الحزام والطريق بين الاقتصاد والسياسة - محمد نعمان جلال - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 3:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحزام والطريق بين الاقتصاد والسياسة

نشر فى : الأربعاء 26 سبتمبر 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 سبتمبر 2018 - 9:30 م

عندما تولى شى جين بينج السلطة تطلع إلى ابتكار نظرية جديدة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية فكان استدعاء التاريخ فى مبادرة طريق الحرير ومن هنا طرح الرئيس شى جين يينج عدة مفاهيم منها مفهوم الصين العظيمة فى حضارتها وفى نهضتها وفى مستقبلها وأثار ذلك كثيرا من الشكوك حول طموحات الصين، وأنها لابد وأن تتحول لقوة استعمارية؛ لأن ذلك منطق المسيرة البشرية عبر العصور، وأن الصين هى القوة العظمى للنصف الثانى من القرن الحادى والعشرين، وكتب مفكرون غربيون عن ضرورة الحد من الصعود الصينى حتى يمكن الحفاظ على الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة.
وهكذا أطلق الرئيس الصينى شى جين بينج مبادرة «الحزام والطريق» اعتمادا على نفس المفهوم الصينى القديم بالتركيز على التجارة والثقافة وأضيف له مفاهيم جديدة وهى التعايش السلمى، والتكافل السلمى، والتكافل المتناغم.
المفهوم الصينى الجديد فى عهد شى جين بينج اتخذ له شعار «الحزام والطريق»، مستمدا ركيزته من تاريخ طريق الحرير فى العصور القديمة للتجارة وتسويق الحرير الذى كان أهم سلعة للصين آنذاك ثم اجتذابها الثقافات من دول أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة الحضارة الإسلامية والنهضة الأوروبية. طريق الحرير عبر فى جوهره عن تراث الصين وخاصة عن تراث الفيلسوف العظيم كونفوشيوس الذى رفض مفاهيم الصراع والتنافس، وأكد مفهوم التكامل والتناغم، وجاء التكامل مستندا لفلسفة الصين المرتبطة بالبشر وبالكون، وهما مفهومان يتناغمان معا، أى مع مفهومى الين واليانج YIN &Yang وأنهما أساس مسيرة البشرية وخلق الكون وتطور الحضارات.
***
هناك ثلاثة جوانب لعملية التحليل هذه وهى:
الأول: الاعتماد على الابتكار فى الطرق والوسائل.
الثانى: فض المنازعات وتقليل الخلافات.
الثالث: النظر للتعاون بدلا من الصراعات.
وهذا ما قامت عليه فلسفة مبادرة الحزام والطريق. فهو طريق برى وبحرى، وضع أسس التعاون مع الدول التى يمر عبرها الطريق البرى مثل دول آسيا الوسطى وروسيا والشرق الأوسط، وصولا إلى أوروبا، وبناء تعاون أيضا مع الدول التى يمر بها أو عبرها الطريق البحرى بتطوير البنية التحتية من موانئ، وما يرتبط بها من احتياجات وبلورة المواقف لحل النزاعات حول البحار والمصالح البحرية للدول المختلفة.
طرح الرئيس الصينى مبادرة الحزام والطريق فى شهرى سبتمبر وأكتوبر 2013 فى زيارتين لإندونيسيا وكازخستان.. وأولت الصين اهتماما خاصا بقضية الأمن مع دول الجوار وهو ما يتحقق عبر التعاون ومقاومة الارهاب ورفض دعاوى الانفصال وتطوير البنية التحتية المرتبطة بالطريق والتنمية الاقتصادية على جانبى الطريق وهو ما يحقق الحزام الاقتصادى ويضع أسس التعاون مع دول الجوار، وبذلك يتحقق الأمن الاقتصادى والأمن الوطنى لكل دولة. وقد قسمت الدبلوماسية الصينية مناطق الحزام والطريق إلى عدّة مناطق استراتيجية تبدأ بالقارة الآسيوية ثم الأوروبية ثم الإفريقية حيث يعبر الحزام والطريق تلك القارات الثلاث، فطريق الحرير البحرى يعبر منطقة جنوب شرق آسيا ومنطقة جنوب آسيا والخليج العربى والبحر الأحمر والضفة الغربية من المحيط الهندى أى شرق إفريقيا. ويقوم التعاون الأدنى مع الدول المعنية على الإطار الثنائى والإطار متعدد الأطراف والتعاون دون الاقليمى وعبر الأقاليم، ومن هنا كان إنشاء وتطور منظمة منذ عام 2001 لحل النزاعات الحدودية فى المنطقة وتعزيز منظمة شنغهاى الثقة العسكرية على الحدود والقضاء على تهريب المخدرات والأسلحة ومحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، وتوسيع التعاون ليشمل المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها من مجالات التعاون الأمنى غير التقليدى، ومن ذلك أيضا إنشاء منتديات التعاون الصينى الإفريقى، والصينى العربى، والصينى اللاتينى والحوار الاستراتيجى مع دول مجلس التعاون الخليجى، ومكافحة القرصنة فى الساحل الإفريقى وهو ما يهدد الملاحة فى خليج عدن ودول شرق إفريقيا جنوبا، وقد أصدر مجلس الأمن الدولى عدّة قرارات لمحاربة القرصنة منها 1816، 1846، 1897، وتقوم القوات البحرية للدول المختلفة، ومن بينها الصين بعمليات حراسة بتكليف من مجلس الأمن وتولى مبادرة الحزام والطريق اهتماما خاصا للصراعات الجيوستراتيجية بين الدول الكبرى وبين دول الجوار ومساعى بناء شبكات مع بعض دول الجوار البعض مثل مبادرة تشيناى الهندية فى يوليو 2011، وترفض الصين منطق الولايات المتحدة بالتوسع فى دول آسيا الوسطى، وتحرص على التعاون مع مبادرات أى مجموعة من الدول فى آسيا أو أوروبا تتكامل مع مبادرة الصين بالحزام والطريق، ومن ذلك مبادرة روسيا عام 2002 بإنشاء ممر شمالى جنوبى يربط روسيا والهند وإيران بإنشاء قناة تمتد من الهند للقارة الأوروبية مرورا بإيران والقوقاز وروسيا، وكذلك اقتراح روسيا بالاندماج مع منطقة آسيا الوسطى لبناء وتحالف أوروآسيوى، ما يؤدى للتكامل بين اتحاد الدول المستقلة.
وتسعى الصين لإزالة المخاوف لدى روسيا أو الهند من مبادرة الحزام والطريق، كما تسعى الصين أيضا لحل النزاع على سيادة الأراضى والجزر فى بحر الصين الجنوبى مع دول جنوب شرق آسيا، ومنها النزاع المتصاعد على جزر سبراتلى بين الصين والفلبين وفيتنام، وفى بحر الصين الشرقى بين الصين واليابان على جزر دياويو، وفى بحر الصين الشرقى على المناطق الاقتصادية الخالصة، وترى الصين أنه من الصعب حل تلك النزاعات فى المدى القصير لأن لها عمقا تاريخيا، وكذلك النزاعات البرية بين الصين والهند، وتسعى الصين بتقديم الاسهامات الأمنية فى مناطق استراتيجية الحزام والطريق، وتنتهج الصين سياسة مراعاة مصالح جميع الدول فى المنطقة الخاصة بالحزام والطريق كما تهتم الصين بالدور المحورى للباكستان.
إن ربط طريق الحرير القديم مع مبادرة الرئيس شى جين بينيج لكى تتواكب مع القرن الحادى والعشرين، وقد بدأ الترويج للمبادرة داخليا فى مؤتمر بمدينة أورومتشى من 23ــ27 يونيه 2012 حيث بداية طريق الحرير البرى، والمؤتمر الثانى فى شوانجو بولاية فوجيان فى فبراير 2015 وهى بداية طريق الحرير البحرى، ونسوق عددا من الملاحظات حول المبادرة.
الأولى: الهدف هو خلق مجال لتسويق الصناعات الصينية والتغلب على الركود.
الثانية: بناء نموذج من التعاون الاقليمى مع الدول فى آسيا الوسطى.
الثالثة: تأهيل الموانئ فى دول طريق الحرير البحرى وقد أنشأت الصين بنك الاستثمار الآسيوى لتطوير البنية الأساسية فى الموانئ التى يمر بها الطريق.
***
والخلاصة أن مبادرة «الطريق والحزام» نجحت وكل نجاح يثير المعارضة والحسد وسعى الخصوم لتدميره. وهذا ما تواجهه الصين اليوم وخاصة منذ بداية حكم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. ولأن الصين أكثر حكمة، فالرئيس الصينى شى جين بينج يسعى ويؤكد حرصه لبناء علاقات تعاون وإقامة مناطق سلام خاصة مع دول الجوار وتلعب المؤسسات التى أقامتها الصين مع إفريقيا والدول العربية وأمريكا اللاتينية لبناء أسس سليمة وقوية لعالم يسوده التعاون وليس الصراع.

محمد نعمان جلال سفير مصر الأسبق في الصين
التعليقات