جولة نتنياهو الأفريقية: كيف ساهم العرب فى إحياء علاقات الكيان الصهيونى بالقارة؟ - راوية توفيق - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة نتنياهو الأفريقية: كيف ساهم العرب فى إحياء علاقات الكيان الصهيونى بالقارة؟

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:30 م
«علاقات إسرائيل بجيرانها العرب اليوم أفضل من أى وقت مضى... فلماذا ندعى نحن فى القارة الأفريقية أننا نعرف أفضل من دول المنطقة». تلخص هذه العبارة التى جاءت على لسان الرئيس الكينى «أوهورو كينياتا» خلال المؤتمر الصحفى الذى جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» خلال زيارة الأخير لبعض دول شرق أفريقيا رؤية كثير من دول القارة الأفريقية لعلاقتها بإسرائيل. اتخذت وسائل الإعلام المصرية والعربية من زيارة «نتنياهو»، والتى تعد الأولى من نوعها على هذا المستوى بعد أكثر من عقدين، دليلا على المؤامرة التى تحاك بالدول العربية وبمصر بصفة خاصة، والتى تستهدف أمنها القومى، والمائى على وجه الخصوص. تناست كثير من هذه المصادر أن المستوى غير المسبوق الذى وصلت إليه العلاقات الإسرائيلية ــ الأفريقية هو فى أحد أبعاده نتيجة طبيعية لسياسات القوى الإقليمية العربية فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى العقود الثلاثة الماضية وللترتيبات الإقليمية الجديدة التى تجمع إسرائيل بهذه القوى.

***

تأثرت علاقات إسرائيل بدول القارة تاريخيا بمسيرة العلاقات العربية ــ الأفريقية. كانت معظم الدول الأفريقية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل إبان حرب أكتوبر عام 1973 تضامنا مع الموقف العربى. اعتبرت الدولة اليهودية وقتها أن هذا الموقف خيانة لإسرائيل التى كانت قد قدمت الدعم الفنى للعديد من مشروعات التنمية فى الدول الأفريقية حديثة العهد بالاستقلال. وقد زاد التعاون العسكرى بين الكيان الصهيونى ونظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا من حدة التوتر فى العلاقات الإسرائيلية ــ الأفريقية. وفى المقابل، نشطت الدبلوماسية العربية فى أفريقيا سياسيا بدعم استكمال مسيرة التحرر من الاستعمار والتفرقة العنصرية واقتصاديا عن طريق الصناديق العربية للتنمية فى أفريقيا.

بعد طرح مصر لمبادرة السلام مع إسرائيل لم يعد لدى العديد من دول القارة مبررا لاستمرار مقاطعتها الدبلوماسية لإسرائيل. استأنفت الدول الأفريقية علاقتها بالكيان الصهيونى تباعا فيما عرف بالعودة الثانية لإسرائيل للقارة الأفريقية، ولكن ظل شبح المقاطعة الأفريقية لإسرائيل والموقف الإسرائيلى من نظام الفصل العنصرى يخيم على العلاقات على النحو الذى دفع بالسياسة والباحثة الإسرائيلية المتخصصة فى الشئون الأفريقية «ناعومى شازان» إلى انتقاد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التى لم تستطع التخلص من هذه التركة التاريخية لتعيد تعريف العلاقات الإسرائيلية ــ الأفريقية على أسس جديدة، تاركة مسار هذه العلاقات لتتحكم فيه مصالح خاصة من تجار إسرائيليين يتربحون من التجارة غير الشرعية مع دول القارة فى الألماس والسلاح، أو منظمات غير حكومية تعمل دون تنسيق مع الحكومة.

***

تأتى زيارة «نتنياهو» للقارة لتمثل عودة ثالثة للقارة الأفريقية، وتحمل ملامح للاستمرارية والتغير فى علاقات إسرائيل بدول القارة. فلاشك أن كثيرا من الأهداف الإسرائيلية من هذه العلاقات لم تتغير، ويأتى على رأسها كسب الموقف الدبلوماسى الأفريقى فى المحافل الدولية، والتواجد فى المناطق الإستراتيجية المهمة فى القارة والمؤثرة على المصالح المصرية والعربية. كما تستمر بعض مجالات التعاون الثنائى، وعلى رأسها الاستفادة الأفريقية من خبرة إسرائيل فى مجالات الزراعة والمياه، والتى استحوذت على كثير من الاتفاقيات التى وقعها «نتنياهو» مع الدول التى شملتها الزيارة. ولكن العودة الثالثة تأتى فى سياق إقليمى جديد ساهمت القوى الإقليمية العربية فى تشكيله، وساهم فى إحياء التقارب الأفريقى مع إسرائيل على النحو الذى عبر عنه «كينياتا».

فقد أصبحت إسرائيل الدولة التى تبحث مصر معها عن سلام «أكثر دفئا»، وتعلن المملكة العربية السعودية التزامها معها بما التزمت به مصر بشأن جزيرتى تيران وصنافير على نحو اعتبره بعض المراقبين توسيعا لاتفاقية كامب ديفيد، ويطرح التطبيع معها على أجندة الحزب الحاكم فى السودان.

ذات السياق الإقليمى الذى ساهمت هذه القوى فى تشكيله سمح لدولة احتلال كإسرائيل أن تقدم نفسها لدول أفريقيا بصفة عامة، وشرق أفريقيا على وجه الخصوص، باعتبارها الداعم لهذه الدول فى «مكافحة الإرهاب». ولإسرائيل تاريخ طويل فى التعاون الأمنى مع دول المنطقة. وقد أشار الرئيس «كينياتا» إلى الدعم الذى تقدمه إسرائيل لبلاده فى هذا المجال، سواء فى الاستخبارات، أو التدريب، أو مدها بأحدث التقنيات والمعدات العسكرية. وبالإضافة إلى هذا المستوى الثنائى، تطرح إسرائيل التعاون على المستوى الاقليمى. فقد استضافت أوغندا قمة إقليمية خلال زيارة «نتنياهو» لها جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلى بقادة سبع دول هى إثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، وزامبيا، بالإضافة إلى وزير خارجية تنزانيا. وقد تعهد المشاركون فى بيان القمة بدعم التعاون فى مجال «مكافحة الإرهاب» بتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب على أحدث التقنيات.

وقد استدعى «نتنياهو» عملية عنتيبى التى تعاونت فيها بعض دول المنطقة، وعلى رأسها كينيا، لتحرير رهائن إسرائيليين فى أوغندا، والتى أحيا رئيس الوزراء الإسرائيلى ذكراها الأربعين أثناء زيارته، للتدليل على إمكانات نجاح التعاون الإسرائيلى ــ الأفريقى فى ما أسماه ﺑ «مكافحة الإرهاب». فى هذا الإطار، وفى ظل مجابهة العديد من دول الشرق الأفريقى لخطر العنف المسلح، كان من الطبيعى أن تسقط مسألة ضرورة التمييز بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال من حسابات هذه الدول، ولا تجد لها ذكرا فى خطابهم.

***

تدشن زيارة «نتنياهو» لمرحلة جديدة للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية تسعى فيها إسرائيل لمزيد من التأييد الدبلوماسى من أفريقيا فى المحافل الدولية والإقليمية، بما فى ذلك تأييد عودة إسرائيل لشغل مقعد العضو المراقب فى الاتحاد الأفريقى، ومزيد من التواجد الاقتصادى الإسرائيلى فى قارة الفرص، فى مقابل مزيد من الدعم الفنى والاستخباراتى الإسرائيلى لأفريقيا. ولكن مصدر الإزعاج الحقيقى ليس فى التنامى المتوقع لهذه العلاقات، ولكن فى مسئوليتنا عنه. فهل يتحمل العرب مسئوليتهم أم يستمرون فى إدمان دور ضحية المؤامرات الخارجية؟
راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات