من أين يأتي التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أين يأتي التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري؟

نشر فى : الأربعاء 11 فبراير 2009 - 7:58 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 فبراير 2009 - 7:58 م

 ليس هناك من شك في أن أكثر الفترات – ربما في تاريخنا المعاصر كله - التي تكرر فيها مصطلح "الأمن القومي" لمصر في وسائل الإعلام وأحاديث السياسيين وجلسات عامة المصريين هي تلك الفترة التي تلت وواكبت العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة. وقد يرى البعض – ونحن معهم – في تداول وشيوع هذا المصطلح في جنبات المجتمع والنخبة والدولة أمراً إيجابياً لأنه يعكس حرصهم جميعاً على الحفاظ على ذلك "الأمن القومي" والذود عنه ببذل كل غال ونفيس. إلا أن ملاحظتين رئيسيتين تلفتا نظر أي متأمل مدقق لذلك الشيوع والتداول، وتفسدان المعنى الإيجابي لهما بل وتؤديان بصور مختلفة إلى تهديد حقيقي لذلك "الأمن القومي".


أولاهما، وقد تطرق إلي بعض معانيها أساتذة وزملاء في مواضع أخرى، وهي أنه من فرط ترهل المصطلح وتعدد أغراض استخدامه من أطراف مختلفة في البلاد، بات من رابع المستحيلات معرفة المقصود به بدقة، وبالتالي تحديد العدو (أو الأعداء) الذي يهدده وما يجب على المواطن والنخبة والدولة القيام به للذود عنه. فلدى البعض ارتبط "الأمن القومي" بحدود مصر الشرقية المحاذية لقطاع غزة وما رأوا أن حركة حماس تهدده بإقامة ما أسموه "الإمارة الإسلامية" فيه، وهو حديث علق عليه البعض بسؤال قاتل: أنه حتى بافتراض صحة زعم نية إقامة تلك الإمارة الدينية، فهل هي أخطر على أمننا القومي من الدولة الدينية اليهودية التي قامت بالفعل منذ ستين عاماً واحتلت أرضنا مرتين وخضنا معها خمس حروب؟. بينما رأى البعض الآخر أن هذا الأمن هو الحفاظ على أراضي سيناء المصرية في نفس المنطقة السابقة من "مؤامرات" فلسطينية تهدد باستيطانها من سكان غزة، دون أن يقدم أحدهم أي دليل أو حتى قرينة ولو متهافتة لتأكيد هذا الزعم بالتهديد من أي فصيل سياسي فلسطيني بل ولا حتى من فرد واحد من أهل غزة. أما البعض الثالث فقد وسع من تعريفه ونظرته لما يهدد الأمن القومي المصري فأضحى لديهم "مخططات إيرانية" ترسمها وتدعمها طهران بينما تتكفل حركة حماس بتنفيذها في غزة والمناطق المصرية الملاصقة لها، بدون أن يكتشفوا أنهم بقولهم المرسل هذا لا ينسفون فقط أكثر من خمسة عشر عاماً من العلاقات الوطيدة بين حماس وأبرز أجهزة الدولة المصرية بل وقبلها كفاءة هذه الأجهزة التي – حسب زعمهم – تكون قد فشلت في اكتشاف هذا التهديد الذي لم يبن في يوم وليلة وفشلت أيضاً في إجهاضه.


وذهب البعض الرابع إلى أن الأمن القومي المصري يتخلص في الحفاظ على عملية التسوية الجارية منذ عام 1991 بين الفلسطينيين وإسرائيل بغض النظر عما لحق بها من تشوهات وما أصابها من إخفاقات على يد الجانب الإسرائيلي بما جعلها أقرب إلى الذكرى البعيدة المريرة منها إلى الواقع السياسي الملموس، مروجين لأن أي رفض لها أو مراجعة لبعض أسسها إنما هو التهديد بعينه لذلك الأمن القومي. وجنح البعض الخامس إلى أبعد بكثير مما يتوقع أي خيال قويم أو يحتمل أي عقل سليم، فرأوا أن كل ما سبق ذكره لدى أقرانهم من تعريفات للأمن القومي المصري وما يتهدده من مؤامرات لم يقدموا قرينة واحدة متماسكة عليها، إنما تجتمع كلها في التهديد الأكبر لمصر وأمنها القومي بدفعها نحو الفوضى الداخلية التي تؤدي إلى الإطاحة بنظامها السياسي واستيلاء أنصار حماس وإيران من قوى المعارضة وفي مقدمتها الإخوان المسلمون عليه عبر انقلاب، لم يكن لديهم غالباً وقت كاف لسرد تفاصيله. ويبدو أن أصحاب هذه النظرية الأخيرة في تعريف الأمن القومي والتهديد الذي يتربص به قد فاتهم ملاحظة سلوك الدولة المصرية – المستهدف الأول من التهديد بحسب النظرية – تجاه من يتهمونهم بالتأمر مع حماس وإيران لنشر الفوضى والانقلاب عليها، أي المعارضة عموماً و الإخوان خصوصاً، حيث لم يصدر عن كبار مسئوليها أو حتى متوسطيهم أي تصريح يؤكد ما ذهبت إليه النظرية، ولم تتخذ أجهزتها الأمنية – اليقظة والحارسة للأمن القومي بحسب مفهوم النظرية – أي إجراءات غير معتادة معهم ومع احتجاجاتهم ومظاهراتهم تتناسب مع ذلك الخطر الداهم الذي يمثلونه للأمن القومي بحسب مزاعم تلك النظرية وأصحابها. فهل يا ترى كان صمت المسئولين وتوقف الأجهزة الأمنية عند حدود القمع السابقة التطبيق لمظاهرات هؤلاء واحتجاجاتهم، بمثابة عجز عن مواجهة التهديد أم تواطؤ معه أم توافر معلومات أدق لديهم تنسف النظرية من أساسها المتهاوي؟


أما الملاحظة الثانية على ذلك الشيوع والتداول لمقولة "الأمن القومي" التي تفسد المعنى الإيجابي لهما بل وتؤدي بصور مختلفة إلى تهديد حقيقي له فهي تتعلق بالطريقة التي أدارت بها قطاعات من النخبة وأجهزة إعلام الدولة صياغتها وترويجها. فمن ناحية بالغ هؤلاء في وزن وحجم الأطراف التي سعوا إلى إقناع المواطنين بأنها تهدد الأمن القومي المصري، وهي نفس المبالغة التي هوت بمكانة مصر وأمنها القومي إلى مستو منظمة صغيرة أكملت عامها العشرين قبل شهرين فقط أو دولة يزيد عدد أعضاء نقابة المحامين المصريين عن عدد كل حاملي جنسيتها. ومن ناحية ثانية بالغ نفس هؤلاء في "تخويف" المصريين مما تدبر لهم إيران وحلفائها الإقليميين وفي مقدمتهم حماس من تهديد لأمنهم القومي حتى تسرب إليهم الشعور بأنهم على وشك شن الحرب على مصر، في نفس الوقت الذي بالغوا فيه في الاتجاه المعاكس في "تخويف" المصريين من الحرب التي يسعى هؤلاء المتآمرين لتوريط مصر فيها ضد إسرائيل وعلا نحيبهم وصراخهم من الويلات التي جلبتها حماس على أهل غزة الأبرياء بتحرشها بإسرائيل حسب زعمهم. فكيف يمكن أن تجتمع هاتان المبالغتان في سياق واحد يجمعه الادعاء بأن هدف أصحابه هو حماية "الأمن القومي" المصري؟


وهنا تظهر الناحية الثالثة والأكثر خطورة ليس فقط على هذا الأمن بل وعلى مستقبل مصر نفسها، أفلم يسأل هؤلاء أنفسهم عن النتيجة التي يمكن أن يوصلوا إليها الأجيال الشابة والصغيرة في مصر بهذا الذعر والنحيب المصطنعين من مجرد فكرة الحرب أو حتى التلويح بها بدءاً من حرب الخليج الأولى ومروراً بالغزو الأمريكي للعراق والعدوان الإسرائيلي على لبنان وحتى الحرب على غزة، وهل سيبقى لدى هؤلاء بعد كل تلك الحملات الدعائية المكثفة من قدرة على التماسك والصمود أمام أي عدوان حقيقي قد يقع على بلادهم في أي لحظة كما حدث مئات المرات في تاريخها الطويل؟ هل تحويل شباب مصر وأطفالها "خير أجناد الأرض" إلى مذعورين مرتعبين من مجرد ذكر كلمة الحرب هو ما يخدم "الأمن القومي" لمصر؟

• باحث وكاتب

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات