التنمية فى غياب الديمقراطية: هل تخسر إثيوبيا الرهان؟ - راوية توفيق - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنمية فى غياب الديمقراطية: هل تخسر إثيوبيا الرهان؟

نشر فى : الأربعاء 16 ديسمبر 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 ديسمبر 2015 - 8:55 ص

بعيدا عن مفاوضات مصر المتعثرة مع إثيوبيا حول سد النهضة، تمر الدولة الصاعدة فى القرن الأفريقى بتطورات جديرة بالرصد والتحليل ليس فقط لكونها الدولة الأهم لأمن مصر المائى، ولكن لما تلقيه هذه التطورات من ظلال على الصعود الاقتصادى المصطنع لبعض دول القارة الأفريقية، وما يرتبط به من خطط تنموية، ودلالاته وانعكاساته السياسية والاجتماعية. فقد شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية عدة مظاهرات فى مناطق متفرقة من ولاية «أوروميا»، أحد ولايات إثيوبيا التسع، ضد خطة الحكومة لتوسيع نطاق العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتضم مناطق جديدة تابعة للولاية.

لم تكن تلك هى الموجة الأولى من المظاهرات ضد هذه الخطة حيث شهد العام الماضى احتجاجات مماثلة قتل على إثرها عدد من طلاب الجامعات الذين أشعلوا هذه الاحتجاجات قبل أن ينضم إليهم مئات من قطاعات مختلفة. أبدى المحتجون خلال هذه الموجة تخوفهم من تمدد العاصمة، وتهجير الفلاحين المنتمين إلى جماعة الأورومو الإثنية من أراضيهم. وتجددت احتجاجاتهم خلال الأسابيع القليلة الماضية رافعين مطالب تضمنت الاعتراف بلغتهم كلغة رسمية للولاية، وتحسين الإدارة على المستوى المحلى.

تشير هذه الاحتجاجات من ناحية إلى استمرار مشكلة استيعاب القوميات المختلفة فى الدولة الاثيوبية، وخاصة قومية الأورومو المهمشة تاريخيا، رغم الصيغة الفيدرالية التى تبناها دستور عام 1994، بل ونصه على حق القوميات فى تقرير مصيرها. ومن الناحية الاقتصادية والتنموية، فإن هذه المظاهرات تحمل الكثير من الدلالات. فقد تمكنت إثيوبيا بقيادة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية من تحقيق طفرة اقتصادية خلال العقد الماضى.

ارتفع معدل النمو الاقتصادى إلى نحو 10% سنويا لتحتل إثيوبيا مكانا بين الاقتصاديات الأسرع نموا فى العالم. كما أحرزت إثيوبيا تقدما فى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، فاستطاعت تخفيض نسبة من يعيشون تحت خط الفقر بنحو 50%، وتزايد عدد الملتحقين بالتعليم الأساسى أربع أمثال.

قامت كل هذه الإنجازات على رؤية اقتصادية واضحة هدفها الوصول بإثيوبيا إلى مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2020، وزيادة معدل تكاملها الاقتصادى مع جيرانها، وتطوير دورها كمركز إقليمى لتصدير الطاقة. كما استندت إلى نموذج للتنمية دافع عنه رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى يقوم على دور محورى للدولة فى الاستثمار فى مجال البنية التحتية وتوفير الخدمات، مع الاستعانة فى بعض القطاعات بالاستثمارات الأجنبية، وهو ما تجلى فى الدعم الصينى لمشروع السكك الحديدية لربط الولايات الإثيوبية، والاستثمارات الخليجية والآسيوية فى المشروعات الزراعية.

***

راهنت إثيوبيا بهذه الخطط الإنمائية الطموحة على أن التحسن التدريجى لمستوى معيشة معظم الإثيوبيين، والتفافهم حول المشروعات القومية العملاقة بغض النظر عن رشادتها الاقتصادية، على نحو ما بدا واضحا فى مشروع سد النهضة، كفيلان بمنع احتجاجات ترفع مطالب سياسية واقتصادية على غرار تلك التى شهدتها البلاد بعد الانتخابات العامة عام 2005. بذل نظام الجبهة الثورية جهدا منظما لتضييق المجال السياسى، باستخدام أدواته الأمنية والاستخباراتية لتجحيم دور المعارضة، واعتقال الناشطين السياسيين، واستهداف الإعلام المستقل، وحصر دور المجتمع المدنى فى تقديم الخدمات. وبالتوازى، عملت الجبهة على توسيع عضويتها ليصبح واحدا من كل خمسة مواطنين على الأقل عضوا فيها ليصل عدد أعضائها عام 2010 إلى خمسة ملايين مواطن.

كانت حصيلة هذه السياسات تأميم كامل للسياسة، حتى إن المعارضة لم تحصل ولو على مقعد واحد فى الانتخابات العامة التى جرت فى مايو الماضى. وفى الوقت نفسه، دعمت الدول المانحة النظام الإثيوبى، حليفها فى الحرب على الإرهاب فى القرن الأفريقى. لم يكن غريبا أن يختار الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» إثيوبيا كمحطة رئيسية فى جولته الإفريقية الأخيرة قبل نحو أربعة أشهر، ولم تكن انتقاداته الباهتة للتضييق على حرية التعبير واعتقال الصحفيين مرضية للكثيرين من الناشطين الحقوقيين.

فى مواجهة نظام يعتمد على خطاب تنموى يستند إلى جاذبية المشروعات الكبرى لدعم شرعيته، وإلى أداة أمنية لا تترك مجالا للمعارضة، وإلى قوى دولية وصاعدة تدعمه سياسيا واقتصاديا، تبرز الأهمية الرمزية لاحتجاجات الأورومو وغيرها من الاحتجاجات التى تظهر بين الحين والآخر. تلك الاحتجاجات، وإن ظل نطاقها محدودا ومطالبها إقليمية، فإنها تحاول نزع الشرعية عن خطاب النظام ونموذجه التنموى.

تشكك هذه الاحتجاجات فى جدوى مشروعات تنموية تفرضها الدولة دون نقاش عام ومشاركة شعبية لتنمى البنية التحتية على حساب التنمية الإنسانية، وتدلل على فراغ الشعارات الوطنية فى ظل نظام لا يحترم قيم الديمقراطية والتعددية، وتثير التساؤل حول مدى استدامة الاستقرار السياسى فى ظل نظم قمعية حتى لو أحرزت هذه النظم بعض الإنجازات الاقتصادية. باختصار فإن هذه الاحتجاجات تتحدى الرهان على النجاح فى تحقيق النمو الاقتصادى والاستقرار السياسى فى ظل غياب الديمقراطية، فهل يخسر النظام الإثيوبى الرهان؟

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات