مصر وأفريقيا والقضية الفلسطينية - راوية توفيق - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 10:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر وأفريقيا والقضية الفلسطينية

نشر فى : الجمعة 18 يوليه 2014 - 4:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 يوليه 2014 - 4:40 ص

شعرت، كغيرى من المتابعين، بارتياح شديد لمعرفة خبر طرد وفد من منظمات يهودية أمريكية داعمة للكيان الصهيونى من قمة الاتحاد الأفريقى الأخيرة التى عقدت فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية أواخر الشهر الماضى بعد اعتراض وفد جامعة الدول العربية على وجوده. حملت تفاصيل الخبر العديد من الدلالات حول أهمية محاصرة الكيان الصهيونى فى المحافل الدولية وعلى تأثير الدورين المصرى والعربى فى المنظمة القارية الأفريقية رغم كل ما يقال عن تراجع هذا التأثير. ووفقا لما تناقلته بعض وكالات الأنباء الأفريقية والإسرائيلية، فإن وفد المنظمات الصهيونية، الذى سافر إلى القمة الأفريقية بتنسيق مع الدولة المضيفة، وبرفقة أحد أعضاء الكونجرس الأمريكى، عقد لقاءات مع عدد من رؤساء الدول الأفريقية قبل القمة كان هدفها إقناعهم بأن تتبنى القمة قرارا يندد باختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة الذين اختفوا منذ منتصف الشهر الماضى. وبمجرد اكتشاف الوفد المصرى وجود الوفد فى الليلة السابقة على افتتاح القمة تم التواصل مع الأطراف العربية المشاركة حتى أعلن وفد الجامعة العربية مقاطعته للقمة إذا استمر حضور وفد المنظمات الصهيونية. أدت الأزمة إلى تأخر افتتاح المؤتمر لمدة ساعة حتى تم إقناع وفد المنظمات الصهيونية بمغادرة قاعة المؤتمر.

•••

مثلت الحادثة مثالا ناجحا لمحاصرة مصر والعرب للكيان الصهيونى دبلوماسيا، ولكنها عبرت أيضا عن التحفظ المصرى والعربى تجاه علاقات إسرائيل الوثيقة مع بعض الدول الأفريقية. وفى الواقع فإن هذا التحفظ يثير استغراب الباحثين من الدول الأفريقية الذين ألتقى بهم فى المنتديات العلمية، والذين يرون أن علاقات مصر بإسرائيل أوثق من علاقة العديد من الدول الأفريقية بالدولة اليهودية. استدعت الذاكرة نقاشاتى معهم خلال متابعتى للاعتداء الإسرائيلى الموسع على الشعب الفلسطينى فى غزة، والذى يستمر يوميا فى حصد عشرات الأرواح وجرح المئات وتشريد من بقى من سكان القطاع المحاصر، وموقف مصر من هذا الاعتداء. بدا لى أن استغراب الأشقاء الأفارقة حول موقف مصر من علاقات أفريقيا بالكيان الصهيونى له ما يبرره للعديد من الأسباب.

السبب الأول أن مصر التى قادت حركة التضامن العربى الأفريقى ضد الاحتلال الصهيونى والاستعمار والتفرقة العنصرية فى الفترة من متنصف خمسينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضى، هى التى فتحت الباب، بتقاربها مع إسرائيل والولايات المتحدة، أمام العودة الإسرائيلية لأفريقيا مع بدايات الثمانينيات. فالدول الأفريقية التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل تضامنا مع مصر والدول العربية فى بداية السبعينيات لم تجد حرجا فى عودة هذه العلاقات بعد تبادل السفراء بين القاهرة وتل أبيب. ومع انطلاق التسوية السلمية فى بداية التسعينيات وخيبة أمل الدول الأفريقية من الحكومات العربية التى لم تقدم لها المساعدات المرجوة، كان من الطبيعى أن تسعى الدول الأفريقية إلى تحقيق مصالحها بالتعاون مع إسرائيل، خاصة فى المجالات العسكرية والفنية.

السبب الثانى، أن مصر من أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل فى القارة الأفريقية، وذلك إذا ما استثنينا صفقات السلاح الإسرائيلية إلى أفريقيا والتى يصعب تقدير حجمها، والتجارة غير الشرعية لبعض الإسرائيليين فى المعادن الأفريقية. وبصفة عامة لا تتجاوز تجارة إسرائيل مع أفريقيا 1% من حجم تجارتها الدولية. ففي عام 2011 كانت مصر ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، وبلغ حجم تجارة مصر مع إسرائيل في ذلك العام حوالي 290 مليون يورو. وبصفة عامة لم تتجاوز تجارة إسرائيل مع أفريقيا في هذا العام أكثر من 2% من حجم تجارتها الدولية وحتى المجال الأبرز للتعاون الإسرائيلى مع الدول الأفريقية، وهو الدعم الفنى والتقنى فى القطاع الزراعى وغيره من القطاعات، يشمل مصر.

السبب الثالث، أنه رغم أهمية ومحورية الدور المصرى فى الوصول إلى التهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، إلا أن موقف مصر الدبلوماسى من حركات المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، غالبا ما تأثر بعلاقة الحكومة المصرية بالحركات الإسلامية فى الداخل، ولذلك مال إلى لوم الضحية، حتى وإن أدان الجانى. ولذلك لم يكن غريبا أن يأتى موقف بعض الدول الأفريقية أكثر انتقادا للاعتداءات الإسرائيلية من الموقف المصرى. ففى مقابل البيان الهزيل الصادر عن الخارجية المصرية، والذى ناشد إسرائيل ضبط النفس وكأنها هى الطرف المعتدى عليه فى حرب بين طرفين متكافئين، جاء بيان الحزب الحاكم فى جنوب أفريقيا قويا مشبها سياسات إسرائيل بجرائم النازى. وحتى بيان وزارة الخارجية فى جنوب أفريقيا، والذى جاءت لغته أقل حدة، فقد اعتبر أن حادثة اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة لا يمكن أن تستخدم كذريعة للهجوم على غزة، وأيد حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ومع استمرار الهجوم على غزة استدعت الخارجية السفير الإسرائيلى لدى جنوب أفريقيا للمطالبة بوقف العملية العسكرية في غزة وإنهاء حصار القطاع، ووقف التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي يعرقل حل الدولتين. وقد جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي تظاهر فيه اَلاف الداعمين للقضية الفلسطينية أمام مقر البرلمان في كيب تاون

•••

قد لا يعى بعض الأشقاء الأفارقة أن إسرائيل مازالت بالنسبة لمصر هى العدو والمنافس الإقليمى الذى يجب أن تراقب تحركاته التى تهدف فى القارة الأفريقية وخارجها لاحتواء الدور المصرى وتهديد أمن مصر القومى، ولكنها أيضا الجار الذى تضطر مصر للتفاهم معه لتحقيق مصالحها، وأهمها استقرار الأوضاع على حدودها. ولكن من الصعب أن نقنع هؤلاء الأشقاء أن مصر التى ترتاب من علاقة الأفارقة بالكيان الصهيونى وتتمسك بطرح القضية الفلسطينية على أجندة المنظمات الأفريقية تنكر على الشعب الفلسطينى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى ولا تستغل علاقاتها مع إسرائيل لخدمة القضية الفلسطينية.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات