إصلاح الدولة الديمقراطية الحديثة - سمير عليش - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 4:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إصلاح الدولة الديمقراطية الحديثة

نشر فى : الخميس 6 نوفمبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الخميس 6 نوفمبر 2014 - 8:30 ص

توجه الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الإعلام متمثلا فى «جريدة الشروق» إلى تنظيم مؤتمر وإجراء نقاش «حوار» مجتمعى واسع تحت رعايته عن مستقبل القوى السياسية فى مصر، وكيفية مشاركة الشباب فى الانتخابات.

وقد كرر سيادته فى أكثر من تصريح على أهمية تماسك الشعب والدولة، وعلى ضرورة أن يقوم الإعلام بالتحدث الدائم إلى الناس عن الأمل والطموح والثقة بدلا من التشويه، والمساعدة فى الحفاظ على الدولة. وانطلاقا من تلك التصريحات فإن المؤتمر والحوار المجتمعى يجب أن يؤدى إلى بدء السير فى طريق تطبيق وتعزيز مضامين تلك التصريحات.

وأظن أن هناك دلالات إيجابية لتوجه السيد الرئيس إلى الإعلام الخاص الذى يقدم على صفحاته باقة متنوعة من الرؤى الوطنية والقومية من خلفيات ايديولوجية متعددة، والذى يحرص أيضا على المعالجة الموضوعية للأخبار المحلية والإقليمية والعربية.

•••

علق السياسيون والنخب على تلك الدعوة، فمنهم من رأى أن هذا المؤتمر يستهدف الحفاظ على مجلس النواب القادم من جماعة الإخوان التى تسعى للسيطرة عليه وإفساده، وتشكيل ظهير سياسى لمساندة الرئيس والعمل على توحيد القوى السياسية لمساندة قراراته لمصلحة الوطن. ومنهم من أبرز أهمية رعاية السيد الرئيس لهذا المؤتمر لضمان تفعيل التوصيات التى ستنتج عنه، وآخرون أشاروا إلى ضرورة مشاركته الشخصية دون وسيط. وطالب البعض منهم بأن يعلن النظام الحاكم رؤيته فى تأسيس جمهورية ثالثة مخالفة لسياسات مبارك ومرسى قبل انعقاد المؤتمر، ومن السادة السياسيين والنخب أكدوا ضرورة مراعاة دعوة الشباب، وأن يكون جامعا لكل الأحزاب والقيادات السياسية متضمنا الإخوان والحزب الوطنى. على أن البعض اشترط أن تكون المشاركة فى المؤتمر على أرضية أهداف 25 يناير وعلى إقصائه القوى الرافضة لنظامى مبارك ومرسى وسياستهما.

واختلف البعض على دعوة المؤسسات والترابطات الدينية للمشاركة فى مؤتمر يناقش مستقبل العمل السياسى. وقد أبدى البعض تخوفه من التداعيات السلبية لتفعيل تلك الدعوة بسبب فشل «الحوارات» التى عقدت قبل ذلك فى عهود مبارك والمجلس العسكرى ومرسى، ومن ثم اقترح على النظام الحاكم تهيئة المناخ المناسب لعقد المؤتمر عبر: وقف عمليات القبض العشوائى، وإزالة الاحتقان الموجود بين الشباب فيما يتعلق بقانون التظاهر وسجناء الرأى من الإخوان وغيرهم، وإيقاف حملات الكراهية والتشويه المتعمد لثورة يناير والتى تستهدف الإقصاء والتصفية، وتشجيع حرية الرأى والتعبير والحق فى الاختلاف.

وقد سبق أن طرح الدكتور ابراهيم العيسوى بمقاله على صفحات الشروق بعنوان «نحو حل سياسى للأزمة الراهنة» بتاريخ 26 يونيو 2014, اجتهادات متميزة فى موضوع تهيئة المناخ للحوار متضمنة مطالبات للنظام، وكذلك للإخوان وحلفائهم الإسلاميين، وللمجموعات من المثقفين والسياسيين والشباب الذين لهم تخوفاتهم من عودة نظام مبارك. وأكد البعض تجنب الكلام المعسول والمرسل فى التوصيات، والعمل على الخروج من المؤتمر بوثيقة محددة بتوقيتات وخطوات تنفيذية ملزمة يتم تطبيقها خلال فترة خمس سنوات.

ومنهم من اقترح مجموعة من الموضوعات للحوار من أهمها، «سياسات وقوانين العدالة الاجتماعية الدافعة لتحقيق التنمية ولتنظيم توزيع عوائدها، التصدى لانتهاكات الدستور، علاقة الدولة بثورة 25 يناير، أزمة الجامعات، التشريعات الخاصة بقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر، الحبس الاحتياطى، العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية، التصدى للفساد ورموزه».

وبناء على التمعن فى توجيهات الرئيس وتعليقات النخب عليها يمكننا الجزم بأنه لا سبيل للتصدى للإرهاب والمضى قدما فى إصلاح وبناء دولة المستقبل، إلا عبر تماسك الشعب والسلطة باستخدام آلية الحوار الذى يؤدى إلى تعزيز رأس المال الاجتماعى «العمود الفقرى للتنمية».

•••

والجدير بالذكر مع أن هناك تضاربا فى الآراء بشأن أطراف الحوار، الذين يجب تحديدهم بوضوح، ولكننى أرى شخصيا أنه يجب دعوة كافة الأطراف الفاعلة فى المجتمع السياسى بدون إقصاء، فهناك توافق على استخدام «الحوار» كوسيلة وحيدة ذات مردود سريع، بجانب تفعيل القانون «العدالة الناجزة والسلطة الأمنية» بهدف التوصل إلى حلول للقضايا المهددة لتماسك «الشعب» و«الدولة» والمتمثلة من وجهة نظرى فيما يلى:

• الصراع غير الحضارى بين الأحزاب والتكتلات السياسية المتباينة من حيث «التنظيم والموارد» على مقاعد مجلس النواب القادم شديد التأثير على مستقبل مصر، وفى ظل مناخ إعلامى يحض على الكراهية والإقصاء والتشويه لكل من له علاقة بثورة 25 يناير أو ينتمى للتيار السياسى الإسلامى، وفى إطار وقوانين انتخابية تساهم من وجهة نظر الكثيرين، وانا منهم، بالسلب على مستقبل القوى السياسية ومشاركة الشباب، فضلا على انحيازها إلى تغليب قوى الثورة المضادة المساندة لسياسات ما قبل 25 يناير وتلك التى تمرد عليها الشعب فى 30 يونيو.

• حالة الإحباط والتمرد المستمر والمتصاعد بين قطاع هام من الشباب داخل المعاهد العلمية والجامعات وخارجها لشعورهم من عدم جدوى التضحيات التى بذلت «دما وعرقا وسجنا وتعذيبا وحرمانا» لإسقاط نظام تحالف الفساد والاستبداد، والتصدى الحاسم لتوجهات المجلس العسكرى، ثم إسقاط حكم التيار السياسى الإسلامى. ولا شك لدى ان استمرار تلك الأوضاع ستؤدى حتما إلى إحجام الشباب عن المشاركة السياسية والتفاعل مع المجتمع.

• الإحساس المتزايد من غالبية الشعب المصرى على كافة طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية بغياب الأمن الجنائى والعدالة البطيئة وتغول الفساد فى مفاصل الدولة متمثلة فى عدم انضباط الشارع والتعدى المستمر على القانون، وارتفاع جرائم التحرش والخطف واستخدام البلطجية... إلخ. كل ذلك يؤدى إلى زيادة هجرة العقول المتميزة وخاصة من الشباب واحجام المستثمرين وانخفاض معدلات السياحة.

• استمرار التصادم بين الدولة والمجتمع المدنى بالرغم من تغير جذرى فى الأدوات المستخدمة للتواصل المعرفى، مما ينعكس سلبا على حجم وتوجهات موارد التطوع والعطاء لأغراض التنمية، وعلى فاعلية مشاركة الشباب فى المنظمات والترابطات الاهلية «القانونية والواقعية» وخاصة الأفقية منها فى تحقيق تماسك المجتمع وتعزيز لحمته الوطنية وخاصة فى مرحلة التحولات الديمقراطية (مثال تونس). فالدولة يجب ان تكون حارسا على فكرة الحرية والمجتمع المدنى هو الحارس على شرعية سيادتها.

• الاعتداء المتزايد على حقوق الافراد فى الحصول على معلومات صحيحة ومحفزة وليس معلومات موجهة ومغلوطة أو محبطة تؤدى إلى تفكك المجتمع وانخفاض معدل الثقة فى الدولة مما يصعب من مهمة التصدى للإرهاب وإصلاح وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية الحديثة.

•••

وأود أن انهى تلك الكلمات بأننى أثمن دعوة الرئيس للمؤتمر والحوار، وأتطلع إلى أن يقوم سيادته والسادة المدعوون للتحاور ورجال الإعلام بالعمل على توفير المناخ المناسب لعقد هذا المؤتمر. وأحبذ بشدة حضور السيد الرئيس بنفسه أو عبر video-conference على الأقل فى الجلسة الافتتاحية والجلسة الختامية مما سيوفر فرصة للحوار مع أعضاء المؤتمر. ولا شك لدى أن القائمين على «المؤتمر» سيأخذون فى اعتبارهم الحاجة إلى التنظيم الدقيق من حيث إعداد أوراق خلفية للموضوعات التى سيتم طرحها للنقاش، وعدد الحضور والمكان والمواعيد بالإضافة إلى الحرص على الالتزام بلائحة صارمة لقواعد وآداب الحوار.

ليس لدينا رفاهية فشل هذا المؤتمر، سائلا المولى العلى القدير التسديد والقبول آمين.

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات