إعلان مبادئ سد النهضة ودبلوماسية إدارة الخسائر - راوية توفيق - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلان مبادئ سد النهضة ودبلوماسية إدارة الخسائر

نشر فى : الخميس 26 مارس 2015 - 10:40 ص | آخر تحديث : الخميس 26 مارس 2015 - 10:40 ص

تفاوتت ردود الأفعال حول إعلان المبادئ الذى وقعته دول حوض النيل الشرقى الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) فى الثالث والعشرين من مارس الحالى حول سد النهضة والتعاون فى حوض النيل. اعتبر البعض أن الإعلان حل وسط يخرج مصر من إحدى الأزمات التى عصفت بها فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأنه يسد الثغرات القائمة فى المسار الفنى دون المساس بالحقوق المصرية التاريخية التى لم يتناولها الإعلان، وأنه يعبر عن حكمة القيادة وحسن إدارة ملف العلاقة مع دول حوض النيل لبناء الثقة وتحقيق المنافع المشتركة على المدى الطويل. وعلى الجانب الآخر، رأى بعض المتخصصين أن الإعلان يهدر حقوق مصر التاريخية والمكتسبة فى مياه النيل التى لم تعترف بها إثيوبيا بموجب الإعلان، ولم يجبر إثيوبيا على تقديم أية تنازلات فيما يتعلق بالمواصفات الفنية للسد، وخاصة سعته التخزينية.
ومن وجهة نظرى فإن تقييم الإعلان يجب أن يأخذ فى الحسبان عدة اعتبارات؛ أولها أن الوثيقة مجرد إعلان مبادئ وليست اتفاقا فنيا، وأنه يأتى فى مرحلة لم يتم الانتهاء فيها من الدراسات المتعلقة بالسد، والتى أوصت لجنة الخبراء الدولية فى تقريرها الذى رفعته لحكومات الدول الثلاث فى مايو 2013 بإجرائها. ومن ثم فلم يكن من المتوقع أن يتضمن الإعلان تفاصيل حول كيفية ملء خزان السد، أو التعويض عن الضرر حال حدوثه. ولا شك أن استمرار إثيوبيا فى بناء السد ورفضها لكل محاولات وقف البناء لحين استكمال الدراسات قد أجبر مصر على التفاوض على الأمور الخاصة بإدارة السد وتجاوز الحديث عن المواصفات الفنية.
ثانيا: إن موازين القوى مختلة بشكل واضح لصالح إثيوبيا. فلأول مرة تجتمع لإثيوبيا القوة الجغرافية التى يضمنها لها موقعها كدولة منبع تتحكم فى أكثر من 85% من مياه النيل النابعة من الهضبة الإثيوبية، والقوة السياسية والاقتصادية التى طورتها إثيوبيا خلال العقد الماضى بتعزيز دورها الإقليمى فى منطقة القرن الأفريقى، وبتحقيق معدلات نمو تجاوزت الـ10% منذ عام 2004، وبنسج علاقات قوية مع القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين لدعم هذا النمو. فقد تمكنت إثيوبيا خلال العقد الماضى من بلورة رؤية حول استغلال نهر النيل لأغراض إنتاج الطاقة والرى، وشرعت بالفعل فى بناء عدة سدود، بعضها بتمويل صينى، من أبرزها سد تيكيزى.

•••

ثالثا: إن إثيوبيا لم تكن لتقبل بأى إعلان يعترف بالاتفاقيات السابقة وبحقوق مصر التاريخية بموجبها. فقد اعتبرت الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة منذ خمسينيات القرن الماضى أن هذه الاتفاقيات، خاصة اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل التى وقعتها مصر والسودان عام 1959، إهانة لكرامتها الوطنية، حيث لم يتم ولو حتى استشارة الدولة التى تزود النيل بمعظم مياهه عند التوقيع على هذه الاتفاقية. أما اتفاقية عام 1902 التى وقعها مينيليك الثانى مع بريطانيا، فطالما تحججت الأنظمة المتتالية بأن الغرض الأساسى للاتفاقية كان ترسيم الحدود بين إثيوبيا والمستعمرات البريطانية فى شرق أفريقيا، وأن الاتفاقية لم تتضمن سوى التزام بعدم القيام بمشروعات توقف تدفق المياه إلى دول المصب. كانت إثيوبيا تتطلع منذ عقود إلى اتفاقية جديدة تحل محل هذه الاتفاقيات وتنتزع من مصر اعترافا بتغير الأوضاع فى حوض النيل، ومكنها التغير فى موازين القوة من تحقيق ذلك.
فى ضوء هذه الاعتبارات فإن الإعلان يعتبر محصلة واقعية للتغيرات فى حوض النيل خلال العقد الماضى. وعليه فمن الطبيعى أن تكون المكاسب الإثيوبية المتحققة من الإعلان أكبر من المكاسب المصرية. فقد تحقق لإثيوبيا الحلم الذى تطلعت إليه منذ عقود، وهو الموافقة المصرية على بناء سد ضخم لاستغلال مياه النيل، ولم تقدم إثيوبيا أية تنازلات فيما يتعلق بسعة السد وحجمه الذى اعتبره بعض الخبراء، ومنهم الخبير الإثيوبى أسفاو بيينى، مدير مركز الطاقة المتجددة بجامعة سان دييجو، أنه غير مبرر فنيا وغير رشيد اقتصاديا. ولم يخل الإعلان من بعض العبارات الفضفاضة التى قد يستغلها الطرف الإثيوبى فى المستقبل، ومنها أن الغرض من السد ليس فقط توليد الطاقة وإنما «التنمية الاقتصادية»، وهو ما يسمح باستغلال السد لأغراض أخرى، وأن التعويض عن الضرر فى حالة حدوثه ستتم مناقشته «كلما كان ذلك ممكنا».
وفى المقابل تحقق لمصر بعض المكاسب. فقد نص الإعلان على اتفاق الدول الثلاث على الخطوط الاسترشادية لملء وتشغيل السد، وبذلك تكون إثيوبيا قد تخلت جزئيا عن موقفها السابق برفض التدخل المصرى فى إدارة السد، وهو رفض كان قد عبر عنه صراحة المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتى حين طرح وزير الخارجية المصرى السابق نبيل فهمى مشاركة مصر فى تمويل السد فى مقابل المشاركة فى الإدارة. كما تضمن الإعلان التنسيق فى تشغيل سد النهضة مع سدود دول المصب، وهو أمر مهم لضبط أثر سد النهضة على السد العالى والسدود السودانية، وحدد الإعلان إطارا زمنيا للانتهاء من الدراسات والاتفاق على قواعد الملء والتشغيل السنوى، وذلك فى محاولة لتحجيم المماطلة الإثيوبية فى تنفيذ هذه الخطوات.

•••

الإعلان إذن هو محاولة لتحجيم الخسائر التى ستتحقق من تنفيذ إثيوبيا لهذا السد الذى فرضته كأمر واقع وأجبرت مصر على التفاوض عليه والتنازل بشأنه. هذه الخسائر التى سيتحملها هذا الجيل والأجيال القادمة نتيجة لسياسات نظام مبارك الذى عمد إلى تأجيل المشكلات مع دول حوض النيل بدلا من مواجهتها، وتغافل عن ناقوس الخطر الذى كان يدقه النابهون من أبناء الدبلوماسية المصرية، وعلى رأسهم الدكتور بطرس بطرس غالى، الذى طالما حذر من خطر إهمال مصر لعلاقاتها الأفريقية، وتنبأ بصراع قادم على المياه. هى إذن أحد أعباء تركة مبارك وسنتحملها شئنا أم أبينا.

مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات