القمة الأمريگية ـ الأفريقية: بشرة خير للجيل القادم؟ - راوية توفيق - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القمة الأمريگية ـ الأفريقية: بشرة خير للجيل القادم؟

نشر فى : السبت 9 أغسطس 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : السبت 9 أغسطس 2014 - 7:55 ص

«الاستثمار فى الجيل القادم» هو شعار القمة الأمريكية ـ الأفريقية الأولى التى عقدت فى الفترة من الرابع وحتى السادس من الشهر الجارى بحضور رؤساء دول وحكومات نحو خمسين دولة أفريقية. ولكن هل تحقق السياسة الأمريكية وأولوياتها كما انعكست فى أجندة القمة استثمارا أفضل فى الجيل الجديد فى القارة؟

يبدو من أجندة القمة أن الملف الاقتصادى، وتحديدا زيادة الاستثمارات الأمريكية فى أفريقيا، هو عنوان السياسة الأمريكية فى أفريقيا فى الفترة القادمة. وقد عبر عن ذلك بوضوح الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى كلمته الافتتاحية لمنتدى الأعمال الأمريكى-الأفريقى، وهو الفاعلية الأهم فى فعاليات القمة، حيث أشار إلى أفريقيا باعتبارها قارة الفرص التى تضم عددا من أسرع الاقتصاديات نموا فى العالم، ويتزايد بها حجم الطبقة الوسطى، وتجتذب استثمارات مباشرة من الاقتصاديات الصاعدة. وقد بات واضحا أن الولايات المتحدة تسعى من خلال استحداث آلية القمة أن تلحق بالقوى الصناعية الأخرى التى ضاعفت حجم تجارتها واستثماراتها فى القارة الأفريقية، وعلى رأسها الصين التى وصل حجم تجارتها مع أفريقيا العام الماضى إلى أكثر من مائتى مليار دولار، أى ما يعادل أكثر من ثلاثة أمثال التجارة الأمريكية مع القارة.

لذلك كان الحدث الأبرز فى القمة إعلان أوباما عن استثمارات أمريكية جديدة فى القارة بقيمة 14 مليار دولار فى مجالات الطاقة والبناء والنقل والقطاع المصرفى، هذا بالإضافة لتخصيص 7 مليارات دولار لدعم الصادرات الأمريكية لأفريقيا، والتى لا يتعدى حجمها حاليا.51% من إجمالى الصادرات الأمريكية. كما أعلن الرئيس الأمريكى عن دعم إدارته لتجديد وتوسيع نطاق قانون الفرص والنمو الأفريقى (أجوا)، الذى يسمح بدخول بعض السلع الأفريقية إلى الأسواق الأمريكية معفاة من الضرائب ولمبادرة دعم الطاقة فى أفريقيا، والتى أطلقها أوباما الصيف الماضى لمضاعفة إنتاج الطاقة فى بعض الدول الأفريقية. وتبدأ المبادرة بست دول أفريقية، ثلاث منها من دول حوض النيل وهى إثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، بالإضافة إلى غانا وليبيريا ونيجيريا فى الغرب الأفريقى.

•••

وإن كان يمكن للمليارات الأمريكية التى ستتدفق إلى أفريقيا أن تعزز النمو الاقتصادى فى القارة وتعزز فرص الشركات الأمريكية فى ظل المنافسة الشرسة مع الدول الأخرى، فإن ذلك قد لا يترجم بالضرورة إلى حياة أفضل للشعوب الأفريقية بصفة عامة، وللجيل الجديد الذى تتغنى الإدارة الامريكية بالاستثمار فيه بصفة خاصة. فقد كشف تقرير صدر الشهر الماضى عكف على إعداده عدد من منظمات المجتمع المدنى فى أفريقيا والمملكة المتحدة أنه فى الوقت الذى تستقبل فيه أفريقيا سنويا حوالى 134 مليار دولار فى شكل مساعدات وقروض واستثمارات أجنبية مباشرة، فإن حوالى 192 مليار دولار يتم تحويلها خارج القارة. وتشمل هذه التحويلات ما يزيد على 35 مليار دولار أموالا مهربة (سواء أموال منهوبة يهربها مسئولون أفارقة من صفقات فاسدة أو ضرائب يتهرب من دفعها الشركات الأجنبية العاملة فى القارة) وما يزيد على 46 مليار دولار فى شكل أرباح للشركات الدولية. ويعنى ذلك أن المدخل إلى تنمية أفريقيا والاستثمار فى الجيل القادم هو تحقيق استغلال أفضل للموارد الأفريقية التى تتحول معظم عوائدها إلى خارج القارة بوضع قواعد جديدة للاستثمارات الأجنبية والتصدى للفساد. وقد تناولت القمة قضايا الحكم والفساد على استحياء حيث خصصت لها جلسة أخيرة وضعت هذه القضايا فى إطار تهيئة مناخ جيد للاستثمار بدعم حكم القانون والشفافية. وحتى موضوعات الأمن والاستقرار فقد تراجعت إلى المرتبة الثانية على أجندة القمة رغم تصاعد دور جماعات العنف المسلح التى تتخذ من فساد الحكومات وسوء الإدارة وهشاشة الدولة فى بعض الأحيان أساسا لتكوين قواعدها واستقطاب مؤيديها.

•••

كذلك لم تحظ قضايا الحريات وحقوق الإنسان إلا بإشارات عابرة فى لقاء وزير الخارجية الأمريكى مع المجتمع المدنى فى اليوم الأول للمؤتمر ثم فى إطار الحديث عن قضايا الحكم. ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد فضلت ألا تثير حفيظة الضيوف الأفارقة بطرح هذه المسائل الشائكة. وعلى خلاف مبادرات ومشروعات أمريكية سابقة، وعلى رأسها قانون الفرص والنمو الأفريقى، لا يبدو أن المبادرات الاقتصادية الجديدة المطروحة مشروطة، ولو حتى نظريا، بأى شروط سياسية. وكانت مجموعة من المؤسسات الحقوقية الغربية والأفريقية قد بادرت بإرسال خطاب مفتوح للرئيس الأمريكى والرؤساء الأفارقة بوضع قضايا حقوق الإنسان على أجندة أعمال القمة فى ظل ما رصدته هذه المنظمات من انحسار للمجال العام واستهداف لمؤسسات المجتمع المدنى وقمع للتظاهرات السلمية فى دول مثل مصر والسودان وأوغندا وإثيوبيا وأنجولا وموزمبيق. ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية قد أدركت أنها إذا أرادت أن تنافس الصين فى سباقها على اغتنام فرص الاستثمار فى القارة، فإن عليها أن تحذو حذوها فى غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان فى الدول الأفريقية، وأن تتجاهل تطلع الجيل الجديد لمزيد من الحريات.

تجلب القمة الأمريكية-الأفريقية الأولى أخبارا جيدة للشركات الكبرى فى الولايات المتحدة وفى القارة الأفريقية وتبشر بثروات جديدة يصنعها رجال المال والأعمال فى قارة الفرص، ولكنها لا تحمل بالضرورة بشرة خير للجيل القادم الذى جعلت الإدارة الأمريكية الاستثمار فيه شعارا للقمة.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات