حلم الجزيرة - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلم الجزيرة

نشر فى : الأحد 21 سبتمبر 2014 - 7:45 ص | آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2014 - 7:45 ص

مواطن مستلقيا على ظهره فى جزيرة، و قد وضع ساقا على ساق، وصوابع قدميه ترقص فرحا... يشبه فؤاد المهندس كثيرا. هذا هو قمة الاسترخاء بالنسبة لى.

يقال إن من رأى جزيرة فى المنام، فذلك يدل على تغير فى أمور الدنيا، وهو ما يتمناه كثيرون، خاصة ضمن الشباب الذى بدأ يطرح مؤخرا على صفحات الفيسبوك إمكانية تحقيق حلم الحياة على جزيرة لم يسكنها بشر قبلهم، ضمن قلة مختارة من المعارف والأصدقاء. كنا نتبادل الفكرة نفسها على سبيل المزاح فى دوائر أضيق، وإذا بها تنتشر من حوالى أسبوعين على نطاق أوسع، وتلاقى استحسانا، فيقترح البعض جزرا غير مأهولة بالقرب من نيوزيلندا أو استراليا أو الفلبين، ويبعثون بالصور التى تغرى بطبيعة خلابة وعيش فى راحة بال، يبشر بهما من سيستقلون «سفينة نوح» الحديثة، بمجرد أن يساهموا فى شراء الجزيرة التى عليها القصد والنية.

•••

رغبة واضحة إذاً فى العزلة وفى إجراء قطيعة مع المجتمع القائم الذى يشعرون فيه بالرفض والإقصاء، حتى لو حقق بعضهم ما يرنو إليه من دخل مادى.. لأن الحرية لا تقدر بمال، والسعادة لا تكتمل بدونها. وهو ما دفع آخرين حول العالم إلى البحث عن تجارب مختلفة، يسيرون فيها على نهج روبنسون كروزو، مدركين أنهم يعيشون فى القرن الواحد والعشرين. بل حاول بعضهم الإفادة من التطور التكنولوجى ليواصل عمله بسهولة على مدار ثمانى ساعات يوميا، من خلال الإنترنت والكهرباء المستمدة من الطاقة الشمسية، على الجزيرة التى قرر العيش بها، لمدة أربعين يوما. فعلها جوتيه تولمند (54 سنة) رئيس شركة تمتلك عدة صحف متخصصة، عندما قرر ممارسة مهامه اليومية من على جزيرة نائية فى إندونيسيا، ليبرهن على أن هناك أشغالا لا تحتاج إلى التواجد بشكل دورى فى المكتب، وعلى أنه فى حاجة ماسة أيضا لتخليص نفسه من سموم المدينة، بعيدا عن اللهاث. هناك حالات أخرى مماثلة تناولها الإعلام الغربى ووجد فيها مادة صحفية شيقة، هكذا عرفنا تفاصيل حكاية السيد ناجازاكى الذى تجاوز الخامسة والسبعين ويعيش منذ عشرين عاما، وحيدا، على جزيرة فى اليابان، بعد أن خسر ملايينه فى البورصة. يمشى عاريا كما ولدته أمه على الشاطئ، دون ندم أو حنين للماضى أو خليل.

•••

البعض يختار العزلة، يختار الحرية والمغامرة واعتماد الاكتفاء الذاتى، بعيدا عن التلوث والتدجين وثقافة الاستهلاك.. يزرع ويحصد ويتآلف مع الطبيعة.. ليثبت أن هنالك دوما حيوات مختلفة وممكنة، حتى لو فى أبعد بقاع العالم. لكن فى حالات أخرى تكون العزلة والوحدة شعورا اضطراريا.. وهو ما دفع بعض الشباب المصرى إلى الهجرة غير الشرعية، فى الطبقات الأفقر، وبعض آخر إلى التفكير فى حلم الجزيرة النائية التى قد يعمرها على طريقته.. مجتمع مصغر يضعون لبناته، دون تخوين أو ترهيب أو وصاية، بعد أن يدفعوا ثمنه من مدخراتهم.

التواجد على جزيرة فى وسط البحر أو المحيط هو وضع مثالى للقطيعة مع ما لم يعد يعنينا، لكن أيضا المياه من كل جانب تجعل الوصل ممكنا والأمل ممدودا فى تربيط مجموعة جزر جديدة لم تختبر بعد. الأمر يغرى بالحلم... وانترنت سهل مهمة الفرار أو «الهروب الآمن»، فهناك مثلا موقع للإعلان عن بيع جزر حول العالم بأسعار تبدأ من 22 ألف يورو: يكفى إذاً التوجه إلى (www.privateislandsonline.com) للبحث عن مأوى لم تطأه قدم، ثم بعدها مخاطبة الأصدقاء والمهتمين من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، فيكتمل العدد وتبدأ المغامرة.

•••

ولكن خلال مهمة البحث عن جزيرة يفضل تجنب أماكن بعينها مثل «كيمادا جراندى» بالقرب من ساو باولو والتى تعرف بجزيرة الثعابين البرازيلية، فهى تضم من واحد إلى خمسة ثعابين سامة فى الكيلومتر المربع، ولا يدخلها سوى العلماء والمتخصصون لإجراء الأبحاث اللازمة. لدغة الزواحف هناك كفيلة بإذابة اللحم فى موضع الإصابة. أما جزيرة «جوزوميك ميلكو» فى المكسيك فقد سميت أيضا بجزيرة الدمى منذ أن سكنها جوليان سنتانا فى خمسينيات القرن الفائت. أراد هذا الأخير أن يخلد ذكرى فتاة صغيرة وجدها غريقة فى جدول المياه، فأخذ يجمع الدمى ويعلقها على أشجار الجزيرة، حتى صار المشهد سورياليا: عيون العرائس الصغيرة تتابعك أينما ذهبت ويشيع البعض أنها تتحرك ليلا! وبعد أن وجدت جثة جوليان غريقا عام 2001، لا تزال الدمى تحملق فى الزوار، وقد أهلكتها شمس المكسيك.

مكان آخر تسكنه الأشباح وتحدد مصيره شخصيات من الماضي، لذا أظن كفانا أشباحا، وعند البحث يفضل أيضا تجنب جزيرة «بوفيليا» فى فينيسيا التى حرقت فيها جثث المصابين بالطاعون فى القرن الرابع عشر والسابع عشر والتاسع عشر... أكثر من 160 ألف شخص توفاهم الله على هذه الجزيرة التى لا تتعدى مساحتها 9 هكتار، ومن بعدها تحولت إلى مصحة عقلية فى العشرينيات، وقيل إن أحد الأطباء كان يطبق تجاربه على المرضى ثم يلقى بهم من أعلى برج الجرس الخاص بالمشفى الذى تم إغلاقه فى الستينيات. الصيادون يبتعدون عن الجزيرة لدى مرورهم فى الجوار، فهم يسمعون أحيانا صوت الجرس ليلا، رغم أنه لم يعد هناك جرس من فترة طويلة.

التعليقات