نهى الإسلام عن الغلو - نادر بكار - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نهى الإسلام عن الغلو

نشر فى : الثلاثاء 23 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 أبريل 2013 - 8:00 ص

الغلو ممقوت ٌبكل ألوانه؛ سواءٌ فى ذلك أكان غلوا فى شخص أو فكرة، ذلك أنه يورد صاحبه المهالك من أقصر طريق، فقد يعميه غلوه فى شخص أو تعصبه لفكرة عن رؤية الحق فى مواطن كثيرة لمجرد أنه أتى على غير هواه أو من خلاف طريقه.

 

ولأن أكثر صنوف الغلو خطرا ذلكم المتعلق بالأشخاص فقد حرص الإسلام على نبذ تقديس الأشخاص أيما حرص فربى أبناءه تربية الأحرار منذ اليوم الأول، وإن شئت فى ذلك فصل الخطاب فتأمل كيف حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلو فى شخصه الكريم بقوله: (لا تطرونى ــ الإطراء مبالغة الحد فى المدح والثناء ــ كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله).

 

واختلف اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرأى مرارا وبعضهم كان أعلى فى المكانة والفضل من مخالفيه بكثير فلم يحملهم ذلك على اتهام بعضهم بعضا بالتهم التى يتساهل فيها إخواننا اليوم تساهلا عجيبا وما يدرون أنها تحلق الدين حلقا.

 

تعلمون كيف اختلف الصحابة فى تفسير أمره صلى الله عليه وسلم (لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة) فكان منهم من صلى فى بنى قريظة حتى بعد فوات الوقت وكان منهم من صلى العصر فى وقته وفهم ان المراد من الأمر هو حثهم على الإسراع فقط، فلم يثرب فريقٌ منهم على من خالفه اجتهاده أو حاول حمله قسرا على ما فهم واستوعب.

 

وترى خليفة المسلمين ابوبكر فى أول أيام حكمه قد احاط به قطاعٌ عريضٌ من الصحابة يحاولون إثناءه عن المضى قدما فى قراره بإرسال أحد عشر جيشا دفعة واحدة فما يزيدونه غير إصرار، وكان موطن معارضتهم الرئيسية فى قضيتين، قضية إنفاذ بعث أسامة التى كانت مركبة فى حقيقة الأمر من مادتين أولاهما الاعتراض على مقارعة الروم فى توقيت حرج كانت الروم فيه فى أوج قوتها وثانيهما سن أسامة نفسه الذى اعترض عليه كثيرون، والقضية الثانية فى قتال مانعى الزكاة على ما هو معروفٌ مشتهر.

 

حتى الرأى فى الرجال وتقييمهم، قد اختلفت فيه تقديراتهم وكلهم مجتهدٌ مأجور، فقد اختلف مثلا رأى عمر وابوبكر فى شأن خالد، ولهذا كان أبوبكر الصديق ــ رضى الله عنه ــ يؤثر استنابة خالد، وكان عمر بن الخطاب ــ رضى الله عنه ــ يؤثر عزل خالد، واستنابة أبى عبيدة بن الجراح ــ رضى الله عنه ــ لأن خالدا كان شديدا، كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينا كأبى بكر، وكان الأصلح لكل منهما أن يولى من ولاه، ليكون أمره معتدلا والكلام هنا لابن تيمية فى السياسة الشرعية.

 

وعزل عمر (سعد بن أبى وقاص) على إثر اعتراض أهل الكوفة على شخصه، فما عزله إلا درءا للفتنة؛ قائلا فى شأن ذلك: «فإنى لم أعزله عن عجز ولا خيانة».. وهو مع ذلك قد جعله ضمن مجلس الستة الذى ائتمنه على خليفة المسلمين من بعده.

 

ومن ذلك رفض أمير المؤمنين عثمان بن عفان ــ رضى الله عنه ــ قتال محاصريه، رغم أن كثيرا من الصحابة كانوا على خلاف رأيه فى وجوب الدفاع عنه حتى الموت ،مما اضطره أن يقول: أعزم على كل من رأى أن لى عليه سمعا وطاعة، إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندى عناء من كف يده وسلاحه» وقد كانت داره يومئذ غاصة بسبعمائة، لو يدعهم لضربوا محاصريه حتى يخرجوهم من أقطارها؛ منهم: ابن عمر والحسن بن على وعبد الله بن الزبير كما يحكى ابن سيرين.