تشويه.. نهضة مصر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تشويه.. نهضة مصر

نشر فى : الثلاثاء 23 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يوليه 2013 - 8:00 ص

فى عام 1938 تأسست شركة نهضة مصر للنشر. أصدرت، خلال ثلاثة أرباع القرن، آلاف الكتب التى لابد أن تجد بعضها فى مكتبة أى مثقف. اختارت الدار، منذ نشأتها، تمثال نهضة مصر، شعارا لها، وهو اختيار يتماشى مع هدف المؤسسة الذى يرمى لـ«رفع الوعى وتنمية القدرات الفكرية والبحثية لأبناء الوطن».

تماثل «نهضة مصر»، أحد تجليات ثورة 1919، نحته المثال الوارث جينات الإبداع من أجداده الفراعنة، محمود مختار، يعبر به عن أمانى أمة ترنو إلى حياة كريمة، تستطيع تحقيقها، بإرادة الفلاحة الشامخة، المتحررة فى الحجاب، تنظر إلى آفاق بعيدة، تضع أصابع كفها اليمنى على رأس «أبوالهول» الذى يفرد قائمتيه الأماميتين، كأنه يتوحد معها، مستجيبا لأملها فى النهوض.. التمثال راسخ، قوى فى تكوينه، قاعدته عريضة، قمته، رأس الفلاحة، إنه أقرب لسهم يتهيأ للانطلاق، منحوت من الجرانيت الأسوانى، الشديد الصلابة، الذى استسلم لأزميل قدماء المصريين، فأصبح قطعة فنية صامدة لاختبار الزمن. وبعد طول ابتعاد جاء محمود مختار ليبعث من جديد، ويؤكد، قدرة المصرى على الإبداع، وتجسيد إرادة أمته فى الكرامة.

فى مساء 20 مايو 1928، بعد جهد شاق، استمر سبعة أعوام، أزيح الستار عن التمثال الذى ساهم فى تكاليفه جموع الشعب، فقراء وأغنياء. حضر الاحتفال الملك فؤاد، الأمراء والوزراء، الأدباء، البعثات الأجنبية.. واكتسب ميدان باب الحديد، مزيدا من الأهمية، بوضع التمثال الكبير ــ ارتفاع 7 أمتار وعرض 8 أمتار ــ فى منتصفه، وأصبح مزارا لأحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وغيرهما، فضلا عن الزعيم، سعد زغلول، المفتون بـ«نهصة مصر»، الواثق منذ البداية، بموهبة محمود مختار، وكان له نصيب من عطاياها، ذلك أن النحات العظيم، حقق تمثالين لسعد زغلول، أقيم أحدهما فى قلب الإسكندرية، والآخر نهض فى القاهرة، عند نهاية كوبرى قصر النيل. التمثالان، يبرز فيهما قوة وعزيمة الرجل.

انتقل تمثال «نهضة مصر» من باب الحديد عام 1955، إلى ميدان جامعة القاهرة، يحيط به الخلاء من كل جانب، مما أبرز رونقه، ووضع فوق قاعدة ترتفع سبعة سلالم، وبدا وكأنه يستقبل عشرات الآلاف من الطلبة، معمقا من معنى النهضة التى تعتمد، بالضرورة، على العلم والمعرفة والبحث والدراسة.

مع الأيام، أصبح التمثال جزءا من الضمير المصرى، رمزا معنويا لكل ما هو إيجابى، اختارته بعض شركات الإنتاج السينمائى ليغدو شعارا لها، وظهر فى عشرات الأفلام، دلالة على المكان والزمان وطبيعة الشخصيات، وطبع عام 1968 على أحد وجهى عملة الربع جنيه الورقية، وبمناسبة مرور خمسين عاما على رحيل محمود مختار «1891 ــ 1934» أصدرت هيئة البريد طابعا يحمل صورته.

فى الأسبوع الأخير، وقعت جريمة ثقافية مؤلمة: بعض الغوغاء، من مناصرى المعزول، كتبوا، بخط ردىء، على قاعدة التمثال، ألفاظا نابية، تدل على سوء السلوك والتربية، وقاموا بطلاء أجزاء منه بألوان متنافرة، ولصقوا على وجه الفلاحة وجبهة «أبوالهول»، على نحو عشوائى، صورا رديئة لرئيسهم الذى ربما يدخل السجن، بينما سيبقى، حتما، نهضة مصر، بكل ما يحمله من معانٍ.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات