أكتوبر بين الحرب والسلام فى الضمير العربى - محمد نعمان جلال - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 7:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكتوبر بين الحرب والسلام فى الضمير العربى

نشر فى : الجمعة 5 أكتوبر 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 5 أكتوبر 2018 - 10:20 م

لقد ظهرت ثلاث نتائج جانبية لهذه الحرب ولاستخدام سلاح البترول العربى فيها وهى:
الأولى: مبادرة الحوار العربى الأوروبى وكانت تستهدف إرضاء العرب والتعبير عن الندية فى التعامل معهم والأخذ فى الحسبان مصالحهم، ولكن مع مضى السنين وتقادم الحدث تراجع هذا الحوار وتغلبت وجهة النظر الأوروبية على وجهة النظر العربية. وكما هو معروف كان الحوار يدور حول معادلة المصالح الاقتصادية الأوروبية مقابل التأييد السياسى للقضايا العربية العادلة. ولكن تدريجيا ضمنت أوروبا مصالحها ثم تراجع تأييدها السياسى ووضعت له شروطا وقيودا ولذلك توقف الحوار وتراجع الاهتمام به وبرزت على إثره حوارات جديدة ومفاهيم جديدة للتعامل الجزئى والإقليمى وأحيانا الفردى مع الدول العربية، ومن ثم ضعفت الشوكة وتراجعت القوة الشاملة لصالح مصلحة الدول فرادى.
الثانية: التعاون العربى الإفريقى والذى تم تدشينه فى مؤتمر مشترك للطرفين فى القاهرة عام 1977 وكانت المصالح المشتركة للطرفين متشابهة فى مقاومة الاحتلال والعدوان والدفاع عن السيادة الوطنية، وأدى ارتفاع أسعار البترول إلى معاناة بعض الدول الإفريقية والدول النامية لذلك قدمت لهم الدول العربية سعرا مخفضا للبترول الذى يستوردونه كما قدمت مساعدات مالية وأقامت عدة مشروعات. ولكن لم تكن بالقدر الكافى الذى تطلع إليه الإخوة الأفارقة ثم جاءت التطورات اللاحقة وأدت إلى تجمد الإطار الدولى للتعاون العربى الإفريقى وانحساره إلى التعاون فى المجال الثنائى وهو ما أدى إلى انتهاء الغرض الحقيقى منه.

الثالثة: بروز تجمع الدول المنتجة للبترول «الأوبك» وتعاظم قوتها، ولكن فى مواجهتها ظهر تجمع غير رسمى للدول المستهلكة وخاصة الغربية التى بدأت تبحث عن مصادر جديدة للطاقة وأيضا عن بدائل أخرى فضلا عن ترشيد استهلاكها ومارست ضغوطا مكثفة على الدول المنتجة للبترول وخاصة العربية وأقنعتها بضرورة المحافظة على التوازن الاقتصادى الدولى وعدم رفع الأسعار وأنتهى الأمر كله بأن فقد سلاح البترول فاعليته وأصبح مجمدا بل أن البعض أصبح يعتبره سلاحا خطرا إذا لجأ العرب إليه لأن ضرره الآن أكثر من نفعه. ولاشك إن هذا من حيث الصورة العامة قد يبدو صحيحا ولكن هناك وجهات نظر أخرى وآليات أخرى يمكن اعتمادها للإفادة من تأثير هذا السلاح لخدمة المصالح العربية.

***

وهكذا عاد الموقف العربى بعد مضى ما يقرب من خمسة وأربعين عاما على حرب أكتوبر نقول عاد من جديد إلى نقطة البداية، وعادت المبادرات الدولية من أجل السلام، وكذلك المبادرات الإقليمية وبخاصة العربية يتم طرحها دون تجاوب حقيقى من الأطراف الدولية أو من الخصم الإسرائيلى كما فى مبادرة الملك فهد التى أقرتها القمة العربية فى بيروت عام 2002 ومع هذا الذى استمر القمع الإسرائيلى يجثم على صدور الفلسطينيين وقلوبهم وأرضهم ويقتلع أشجارهم ويدمر منازلهم ويحرق مزارعهم ويصادر أراضيهم.
ولا شك أن هناك سلسلة من الأخطاء ارتكبت من بعض القيادات العربية فى هذه الدولة أو تلك فى مراحل تاريخية مختلفة أدت إلى فقدان الكثير من أدوات القوة العربية وإلى حالة الضعف التى يعيشها العالم العربى فى هذه المرحلة التاريخية الخطيرة.
ولكن الأكثر خطورة هو ما تعرضت له الأمة العربية والإسلامية بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001 نتيجة العمل الإرهابى فى واشنطن ونيويورك وانطلاق القوة الأمريكية الضخمة لمقاومة الإرهاب الذى تم إلصاقه بالإسلام ومن ثم جرى تشويه الطابع العربى والإسلامى وأصبح العرب بوجه عام موضع شك وريبة حيثما وجدوا فى كثير من الدول الغربية وعلى الأخص فى الولايات المتحدة. ومن هنا نقول إنه بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة وما أعادته للكرامة العربية، وما أدت إليه من انبعاث القوة العربية، إنه قد آن الأوان مرة ثانية أن نبحث عن منطق جديد ويقظة وصحوة جديدة تعبران عن روح أكتوبر وتدرس آثارها ومصادر قوتها والمزالق التى تعرضت لها المسيرة وأن تعيد بعض الحياة لروح الأمة العربية لتستطيع مقاومة التحديات والضغوط التى تمارس ضدها. وليس لدى أدنى شك أن مصادر القوة العربية قائمة ويمكن استخدامها فى اللحظة المناسبة ولكن ذلك كله يحتاج إلى المبادرة بترتيب الأوراق، ودراسة استخدامها فى الوقت المناسب ووضع استراتيجية وتكتيك صحيحين فى إطار عربى شامل بقدر الإمكان مع وجود فلسطينى موحد يحارب العدو بمنطق وليس بالشعارات أو الأعمال الانفرادية التى أدت للكثير من الكوارث على هذا الشعب الفلسطينى البطل نقول إن مواجهة الموقف الملائم بالأسلوب الملائم هو الوسيلة الناجحة حتى يصبح العرب من جديد موضع احترام الأصدقاء والأعداء على حد سواء كذلك نتمنى أن يعود الفلسطينيون إلى رشدهم ووحدتهم ويتخلوا عن الصراع فيما بينهم ويتركوا التشكيك فى بعضهم البعض ويتركوا ارتباطهم بالدول الأخرى فى المنطقة أو فى العالم وعليهم أن يدركوا أن الله لا يساعد إلا من يساعدون أنفسهم وأن إعداد القوة أساسه وحدة صفوفهم.

محمد نعمان جلال سفير مصر الأسبق في الصين
التعليقات