لغة الحوار المفتقدة - نادر بكار - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لغة الحوار المفتقدة

نشر فى : الجمعة 15 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مارس 2013 - 2:22 م

إنشاء مساحات من التفاهم بين شتى الاتجاهات أصبح حاجة ملحة تتعاظم أهميتها أكثر من أى وقت مضى، وأزعم أن بداية هذا الإنشاء لن تكون أبداً بغير الحوار.

 

ومادمنا ارتضينا الحوار وسيلة للتقارب، فحتماً سيلحظ الكثيرون أن ثمة خللا واضحا فى تحرير معنى الحوار أو بالأحرى أن قطاعاً عريضاً من المتحاورين على الساحة المصرية يفتقر إلى «ثقافة الحوار».

 

أضرب لكم مثلا أغلبَ المتحاورين على شاشات التلفاز أيامنا هذه، كيف ترتفع أصواتهم بالتشغيب على الآخر بغير انتقاد موضوعى لمنهجه أو لطرحه، والمتضرر الوحيد فى ظنى من هذا السجال غير الفكرى هو المواطن المصرى الذى يرقب عن كثب هذه المحاورات ولا يكاد يخرج منها بغير طنين الصوت العالى.

 

فى حين أنك لو تأملت معى كيف ضرب القصص القرآنى أمثلة متعددة تخط لنا طريقا هو الأمثل أن نقيس عليه ثقافة الحوار، فلربما تحمست مثلى لنقلها وبثها فى العالمين علنا نصل إلى طريقة أرقى للحوار.

 

فلا يمكن أن ينمحى من ذاكرة التاريخ أبداً مشهد نبى الله موسى إذ يقف وحده ممثلاً للحق المطلق يحاور باطلاً لا يختلف اثنان على جبروته وظلمه، ورغم أن موسى قد علم سلفاً حكم الله سبحانه بشأن الفرعون «إنه طغى»، لكنه اتبع أمر ربه «فقولا له قولاً ليناً» فطفق موسى يشرح منهجه للطاغية وحاشيته غير عابئ بسباب الفرعون أو تجريحه «إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون».

 

بل وحتى فى محاورته للسحرة أنفسهم وما اجتمعوا وقتها إلا للنيل منه على رؤوس الأشهاد حرص «موسى» عليه السلام مرة ثانية على البدء بالحوار فنصحهم بقوله: «ويلكم لا تفتروا على الله كذباً».

 

«ثقافة الحوار» تتجلى فى صورة أخرى لا تقل عن هذه روعة، حين يصر نبى الله «شعيب» على استكمال حواره مع قومه رغم سبق تطاولهم وسخريتهم اللاذعة إذ يتهكمون عليه بقولهم «إنك لأنت الحليم الرشيد»، فيصل حرصه من خلال الحوار على الوصول إلى نقطة تفاهم حتى ولو أدى به ذلك إلى أن يتغافل عن تجريحهم «لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح» رغم أنهم أجرموا فى حقه وحق أنفسهم بعداوته، لكنه أراد ألاّ تكون عداوتهم له سببًا فى صدهم عن الحق، بل يتمادى فى نصحه أكثر وأكثر» واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربى رحيم ودود». فأى منطق فى الحوار هذا؟

 

هل يمكن أن نرى نماذج راقية فى الحوار نلتزم فيها التركيز على تقديم المعلومة المفيدة والحرص على البحث عن المشترك بدلاً من الإصرار على النيل من الآخر والحط من شأنه، فيسمع كل محاور رأى غيره بهدوء ثم يصل فى نهاية المطاف ولو إلى نقطة اتفاق واحدة.