العرب ومصر.. نقد ذاتى - نبيل عمرو - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 3:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب ومصر.. نقد ذاتى

نشر فى : الإثنين 13 يونيو 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 يونيو 2011 - 8:30 ص

 فى متابعاتى التفصيلية لما جرى ويجرى فى مصر، لم أستطع عزل التأثير العاطفى عن التحليل، ومحاولة الخروج باستخلاصات سياسية موضوعية.. وفى شأن مصر فإننى أظل أسير واقع وتأثير علاقتى الخاصة بالمجتمع المصرى.. ففى حضن هذا المجتمع، عملت موظفا مبتدئا ثم زائرا مواظبا ثم ممثلا لبلدى لدى الشعب والقيادة المصرية، إلا أن الأهم من ذلك كله، أن نصف عائلتى ولدت فى مصر، ابن وابنة وحفيدة.

•••


على مدى التاريخ قديمه وحديثه، تكرست ظاهرة التداخل والاندماج بين المجتمعات العربية ومصر، ونمت وشائج عميقة وفعالة جعلت الظاهرة المصرية فى حياتنا، الأكثر حضورا وتأثيرا فمن لم يأت الى مصر زائرا أو لاجئا أو مستثمرا، كانت مصر تذهب إليه، تطوقه وتنتشر فى أدق تفاصيل حياته، وفى جيلنا أسست مصر ما يمكن تسميته بالبنية التحتية للوجدان العربى، ومن ينسى طغيان تأثيرالحالة الناصرية، ورموزها وأدواتها ــ ومن يستطيع إبعاد أم كلثوم وعبدالوهاب وعبد الحليم وغيرهم عن يومياتنا وصياغة ذوقنا ومشاعرنا، ومنذ عقود وحتى يومنا هذا فإن أنصار الأندية الرياضية المصرية أوسع عددا من أعضاء الأندية المحلية وحتى السينما ورغم كل ما يمكن أن يقال عن عصرها الذهبى أو تراجعها إلا أنها مع الإذاعة والتلفزيون المصرى من صاغ وجدان الأمة ووحد نبضها وعمق المشترك بين أقوامها وشعوبها.

ذلك ببساطة ما كوّن مصر فى داخلنا وجعلها الرقم الأكثر ديمومة فى حساباتنا وإذا ما ذهبنا فى التقويم إلى الإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بحاضرنا ومستقبلنا كأمة فإننا نجد مصر فى المركز وفى بؤرة التأثير الأقوى.

غير أننا لم نتعامل فعلا مع مصر كما هى فى حياتنا ووجداننا ولعل فى الأمر بعدا ثقافيا فيه من الخطأ أكثر بكثير مما فيه من الصواب فرفعنا شعارات ذات بريق لغوى دون تدقيق فى المضمون ودون الإقدام على سياسات مدروسة تعالج العلاقة مع مصر انطلاقا من رؤية ناضجة لمصالحنا كنظم ومجتمعات وقضايا وهنا يحتاج الأمر الى نقد ذاتى.

••••


لقد قدمت الدول العربية لمصر دعما لا يستهان به، ولو حسبنا الأمر بالأرقام فإننا سنجد حتما رقما فلكيا قد لا تستطيع أهم الحواسيب ضبطه وتحديده، إلا أن الأمر لم يكن مجديا بحجم مصر فى حياتنا، وحاضرنا ومستقبلنا، لأن كل ما قدم لمصر انطلق من اعتبارات غير منهجية وبمنطق المساعدات، والتضامن ونصرة الشقيق فى وقت الضيق، إن هذه العناوين جميعا وعلى قيمتها الشعبوية والدعائية وحتى الأخلاقية جعلت الدعم فى غير سياقه المنتج، فلم تستفد منه مصر كما يجب بل إنها كانت تفقده مع كل مطب سياسى يحدث فى عالمنا العربى وما أكثر المطبات وما أعمق تأثيرها الكارثى على حياتنا.

لم يمارس دعم مصر.. على قاعدة رؤية مستنيرة لأمن ومصالح كل بلد عربى ولم ينظر للتنمية الحديثة فى مصر كما لو أنها امتداد بل استثمار عضوى لحماية وطمأنة المجتمعات العربية، التى تشكل مصر مخزونها الاستراتيجى للقوة البشرية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والثقافية، ولو نظر للأمر مبكرا من هذه الزاوية لما تكرست علاقة العطاء المتبادل على هذا النحو السطحى والفوضوى، لا أتحدث عن عطاء مصر الذى اختصرناه بأنها قدمت العدد الأكبر من الشهداء فى جميع حروب الأمة، هذا صحيح، ولكن ليس هذا هو عنوان مصر وعطائها الأبرز، فعلى أهمية الدم وقداسته، يظل هناك ما يحيط به. فمصر أولا هى الطاقة الإبداعية المتفوقة بدءا من ملايين العمال والحرفيين الذين يملأون مدننا العربية وليس انتهاء بحملة نوبل، ومصدرى الفكر والإبداع الإنسانى والعلمى لكل أرجاء الكون.

ومصر ثانيا هى الجدار الاستنادى الذى حين نتكئ عليه نطمئن إلى أننا نستند إلى قوة حقيقية تشيع فى روحنا ثقة فى زمن انقرضت فيه فرص الكيانات الصغيرة، واستبدلت مقومات حياتها ونمائها بعلاقات وتحالفات واتفاقات مع كيانات أكبر، كى تتمكن من الحياة ومواكبة متطلبات العصر. ومصر ثالثا ودائما هى كلمة السر فى أمر مضمون ومحتوى الفكرة القومية وتجسيدها الفعلى لا أريد القول إن ما حول مصر هى كيانات ناشئة لا تزال القبيلة هى الأساس فيها وإن انتقالها الى واقع الدولة لا يزال فى بداية الطريق فلم لا نفكر جديا فى الإفادة من الدولة الراسخة الأساس ومكتملة المقومات، نعطيها ونأخذ منها كى تتوازن حياتنا وحياتها فننهض معا، ونسيج حدودنا ومصالحنا ومقومات بقاءنا وتطورنا بعناصر قوة ليست الجيوش عنوانها وإنما القوة المتكاملة من كل النواحى.

لقد شعرت بقدر من التفاؤل حين عرفت أن دولا عربية مقتدرة مثل السعودية وقطر تعملان بإخلاص لإسناد اقتصاد مصر بعد الخلل البديهى الذى لابد أن يصيبه مؤقتا بفعل الثورة وانشغالاتها وانعكاساتها الجانبية وبذات القدر من التفاؤل والثقة شعرت به وأنا أتابع مؤتمر الثمانية وما سيرصد من دعم لمصر وكيانات الربيع العربى وبنظرة متفحصة ونحن نتابع هذا الأمر الحيوى أرى أننا نحتاج لأمرين.

الأول معنوى ويجب أن يمتلئ به وجدان شعب مصر والشعوب العربية وهو أن كل ما يقدم لمصر هو أقل بكثير مما تقدم مصر وأقل بكثير من الرهانات عليها وعلى دورها وتأثيرها فى المحيط الإقليمى والعالمى.

والثانى هو حتمية تفادى كل الأنماط المختلفة التى حكمت فى الماضى، علاقة العالم العربى بمصر، وذلك بتغيير الأساس...

الأساس السليم، هو أن يعرف العرب جميعا أن مصر القوية العفية هى الجزء الأهم من مكونات أمنهم القومى، وهذا يتطلب إعادة النظر فى السياسات المجتزأة والمترددة والموسمية لمصلحة استثمار استراتيجى منهجى ومنتظم يأخذ من مصر أهم ما لديها وهو كثير وكثير جدا، ويعطى لمصر كل ما تحتاج كى يكون التكامل منطقيا وصحيا وراسخا؟

فيما مضى كان هذا يقال فى الخطب ورسائل المناسبات، أما الآن فلابد أن يمارس بسياسات ومواثيق لا تردد فى تنفيذها وأداء متطلباتها.

التعليقات