الهيبة.. الضائعة - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهيبة.. الضائعة

نشر فى : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص

هناك فارق واسع، عميق، بين الهيبة والاحترام، فالهيبة، غالبا، تقترن بالخوف، خاصة حين يكون المهيب صاحب سلطة ونفوذ، يستمد مهابته من القدرة على إيقاع الأذى بالآخرين، بينما الاحترام، عادة، يأتى مشفوعا بالمحبة، من الممكن أن يتوافر عند البسطاء، صناع الحياة، الذين لا يتسلل الاستعلاء إلى نفوسهم.. ولعل من الإنجازات المعنوية المهمة، لثورة يناير 2011، أنها نزعت هالات المهابة السقيمة من فوق الهامات المغرورة، بل استبعدت، إن لم تكن ألغت، تعبير «المهابة»، وأعادت تقييم الأشخاص والمؤسسات، بمعايير جديدة ودقيقة، نزيهة، وشجاعة، تحترم من يليق به الاحترام، وتمتهن من يستحق المهانة.

 

«الهيبة» وملحقاتها من مسميات، كلمات تنتشر فى المجتمعات المقهورة، المبنية على الظلم، فإذا كان النظام عسكريا، ستجد تعبيرات من نوع «المهيب الركن»، و«مهابة الزعيم»، و«الموكب المهيب».. «المهابة»، تنتشر بين الممسكين بمقاليد الأمور، فثمة «هيبة رجل الشرطة»، هيبة رجل القضاء»، «هيبة رجال الدين».. وإلى جانب الهيبة، ثمة «صاحب المعالى»، و«صاحب المقام الرفيع»، و«صاحب العصمة»، و«صاحب الفخامة». وفى المقابل، لا تجد للموظفين والعمال والفلاحين والطلبة أى نصيب من «الهيبة» وملحقاتها.. وفيما يدخل فى باب تقنين الأوضاع، حذرت إحدى مواد تعليمات الرقابة عام 1947 من تقديم رجال الدولة فى نحو يقلل من مهابتهم، خاصة رجال البوليس والقضاء والجيش وما إلى ذلك من سادة المجتمع.

 

عقب ثورة يوليو 1952، تقرر إلغاء الألقاب والأوصاف الطنانة، وأصبحت كلمة «السيد» تسرى على جميع المواطنين، فالكل يتساوى، فى المجتمع الجديد، المأمول، فلا أفندى، ولا بك، ولا باشا، وثارت السينما المصرية من نواهى الرقابة، وأعادت النظر فى أصحاب المقامات الرفيعة سابقا، مرة من باب الشفقة، كما فى «الأيدى الناعمة»، مسرحية توفيق الحكيم التى أخرجها للسينما محمود ذو الفقار 1963، حيث يؤدى أحمد مظهر شخصية «البرنس شوكت»، صاحب المقام الرفيع سابقا، والذى عليه ــ الآن ــ أن يأكل من عرق جبينه.. ومن قبل، فى «بين السماء والأرض» لصلاح أبوسيف 1959، تسخر السينما المصرية، من الأرستقراطى المتأنق، عبدالسلام النابلسى، الذى يريد أن يفرض مهابته على الآخرين، فى زمن انتهت فيه الألقاب، لذا لم يكن غريبا أن يتهم الرجل المتعجرف بالجنون، وأن يصدق الجميع هذا الاتهام.

 

لسنوات طويلة، تلاشت «الهيبة» وملحقاتها، وغدت كلمة «باشا» تُقال من باب تصغير الشأن، أو لمعاكسة البنات فى الشوارع.. ولكن مع تغيرات اقتصادية واجتماعية فى الواقع، أدت إلى إحياء مسميات قديمة، فعادت كلمة «باشا» على استحياء فى البداية، لتطلق على كبار ضباط الشرطة، وكلما زادت مسئولية الشرطة فى تثبيت الأوضاع المستجدة، وقمع المحتجين، انتشرت الكلمة وألصقت بصغار الضباط، بل بأمناء الشرطة والعساكر، وبهذه الإخافة، جرت محاولات ترسيخ مفهوم «الهيبة»، ولصقه بمؤسسات النظام: «القضاء»، «مجلس الشعب»، «رئاسة الوزراء»، «رئاسة الجمهورية».. اندلعت الثورة، وأيا كانت نتائجها، فإن من الثابت أنها، بدم الشهداء وإرادة الثوار، نزعت أوهام الهيبة. ليحل مكانها تلك القيمة الغالية.. الاحترام.. والاحترام لمن يستحقه، ويليق به فعلا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات