جودو.. يأتى شبحًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جودو.. يأتى شبحًا

نشر فى : الأربعاء 6 يونيو 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 يونيو 2012 - 8:50 ص

فى منتصف القرن الماضى، صدرت هذه المسرحية الغريبة، المثيرة للجدل، فأحدثت دويًا لا يزال صداه يتردد حتى الآن. معظم مسارح العالم قدمتها، بأكثر من إخراج، ومثل الأعمال الكبيرة، كتب عنها، بكل اللغات، دراسات وأبحاث، تبلغ فى حجمها أضعاف عدد صفحات النص.. عنوان المسرحية «فى انتظار جودو»، أبدعها الأيرلندى صمويل بيكيت «1906 ــ 1989»، وأسست إلى ما يعرف بمسرح «اللا معقول» أو «العبث».. وجد، كل واحد على حدة، معنى ما، وقيمة خاصة، لمست وترا فى نفسه، وهذا ما يفسر اعتبارها، عند الكثير من النقاد، من أفضل مسرحيات القرن العشرين.

 

المسرحية مكونة من فصلين، تدور فى منطقة قاحلة، جرداء، بطلاها «فلاديمير» و«استراجون»، ينتظران، فى مفترق طرق، جودو، الذى فيما يبدو، سيخلصهما، من وضع شائك.. وبدلا من أن يأتى «جودو»، يمر عليهما «بوزو»: رجل طاغية، متقلب المزاج، يمسك بطرف حبل، طرفه الآخر ملفوف حول رقبة عجوز أقرب للعبد، يحمل حقيبة الرجل وطعامه ومقعده.. «بوزو» يعلن لهما أنه ليس جودو، يتبادل معهما حوارا مهمشا، مشتتا، ويواصل رحلته، بينما يواصل «فلاديمير» و«استراجون» انتظارهما الممل، ويقول أحدهما إلى الآخر «هيا نمضى»، ويجيبه الآخر «نعم.. هيا نمضى»، لكنهما لا يتحركان من مكانهما.. لاحقا يمر عليهما صبى، يخبرهما بأنباء متناقضة، يقول إن «جودو» سيأتى، ثم يؤكد أنه لن يحضر الليلة، ولكن قد يصل غدا. يغادرهما جريا.. مرة أخرى، يقع «فلاديمير» و«استراجون» فى قبضة الانتظار. يتشاحنان، يتشاجران، يتصالحان، يتبادلان ذلك الحوار المبتسر، الذى يجيده بيكيت، لينتهى الفصل الثانى، وهو الأخير، بذات ختام الفصل الأول، «فلاديمير» يقول، بخمول: «هيا نمضى»، ويجيبه «استراجون» بهمة منهارة «نعم.. هيا نمضى».. لكنهما، لا يتحركان، مما يوحى أن انتظارهما.. سيتواصل.

 

الانتظار، فى تقديرى، هو بطل المسرحية بلا منازع، وربما هو الذى يشغل حياتنا، أفرادا وشعوبا، فكلنا، فى حالة انتظار، وربما هذا ما جعل للمسرحية كل هذا الحضور، ذلك أنها تعبر، على نحو إيحائى عميق، عن ذلك الأمل الذى علينا انتظاره، حتى لو كان هذا الأمل فى باطنه نكبة وعذاب.. وأحسب لو أن صمويل بيكيت مصرى، يعيش بينا الآن، يعانى ما نعانيه من ضجر انتظار «جودو»، لأضاف إلى عمله الخلاب، مشهدا تحذيريا، جديرا بالتأمل.. فمن عمق المجال، على خشبة المسرح، سيتقدم شبحان، كل منهما يزعم أنه المنقذ، المخلص، ولكن حين يدقق «فلاديمير» و«استراجون» فى الوافدين، سيكتشفان، لهولهما، أن أحدهما يشبه أوجستو بينوشيه، جنرال تشيلى، الديكتاتور، الذى أذاق شعبه ألوانا من التنكيل والوحشية التى صارت مضرب الأمثال، حين يصبح المصير فى يد أحد أصحاب البزات المزخرفة بالنجوم والنياشين..أما الشبح الثانى، المبهم، فإنه، غريب المظهر، يرتدى جلبابا ويطلق لحيته، يبدو قادما من زمن غابر، يذكر الجميع، بالملامح الغامضة للملا عمر، الزعيم الطالبانى، الذى انتصر نصرا مؤزرا يوم الفتك بتمثالى بوذا، ودمرهما بالمتفجرات، وحطمهما بالمدافع، ومنع البنات من التعليم، ونجح، بامتياز، من التقهقر ببلاده عدة قرون للوراء.. كل من الشبحين يزعم أنه «جودو»، فهل يصدقهما أحد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات