جرسونيرة - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جرسونيرة

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص

ينتمى لأفلام الجريمة وهى نوعية تختلف عن الاتجاه البوليسى، فالصراع فيها لا يندلع بين الشرطة والخارجين على القانون ولكن يدور بين مجرمين، سواء كانوا عصابات متناحرة أو أفرادا يريدون تصفية بعضهم بعضا، كما فى «جرسونيرة» المعتمد على ثلاثة نماذج بشرية، رسمها بمهارة كاتب السيناريو حاتم متولى، الذى تفهم أبعادها وأغوارها وعمل على الكشف عنها شيئا فشيئا، مستفيدا من وسائل التشويق والغموض وانقلاب المواقف والمواجهات التى تتسم بها أفلام الجريمة خاصة المهتمة بالجانب النفسانى وهو لون يكاد يكون غائبا عن السينما المصرية أو على الأقل لم يتطور بما فيه الكفاية منذ غياب المخرج الكبير كمال الشيخ.

الاختبار فى «جرسونيرة» قد يكون قاسيا فالأحداث كلها تجرى فى مكان واحد داخل شقة بالغة الأناقة يملكها الوجيه الأمثل رسميا، سامح «نضال الشافعى» ، الدبلوماسى، رئيس أحد الأحزاب يملك الكثير ومن بينها عشيقته ندى «غادة عبدالرازق» التى نتعرف على بعض ملامحها خلال مونولوج داخلى يعبر عن ضيقها بالحياة التى تعيشها كمحظية أو جارية فوق العادة يغدق عليها صاحبها أو مالكها إن شئت الدقة، مالا وحليا وفساتين لكن ينقصها الاحساس بالكرامة وأنها مجرد مطفئة للرغبات وترتسم علامات احتقار الذات على ملامح وجه غادة عبدالرازق وهى تستمع معنا للمونولوج الصادق من ناحية ثم فى تعاملها مع عشيقها من ناحية ثانية فهى تبدو متقلبة سيئة المزاج تهاجمه، تنفر منه ولكن كعادته يتمكن من استيعابها وبينما يحضر لها «روب» الحمام من الدولاب يندفع من داخله رجل ضخم الجثة بملامح تنبئ بالشر يمسك بمسدس فيغدو «سامح» أسيرا مستسلما إلا قليلا.

المخرج هانى حرجس فوزى، وزع الأدوار توزيعة موفقة، غادة عبدالرازق هنا ليست نجمة إغراء ولكن امرأة تكاد تحتقر نفسها وتكاد تكره «سامح» وتدرك أن لا غنى عنه وفى صدامها معه تعبر عن هذه التركيبة النفسية المضطربة التى تتناقض مع قوتها الظاهرة ويطالعنا نضال الشافعى بأداء لافت.. ملامح وجهه يكسوها بطابع مثير للضيق ويبعث على سوء الظن فى عينيه يجتمع الخبث مع القلق، أما ممثلنا الأردنى منذر ريحانه فإنه يتمتع بقوة الحضور فضلا عن لمسات تؤكد دراسته لشخصية المجرم المقتحم، المتهور، المستهتر، ولم يفته دعك أنفه بأصابعه بين الحين والحين على طريقة إدمان الشم وإن كان فى الفيلم يلف سجائر الحشيش فقط، ولولا الانفجارات الانفعالية التى تنتاب النجوم الثلاثة بين الحين والحين بلا انضباط صارم لكان الأداء التمثيلى على درجة عالية من الإجادة.

يدخل الفيلم فى لعبة الابتزاز، المجرم، المهيمن على المكان يمسك بمسدس، يجبر «ندى» على إحضار المجوهرات وحقيبة النقود. يأمر «سامح» بكتابة شيك بنصف مليون جنيه ثم بمليون.. يذعن الوجيه.. يتردد حين يطلب المجرم منه طلبا قد تستغربه أن يمارس «سامح» الجنس مع عشيقته ندرك الدوافع عندما يستعد المجرم لتصوير المشهد بكاميرا فيديو كى لا يتلاعب به الرجل فيما بعد.. «ندى فى مونولوج داخلى، تعرب عن كراهيتها للرجلين وإن كانت كراهيتها لسامح ممتزجة بالاحتقار خاصة حين تدرك أنه منزعج من أجل سمعته ومستقبله السياسى أكثر من غضبه بسبب كرامتها المهدرة.

فى لعبة انقلاب المواقف والصراع بين القوة الغاشمة التى يجسدها المجرم والعقل الذى يمثله «سامح» يتمكن الأخير من خطف المسدس وتكبيل المجرم قبل الانتصار الحاسم يتمكن المجرم من استعادة المسدس وتقييد صاحب المكان ويستمر الفيلم مقدما رقصة بلا ضرورة لغادة عبدالرازق استجابة لرغبة المجرم وربما لقطاع من الجمهور ثم أغنية أو أكثر قد تكون جيدة فى حد ذاتها لكن لن تعرف أبدا من أين جاءت وأخيرا تأتى النهاية فعقب خروج الرجلين تباعا يعود المجرم كى يقتسم الأموال والمجوهرات مع «ندى» حسب اتفاقهما وما هى إلا لحظات ويعود «سامح» ممسكا بمسدسه وقد أدرك اللعبة.. يقيدهما وبلا تردد يفتح أنبوبة الغاز ليعبق المكان بمشروع موتهما.. «ندى» تمد أصابعها لتختلس ولاعة وتتهيأ للضغط على مفتاحها، مما ينبئ بانفجار المكان.

«جرسونيرة» لا يقدم ضحية، ووصوليا وبلطجيا بقدر ما يعرض ثلاثة مجرمين.. لكل منهم طريقته.. والفيلم وإن كان لا يخرج عن الجدران الأربعة، فإنه يشير إلى نماذج فى مجتمع تسوده روح المؤامرة وتغيب عنه قبضة الأمن، حتى أن الدبلوماسى رئيس الحزب لم يفكر لحظة فى طلب الشرطة، ويبدو هو والمجرم من طينة واحدة والواضح هذه المرة أن هانى جرجس فوزى على قدر من التمكن يجعلنا ننتظر منه الكثير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات