة، يمكنه الانضمام إلى أوبر إذا توافرت فيه الشروط اللازمة، وتعدى بنجاح التحريات وفترة التمرين. الجدير بالذكر أن قيمة أوبر السوقية تعدت بعد 6 سنوات من انشائها، بحسب مجلة فوربس فى شهر ديسمبر 2015، 68 مليار دولار ــ أكثر من شركات عريقة مثل جنرال موتورز، هوندا، فورد ونيسان.

***

أوبر ليست حالة فردية، التغييرات قادمة حتما، وفى كل المجالات! تأثير هذه التغييرات، سواء ايجابيا أو سلبيا، يتزايد بشكل أكبر من قدرة الحكومات والمؤسسات على استيعابه. نتيجة لذلك، انتشر الجدل حول كيفية تنظيم هذا الشكل الاقتصادى الجديد بشكل يحقق أكبر نسبة من المكاسب، وأقل نسبة من الأضرار الاقتصادية أو الاجتماعية. أثارت شركة أوبر، ومنافسيها، مثل Lyft وCareem، الجدل على المستوى العالمى من جانب الحكومات التى تعانى فى تقييم وتقنين موقف هذه الشركات ــ فللحكومات مصلحة اقتصادية تكمن فى التربح من عائد تراخيص الأجرة ودور رقابى فى حماية مواطنيها من المنافسة غير المشروعة وغير العادلة. وانزعجت أيضا شركات الأجرة التقليدية، التى ترى فى أوبر منافس غير قانونى يتربح بشكل غير عادل على حسابهم. رد فعل هذه الأطراف مختلف تماما من مكان لآخر، فبعض الحكومات منعت أوبر، جزئيا أو كليا. البعض الآخر فضل أن يصل لحلول وسط لكى يستفيد ماديا من أوبر، مع تقنينهم وإضفاء نسبة من العدل على المنافسة. أما على مستوى سائقى التاكسى التقليديين، فكان رد الفعل فى شكل احتجاجات شديدة، تصل فى بعض الأحيان إلى العنف (مثلما حدث فى باريس، مكسيكو سيتى وتورنتو).

على الرغم من شكوك العديد من الناس، تمكنت أوبر من دخول السوق المصرية منذ عام (بداية بالقاهرة، وأخيرا الإسكندرية)، وتمكنت من تحقيق نجاح كبير، مستغلة سوء مستوى خدمة المنافسين وإمكانيات تقنية حديثة تجعل التجربة أفضل وأسهل للمستهلك. كان رد فعل سائقى التاكسى التقليديين مشابها لنظرائهم حول العالم، فبدأت حملة احتجاجية، مطالبة بمنع أوبر وكريم من العمل، ووصلت إلى حد التربص بسائقى أوبر، وأتوقع أن تسوء فى ظل غياب أى تعليق أو تدخل حكومى.

موقف سائقى التاكسى ضد تهديد التطور التكنولوجى ليس بجديد، ففى بدايات القرن التاسع عشر، شهدت إنجلترا أحداثا احتجاجية عنيفة من فئة من العاملين فى قطاع الغزل والنسيج، اعتراضا على استحداث آلات تستبدل جزءا كبيرا من العمل اليدوى، مما يؤدى إلى فقدانهم لوظائفهم. أطلقت المجموعة على نفسها اسم «اللوديين» نسبة إلى شخصية، يعتقد أنها خيالية، باسم ند لود، بدأت فى تدمير آلات وأنوال النسيج فى عام 1779. كرر «اللوديين» أفعال الملك ند، كما كانوا يطلقوا عليه، وشرعوا فى تدمير الآلات للتعبير عن سخطهم للحكومة وأصحاب المصانع. كان رد الحكومة شديدا ووحشيا، فتم قمع حركتهم الاحتجاجية واستحداث قوانين جديدة تجرم أفعال اللوديين وتعاقب عليها بعقوبات غليظة تصل إلى الإعدام. فى النهاية، احتجاج «اللوديين» لم يوقف التكنولوجيا.

الآراء حول حركة اللوديين شبيهة جدا برد الفعل تجاه احتجاجات سائقى التاكسى، فالبعض يرى أن أفعال اللوديين نبعت من مشاعر رجعية وأنانية ضد التقدم التكنولوجى. على الجانب الآخر، يرى آخرون أن تحليل هذه الحركة لابد أن يكون فى سياق يشمل فترة الثورة الصناعية بشكل عام وتبعاتها على الطبقة العاملة وفرص العمل، وأن رد فعل اللوديين كان طبيعيا ضد تغييرات كبيرة غير مقننة وليست عادلة. لكن، حتى يومنا هذا يتم استخدام كلمة اللوديين فى وصف، سلبى، لكل من يجاهر ضد التكنولوجيا ويقصد بها الرجعية والتخلف.

***

الخلاصة أن التغيير التكنولوجى قادم لا محالة. إذا كانت أوبر تتصدر النقاش حاليا، فهى ليست أول شركة تغير شكل المنافسة ولن تكون الأخيرة. الدولة لها دور محورى فى فهم وتقنين التقدم التكنولوجى، بمختلف أشكاله، بشكل يدعم منافسة شريفة وعادلة بين كل الأطراف، مع ضمان وجود آليات تضمن أن الشركات تؤدى واجباتها تجاه الدولة على النحو الأكمل، بالإضافة إلى تطوير فى السياسة عامة، ينعكس على مختلف مؤسسات الدولة لكى نواكب النظام الاقتصادى الجديد والتقدم التكنولوجى. فى حالة التاكسى، يجب على الدولة مراجعة موقف الشركات القانونى، لضمان عدم اخلالها بقواعد التنافسية العادلة، وأن خزينة الدول تستفيد بكل ما يستحق عليها من ضرائب، تراخيص وتأمينات. كما يجب أن تعمل، مع القطاعين العام والخاص، على تطوير قطاع سيارات الأجرة والمواصلات حتى نسد الفجوة بينهم وبين الشركات الجديدة. فبدل أن نعمل على قمع التقدم التكنولوجى، يجب أن نستفيد منه فى تطوير أنفسنا وتقديم خدمة أفضل للمواطن، ففى نهاية المطاف، يهدف سائقو الأجرة إلى الحفاظ على مصدر رزقهم ويطمح المواطن فى خدمة جيدة، ولكل منهما الحق، ضمن إطار القانون، وعلى الحكومة العمل على ضمان ذلك.
ميشيل أسعد مستشار إدارة وتطوير أعمال، وحاصل على درجة الماجستير بمدرسة لندن للاقتصاد
التعليقات