بوركينا فاسو .. بين ميادين الثورة وموائد السياسة - راوية توفيق - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بوركينا فاسو .. بين ميادين الثورة وموائد السياسة

نشر فى : الخميس 13 نوفمبر 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الخميس 13 نوفمبر 2014 - 9:21 ص

«فى الثلاثين من أكتوبر انطلق الربيع الأفريقى ليلحق بالربيع العربي»، هكذا علق زعيم المعارضة البوركينى «إيميل بارى» على احتشاد الجماهير فى العاصمة البوركينية «واجادوجو»، وغيرها من المدن الكبرى لإفشال مساعى الرئيس «بليز كومباورى» لتعديل الدستور للسماح له بفترة رئاسية جديدة. فى غضون أيام قليلة احتلت الأحداث فى بوركينافاسو، هذا البلد الصغير فى غرب أفريقيا، عناوين الأخبار وصفحات وسائل التواصل الاجتماعى، خاصة بعدما دفعت التظاهرات الرئيس «كومباورى» إلى التخلى عن السلطة، والهرب إلى خارج البلاد بعد سبعة وعشرين عاما قضاها فى حكم البلاد.

خلقت هذه الأحداث المتسارعة زخما وأثارت حنينا لأيام كان يشارك فيها العالم شعوب الشمال الأفريقى المنتفض أحلامهم بالتغيير بعد عقود فى ظل نظم أهدرت كرامتهم، ونهبت ثرواتهم. احتفى بعض الكتاب والمحللين بقدرة الحراك الشعبى على الإطاحة برئيس مدعوم فرنسيا، وتنبأ آخرون بنهاية ظاهرة «رئيس مدى الحياة» التى ميزت السياسة الأفريقية منذ الاستقلال، وذهب فريق ثالث إلى أبعد من ذلك معتبرا هذه الاحتجاجات إحياء لمشروع الزعيم الثورى «توماس سانكارا» الذى قاد بوركينافاسو فى الفترة من 1983-1987، والذى اغتاله كومباورى بدعم فرنسى. وكان «سانكارا» قد رفع شعارات مكافحة الاستعمار الجديد وطبق سياسات ثورية فى مجالات مكافحة الفساد، والإصلاح الزراعى، وتحسين جودة التعليم، وتمكين المرأة.

وقد رصد هذا الفريق الأخير زيادة الاستثمارات الأجنبية فى مجال التعدين وصادرات البلاد من الذهب خلال العقد الأخير، دون أن يوازى هذه الزيادة تحسن فى مستوى المعيشة والخدمات. ففى حين وصل معدل النمو، وفقا لتقديرات بنك التنمية الأفريقى، إلى 9% عام 2012، ظلت بوركينافاسو من أسوأ عشر دول فى معدل التنمية البشرية. وقد كان ذلك دافعا لاحتجاجات وإضرابات شاركت فيها الحركات العمالية والطلابية.

ففى عام 2008 شهدت البلاد مظاهرات احتجاجا على غلاء المعيشة. وفى فبراير 2011، تحولت المظاهرات التى بدأت بعد مقتل طالب احتجزته قوات الشرطة من تظاهرات استهدفت أقسام الشرطة والمعتقلات إلى حركة ضد سياسات النظام التى أدت إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة. هذا إلى جانب إضرابات بعض عمال المناجم فى فترات متفاوتة خلال العامين الماضيين. لم تكن أحداث الثلاثين من أكتوبر، إذن، سوى حلقة فى سلسلة الحراك الشعبى ضد سياسات نظام «كومباورى» ومؤسساته.

•••

ورغم نجاح هذا الحراك فى الإطاحة بالرئيس، يبدو أن ملامح وسياسات نظام ما بعد «كومباورى» لن تحددها ميادين الثورة، ولكن سترتبها موائد السياسة. فبعد أن تولى الجيش السلطة، وتحت ضغط من الاتحاد الأفريقى وبعض الحكومات الغربية، تجرى مشاورات بين المؤسسة العسكرية، وأحزاب المعارضة، والقيادات التقليدية للاتفاق على تسليم السلطة الانتقالية إلى حكومة مدنية تهيأ البلاد لإجراء انتخابات خلال عام. وبفرض تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، ليس من المتوقع أن يغيب الجيش، الذى ظل مهيمنا على السياسة فى البلاد منذ ما يقارب خمسة عقود، عن الترتيبات السياسية قبل وبعد انتخاب الرئيس الجديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغلغل الشركات الأجنبية فى الاقتصاد البوركينى سيخلق ضغوطا لعودة «الاستقرار» إلى البلاد بشكل يسمح باستمرار نشاط هذه الشركات التى استثمرت ملايين الدولارات بحثا عن ثروات جديدة. وكانت بعض هذه الشركات، وعلى رأسها شركات «أوريزون» الكندية، قد أعلنت تعليق نشاطها إلى حين استقرار الأوضاع السياسية. وقد تدعو تلك الأوضاع إلى البحث من جديد عن «رجل قوى» يحظى بتأييد أجهزة الدولة القائمة ولا يهدد مصالح مراكز القوة السياسية والاقتصادية التى تشكلت فى عهد «كومباورى». وفى كل الأحوال لن يستطيع الرئيس القادم، سواء أتى من خلفية مدنية أو عسكرية أو مثل النظام السابق أو المعارضة، أن يتجاهل هذه المصالح.

•••

تفرض هذه المعطيات أن ننظر إلى التحولات فى المشهد البوركينى، وغيره من مشاهد الاحتجاج التى تصاعدت فى عدد من العواصم الأفريقية فى السنوات الثلاث الماضية، بكثير من الحذر. فقد خلقت انتفاضات الميادين واقعا دعا القادة الأفارقة إلى أن يدركوا رغما عنهم ما تظاهروا بعدم فهمه لسنوات، وهو أن بقائهم فى السلطة إلى الأبد لم يعد مضمونا ولا مرغوبا. ولكن هذه الانتفاضات، التى لا تستند فى الغالب إلى قوة منظمة تحمل مشروعا بديلا متكاملا يستطيع التعامل مع مراكز القوة السياسية والاقتصادية السائدة منذ عقود، لا تضمن التغيير فى السياسات بما يضمن تحقيق مطالب هذه الثورات. وبذلك يصبح التغيير المنشود، والذى قدمت الشعوب الأفريقية الثائرة تضحيات لتحقيقه، مفقودا حتى تجد أصوات ميادين الثورة صداها على موائد السياسة.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات