ذكرى نصر حرب أكتوبر «رمضان» 1973 - محمد نعمان جلال - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 6:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ذكرى نصر حرب أكتوبر «رمضان» 1973

نشر فى : الأربعاء 5 أكتوبر 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 أكتوبر 2016 - 10:25 م
تمر السنون سريعة مثل كل مظاهر الحياة فى القرن الحادى والعشرين، وها نحن نحتفل بالذكرى الثالثة والأربعين لنصر أكتوبر المشهود، ونحن نشعر بالفخر والاعتزاز بذلك الحدث المهم فى التاريخ المصرى والتاريخ العربى، وتشاركنا كثير من الشعوب العربية وحكامها مثل هذا الفخر والابتهاج. فعلى سبيل المثال، نشرت عدة صحف بحرينية مقالات لكتاب مخضرمين من الجيل السابق الذين عاشوا مجد العروبة والفكر القومى العربى، نقول إنهم نشروا مقالات تشيد بالحدث وتشيد بمصر وجيشها وقيادتها. ولا يسع المقام لذكر كثير من الأسماء ولكننى اكتفى بالإشارة إلى صديق عزيز هو الكاتب المخضرم والإعلامى البحرينى السابق محيى الدين بهلول، الذى لا تفوته واقعة أو حدث أو تاريخ يرتبط بالعروبة وعبدالناصر إلا وينشر مقالا عنه.
***
إن نصر أكتوبر 1973 نقل مصر والعرب نقلة نوعية فى إحساسهم بذاتهم وقدراتهم كما بعث برسائل مهمة لإسرائيل، التى ادعت وروجت أن جيشها لا يقهر فذاقت مرارة الهزيمة وكان يمكن أن تكون ساحقة لولا الطيران الأمريكى، الذى نقل إليها أحدث المعدات والدبابات أثناء المعركة، نتيجة استغاثة جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، ووزير دفاعها المخضرم موشيه دايان، الذى لم يكن يتوقع عبور مصر للحاجز المائى المتمثل فى قناة السويس والحاجز الترابى على الضفة الشرقية للقناة المعروف باسم خط بارليف. ولذلك هرعوا للاستعانة بأمريكا التى لم تقصر يوما ما فى الدفاع عن أمن إسرائيل والاستجابة لمطالبها مهما كانت كثيرة أو مبالغ فيها.

وفى نفس الوقت، أكد الجيش المصرى البطل ومعه الجيش السورى، بأن القوة العربية لم تنهار وأن الروح المعنوية تم استردادها رغم كل التحديات والعقبات. وقد بلغ التضامن العربى فى حرب أكتوبر أشده فى مساندة مصر وسوريا. وظهر التضامن فى موقف الملك فيصل باستخدام سلاح البترول فى المعركة، ورفض تصديره للدول المساندة لإسرائيل فى أوروبا وأمريكا وآسيا، وهو ما أبرز أن العرب أصبحوا القوة السادسة فى العالم. كما أثبت نصر أكتوبر أنه بداية الطريق نحو استراتيجية السلام، فقام الرئيس أنور السادات، بإطلاق مبادرة السلام فى عام 1977، بزيارة القدس والتحدث فى الكنيست الإسرائيلى، وقد كان استراتيجيا بارعا وذو حنكة ورؤية سياسية مستقبلية، وكأنه تنبأ بما سيحدث فى العالم بانهيار الاتحاد السوفيتى وبروز الهيمنة الأمريكية وتراجع العالم الثالث وتراجع أسعار النفط فى أواخر السبعينيات. وآثار موقف الملك فيصل الولايات المتحدة وكسنجر بوجه خاص الذى كتب فى مذكراته تهديده بأنه لو استخدم العرب النفط كسلاح مرة ثانية فسوف تحتل أمريكا دول الخليج وتدمرها. وهناك شواهد على أن بعض الأجهزة السرية الأمريكية كانت وراء اغتيال الملك فيصل.

لقد أثار قرار الرئيس السادات بزيارة القدس، أنظار العالم ولم يستطع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور باتفاقات كامب ديفيد ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978 بعد مبادرة من السادات عام 1977 فى خطابه فى مجلس الشعب المصرى ثم أعقب ذلك التحول الاستراتيجى نحو السلام فى العقد التالى باتفاقيات أوسلو ووادى عربة بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والأردن على التوالى. ولكن اتفاقية أوسلو لم تحقق السلام المنشود للصراع الفلسطينى الداخلى ومحدودية الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية والتعنت الإسرائيلى ثم اغتيال إسحاق رابين، رئيس الوزراء، الذى أبدى مرونة للتوصل لاتفاق مع الفلسطينيين. ثم جاءت مبادرة القمة العربية فى بيروت عام 2002، لتؤكد مبدأ الأرض مقابل السلام وتعزز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وبناء دولته الوطنية على ترابه الوطنى وعودة القدس واللاجئين وباقى الأراضى العربية المحتلة.

***
وبمناسبة ذكرى نصر أكتوبر هذا العام 2016 نطرح بعض الأفكار:

الأولى: أهمية الاستعداد العسكرى الجاد والتدريب والتكتيك والتخطيط الصحيح للمعركة، والذى أعاد سيناء للحضن المصرى وللأسف حَوَلها بعض المصريين إلى أرض للإرهاب منذ عام 2012 وما تزال مقاومة الجيش المصرى الباسل وشعب سيناء للإرهاب مستمرة.

الثانية: أهمية التضامن العربى الشامل لتحرير الأراضى العربية المحتلة ولدعم نضال الشعب الفلسطينى، وهو ما لم يقصر فيه العرب أو مصر ولكن المتغيرات الدولية والإقليمية، فرضت مستجدات جديدة أحدثت آثارا بالغة السوء بتدمير العالم العربى وانهيار الاتحاد السوفيتى وبروز الهيمنة الأمريكية ثم تدمير العرب باسم مقاومة الإرهاب وثورات الربيع.

الثالثة: بداية التمزق العربى بمقاطعة مصر وتجميد عضويتها فى الجامعة العربية ونقل مقر الجامعة لتونس، ولكن رغم ذلك ظلت مصر وفية لأشقائها العرب كما تجلى ذلك فى مساندة العراق فى حربه ضد إيران وفى مساندة الكويت، إثر العدوان العراقى عليها وأيضا فى مساندة الفلسطينيين وفتح أراضيها لياسر عرفات وحمايته فى انتقاله من بيروت إلى القاهرة، إثر غزو إسرائيل للبنان عام 1982، وفى غير ذلك من المواقف الفلسطينية ومساندة سوريا فى أواخر التسعينيات ضد محاولات تركيا غزو أراضيها. ولعب الرئيس مبارك دورا فى المصالحة السورية التركية والتى تحولت بعدها سوريا للعمل مع تركيا للأسف ضد مصر كما ارتمت بعد ذلك فى الحضن الإيرانى وتطورت الأمور بين الأشقاء ليقتل الرئيس السورى شعبه مستعينا بمختلف الدول والقوى الإقليمية والدولية منذ الانتفاضة السلمية فى عام 2011، فى إطار ما عرف بالربيع العربى والذى تحول لكارثة عربية.

الرابعة: إن احتفال القوات المسلحة والشعب المصرى بأسره ما عدا غير المؤمنين بوطنهم والعاملين لمصلحة قوى خارجية.
نقول إن هذا الاحتفال يحمل رسالتين واضحتين، الأولى: الدور الحيوى للقوات المسلحة المصرية فى الدفاع عن التراب الوطنى والأمن القومى العربى. والثانية: أن التلاحم بين الشعب المصرى وجيشه البطل هو تلاحم وثيق لا تنفصم عراه. وأن سلوك الجيش المصرى وعقيدته القتالية هى الدفاع عن الوطن وحماية الشعب، هذا بخلاف بعض الدول فى المنطقة التى تنشر خلاياها النائمة وترفع شعارات تحرير القدس وهى شعارات لا أساس لها من الحقيقة.

***
وختاما أود أن أؤكد ثلاث حقائق فى هذه المناسبة؛ الأولى: أن الخوف والحرص كما يقول المثل أذل أعناق الرجال. ومن هنا فإن الخوف العربى إزاء الهجمة الإرهابية الشرسة وإزاء تآمر الدول ضد العرب هو الذى حَوَل المنطقة إلى أرض مباحة للقوى الدولية والإقليمية. الثانية: أنه لا مفر من التضامن العربى الحقيقى بقيادة مصر والسعودية كأكبر قوتين فى المنطقة اقتصاديا وعسكريا ولديهما حس قومى واستراتيجية واضحة ودعم عربى وخليجى مهم خاصة من البحرين بقيادة ملكها حمد بن عيسى آل خليفة والإمارات العربية والكويت والأردن وبعض الدول العربية الأخرى. الثالثة: أنه ما لم يتحقق التضامن العربى رغم كل ما لدى العرب من قوة وإمكانيات وموارد طبيعية وبشرية وعلمية، فإن مصير العرب والعروبة سيكون فى يد أعدائهم.
محمد نعمان جلال سفير مصر الأسبق في الصين
التعليقات