إنصافاً لوزير الخارجية - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنصافاً لوزير الخارجية

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 2:22 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 2:22 م

  في الفترة الأخيرة تعرض وزير الخارجية الحالي لحملة شرسة من صحف المعارضة و النخب السياسية المصرية ، لا تمس بشخصه بقدر ما ترفض تصريِحات و تصرفات له هنا و هناك حول مسار السياسة الخارجية المصرية . مما يستوجب علينا أن نلقي الضوء علي دور و مهام و سلطات وزير الخارجية حيث قدرنا من جانبنا أنه قد يكون من المفيد محاولة ترصين هذا التيار العاطفي الجارف الذي يدور حول الشكل و الشخص في مصر، بالدعوة إلي رد المنصب إلي أصوله ، و التزام الطرح الموضوعي بتناول طبيعته و آلياته مع استعراض ممارسات شاغليه الأسبقين لصلاحياتهم و ظروف اختيارهم.

و في تقديري أن الهجوم علي وزير الخارجية بسبب سياسة الدولة حيال قضية غزة ينبغي أن توضع في إطارها الصحيح ، وهو ما نشير إليه هنا . .

و بداءة – إذا أردنا العودة قليلا لمبررات إنشاء المنصب ، فلا بد أن نشير إلي ما هو معروف من أن منصب وزير الخارجية حديث نسبيا عن غيره من المناصب داخل الدولة القومية عند بداية ظهورها لتشكيل المجتمع الدولي في صورته الأولي ، فقد كان رؤساء الدول (الملوك و الأمراء) يديرون علاقاتهم الخارجية مباشرة أو عن طريق مبعوثين شخصيين في مهام محددة ، غير أن تطور المجتمع الدولي و النمو السريع للعلاقات بين الدول افصح عن حاجة رئيس الدولة إلي من يساعده في هذا المجال مع بقائه هو وحده الذي يملك تمثيل دولته و تحميلها بالتزامات في مجال علاقاتها الخارجية بالدول و المنظمات الدولية بما في ذلك التصديق علي المعاهدات . و أخذت الدساتير المصرية المتعاقبة بهذه القاعدة .

في الفترة الأخيرة ترتب علي تقدم تكنولوجيا الاتصالات أن ضارت السياسة ترسم باتصالات مباشرة بين الرؤساء مما أدي من جديد إلي ضعف دور وزير الخارجية في إدارة السياسة الخارجية في الدولة .و انتهاء عصر وزير الخارجية الصانع للسياسة مثل تاليران و ميترنيخ.

و في مصر ظل دور وزير الخارجية – علي أهميته – تابعا لإرادة و اتجاهات رئيس الدولة منذ نشأة أول جهاز لإدارة العلاقات الخارجية سنة 1826 و الذي سمي ب ‘‘ ديوان التجارة و الأمور الأفرنكية ’’ الذي تولاه موظف أرمني هو باغوص يوسفيان أفندي ألي أن جاء عبد الخالق ثروت الذي كأول ناظر للخارجية بعد رفع الحماية عن مصر في 28 فبراير 1928

وفي مصر الجمهورية يُشرف رئيس الدولة مباشرة علي إدارة علاقات مصر الخارجية ، بل و يتولي بنفسه في بعض الأحيان الاتصالات المتعلقة بموضوع بعينه ، و ما زال هذا النهج متبعا حتى يومنا هذا وإن كان هذا لا يعني تهميش دورهم تماما.

غير أن هذا النهج لم يمنع من خروج عدد قليل من وزراء الخارجية إلي دائرة الضوء ليحظي بين الجماهير و في وسائل الإعلام بمكانة مرموقة برضاء مؤسسة الرئاسة، و لعل اشهر من مر بهذا الموقف الدكتور محمد صلاح الدين باشا في عهد الوفد و حكم الملك فاروق ، و الدكتور محمود فوزي في عهد الرئيس عبد الناصر و الذي صعد إلي منصب رئيس الوزراء ومنصب نائب رئيس الجمهورية، و قد أسس فوزي مدرسة خاصة أسماها البعض Fawzy Boys نتيجة فهم عميق لحقائق الأمور داخل الدولة ، إدراكا منه أن المسئولية الأساسية لإدارة سياسة الدولة الخارجية تقع علي الرؤساء ، و بالتالي كان يؤدي واجبه علي أكمل وجه بتقديم الدراسة و المشورة ، و لكنه لم يتدخل أو يصر علي صدور قرار بعينه ، بل كان يتحرك لتعبئة الآليات الدبلوماسية لتنفيذ قرار رئيس الدولة ..

و لا تخرج ممارسة وزير الخارجية الحالي - وهو رجل دمث الخلق هادئ الطبع - عن هذا الإطار الذي يبذل فيه كل جهده و يوظف خبراته و قدراته المتميزة ، و لكنه و الحق يقال قد تسلم منصبه في فترة صعبة تسير فيها الدبلوماسية المصرية علي حقل من الألغام في مواجهة سياسة أمريكية جامدة و عنيفة و متسلطة تعادي العرب و تتحالف بكل قوة مع العدو الصهيوني ، و في هذا الإطار كان لزاما علي وزير الخارجية أن يتحرك و أن يلقي بتصريحاته مدافعا عن سياسة مصر التي يرسمها رئيس الدولة علي أساس ما يقدره من حماية المصالح الوطنية. و لكن هذه السياسة هوجمت بقوة من قوي المعارضة و التغيير و تلقي وزير الخارجية قدرا كبيرا من هجوم صحف المعارضة لدفاعه عن هذه السياسة و محاولة شرحها و تبريرها .

و حتى نصل إلي تقييم منصف لشخصية الرجل و لا نقلل من كفاءته و مصداقيته و مشاعره الوطنية ، فالوزير الحالي فهو رجل دمث الخلق هادئ الطبع و متزن يتفاني في تأدية مهام منصبه و يتسم بعمق التفكير و عدم الانشغال ببناء صورته لدي الجماهير كما يلتـزم بتنفيذ سياسة الدولة طالما كان مقتنعا بأنها في صالح الوطن .

و لا بد أن نعطي للرجل حقه في هذا المجال فالوزير الجديد منهمك في العمل علي دعم الجهاز الرئــيسي المختص بإدارة السياسة الخارجية في الدولة ، وهو يسعي إلى إرساء صيغة للتكامل و التعاون بين أجهزة صنع القرار في هذا المجال ، و يحاول أن ينظم الوزارة وفقا للاحتياجات و التقاليد و المتطلبات المصرية ليعود لنا من جديد السفير المتخصص الذي يعمل علي راس إدارة متخصصة و يهمه أن يعاون الوزير بكل كفاءة و استقلال ،و هنا نناشده ألا يأخذ بمنهج بعض من سبقوه فيجعل من مكتبه وزارة مصغرة تهمش إدارات الوزارة المتخصصة .

كذلك و من باب الإنصاف لا بد أن نشير إلي أنه تلقي اللوم بسبب مسألة لا تتولاها وزارة الخارجية ، لأن ملفها و اتصالاتها تتم خارج الوزارة وهو أمر محل نظر ، فإذا قبلنا بدور استخباراتي و أمني ، فلا بد أن يكون ذلك دورا مساعدا ، و مؤقتا - و ليس دورا رئيسيا تحجب تفاصيله عن وزارة الخارجية - و أن يكون وزير الخارجية ملما بكل تطوراته ، وهو ما لم يتوفر في ملف غزة و ملفات أخري .

و الوزير الحالي لديه من الخبرة و التجربة و الحنكة ما يؤهله لكي يحقق أملنا بأن تستعيد مصر في كل الأحوال صورتها كدولة دور خارج حدودها ، وأن تحتفظ بمكانها، و لكن ذلك مشروط بأن تكون لديه كافة الملفات و أن يقوم بينه و بين مؤسسة الرئاسة و الأجهزة الأخرى جسر قوي يضمن حصوله علي كل تطور أولا بأول ، و أن يكون له دور هام في عرض الموضوعات علي رئيس الدولة و أن يكون عرضه محل اعتبار وهو أمر مفتقد حاليا. .

أقول هذا و أنا بعيد عن الوزير و الوزارة أكثر من عشر سنوات، و أرجو أن يعذرني لتناولي هذا الموضوع بغير علمه و بمبادرة خالصة مني.

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات