فى المسألة الدستورية - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى المسألة الدستورية

نشر فى : الإثنين 25 يوليه 2011 - 9:57 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 يوليه 2011 - 9:57 ص

 يبدو للعبد الضعيف، وألتمس المعذرة، أن ثورة 25 يناير المجيدة يتبخر زخمها ويذوى وهجها، لتقع ضحية للبس مصرى نخبوى سلطوى أمنى، واختراق أجنبى يكتل الشباب بإغراء السفر وأنهار الدولارات التى تنهمر على بوتيكات الجمعيات الأهلية وحقوق الإنسان.

انعكس هذا بالضرورة على الفكر الدستورى الذى يرسى دعائم الحكم البرلمانى الديمقراطى الذى قامت الثورة من أجله ودفعت ثمنه غاليا من دماء زهرة شبابها.

وعندما تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق شرعية ثورية كان من حقه أن يستعين بأساتذتنا الكبار المحترمين من جهابذة القانون الدستورى، الذين تناولوا الأمر بعقلية أكاديمية نظرية بعيدة عن الواقع السياسى الذى يستوجب مساعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إقامة الديمقراطية خلال ستة شهور والعودة إلى ثكناتهم ومهامهم فى حماية البلاد والدفاع عنها، ومن هنا كان من أغرب الظواهر السياسية التى تطالب فيه النخب والفصائل السياسية بمد الحكم العسكرى لمدد وصلت إلى عامين كاملين، فى وقت يجب التحسب فيه من خطورة سلبيات إطالة الحكم العسكرى المطلق ومنها ــ لا سمح الله ــ انقسامهم ونشأة صراعات على السلطة فى مجال الجيش.

ولقد ظل أساتذتنا الفضلاء متمسكين بما جاء فى الفقه الدستورى العالمى والمصرى من أن الهيئة الوحيدة المخولة بوضع الدستور هى ما تسمى بجمعية تأسيسية، كالدول حديثة الاستقلال وأن أى اعتبار إلى أن مصر شهدت الحكم البرلمانى الدستورى من أوائل القرن الثامن عشر صادفت فيها أكثر من دستور انتهاء دستور 1923 ودستور 1930 وأخيرا دستور 1971 الذى أفسدته تعديلات الرئيس المخلوع فى 4 مواد وتعديل الرئيس السابق أنور السادات الذى فتح مدة الرئاسة، ويترتب على ذلك النهج أنه رغم قيام البرلمان يتم انتخاب جمعية تأسيسية تقوم على وضع المبادئ الدستورية وتدخل فى غياهب المناقشات والخلافات الفقهية مما قد يحتاج الى وقت طويل لا يتحمله الواقع السياسى الذى قامت من أجله الثورة والذى يتطلب إرساء الديمقراطية فى اقصر وقت ممكن كما أن ذلك النهج يعطل تنفيذ ما وعد به المجلس العسكرى فى سرعة إنشاء الدولة وتسليمها لسلطة مدنية.

وفى ذات الوقت راحت الرموز والنخب والناشطون السياسيون وفصائل شباب الثورة فى مناقشات ينقصها العلم بجوانب ومهام فن صياغة الدساتير باعتبارها تقنن عقدا اجتماعيا جديدا يعبر عن توازن بين مصالح القوى والفصائل التى صنعت الثورة.

وقد كانت هذه الفجوة هى السبب الأساسى فى اللغط الدستورى الذى تلاطمت فيه أمواج الخلافات والمواءمات التى تضفى الغموض والإرباك على مسارنا نحو دولة ديمقراطية حقيقية.

ونتيجة لهذا التخبط دخل المجلس العسكرى فى فخ غياهب الخلافات الأكاديمية من جهة وضغط النخب والفصائل السياسية وشباب الثورة من جهة أخرى. فشهدنا وقف العمل بدستور 1971 ثم ترتيبه لاستفتاء على تعديله أى بمعنى إجراء عملية زرع كلية فى جسد ميت، ثم صدر بعد الاستفتاء إعلانات دستورية وإصدار قوانين مهمة استقل المجلس العسكرى بإصدارها.

وفى كل ذلك اتفقت كل هذه الجهات على اهمال الشعب واعتبار الناخب جاهلا وقررت باستعلاء نخبوى ان تعد له الدستور وتفرض عليه ما سمته بالمواد الحاكمة التى لا يعرفها، وفى واقع الأمر فإن تلك التوجهات الفوقية الاستعلائية وعدم الثقة فى الناخب المصرى وفيمن يأتى بهم صندوق الانتخابات الذى يشرف عليه القاضى والذى تفرخه قوائم نسبية بعيدة تماما عن الترشيح الفردى، وهو ما يمكن أن يفهم على عدم وجود إيمان حقيقى بالديمقراطية.

وإذ نرحب جميعا بالوثائق المتعددة التى وضعتها الفصائل السياسية، فإنه لا يجب وصفها بالحاكمة ولابد من خضوعها للبرلمان الذى يأتى به الصندوق حيث إنه هو الجهة الوحيدة التى تمثل الشعب والتى تملك ــ دون أن تقيد سلطتها بأى إعلانات دستورية أو مبادئ حاكمة ــ السلطة الكاملة فى مراجعة كل الوثائق المطروحة وغيرها من مشروعات الدساتير التى وضعها فقهاء دستوريون مثل د.إبراهيم درويش والأستاذ عصام الاسلامبولى وغيرهما ومن مشروع دستور 1954، الذى ربما كان أكثر الوثائق جدارة بالاستفادة بما جاء به من مبادئ وأحكام. كل هذه الوثائق ستعرض على لجنة يشكلها البرلمان المنتخب الذى يحيلها بعد تنقيحها للاستفتاء الشعبى دون الدخول فى متاهة الجمعية التأسيسية. ودون أن تقيد سلطة البرلمان بأى قيد. وأؤيد هنا بكل قوة ما ذهب إليه بعض الفقهاء ــ تقديرا للظروف المصرية ــ من الإقلال من إحالة الأحكام الجوهرية للقانون حتى وإن تعرض ذلك مع مبدأ عمومية الأحكام الدستورية، بل يجب المضى فى ذلك إلى حد توصيف الجرائم السياسية والجرائم الخاصة بالمساس باستقلال السلطة القضائية وتزوير الانتخابات والتعذيب وإهدار حقوق الإنسان ووضع العقوبات الرادعة لها وتشكيل المحكمة التى تنظر فيها.

ولابد هنا أن نشير إلى أن كل المبادئ الدستورية الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية وغيرها أصبحت قواعد راسخة jus cognes لا يجوز المساس بها سواء نص عليها الدستور أم لم ينص عليها، وتعتبرها محكمة العدل الدولية من المبادئ التى تطبقها الدول المتحضرة. ولا ننسى أن هناك دولا بلا دستور اقربها لنا بريطانيا وإسرائيل ومع ذلك تحترم كل تلك المبادئ، ومن هنا ربما كان أهم ما يرد فى الدستور هو تحديد شكل الدولة وفصل السلطات الثلاث وهل نعتمد النظام البرلمانى الذى أرى أنه يلزم لنا لمقاومة الجينات الفرعونية التى تربط الحاكم بكرسى السلطة ايا كانت النصوص وأن نحدد مدة وعدد البرلمان وإن كان من مجلس واحد أم مجلسين وسلطات كل مجلس مع إعطاء مجلس الشيوخ سلطات مهمة، والأهم من ذلك كله تحديد سلطات رئيس الجمهورية ومدة ولايته.

لذلك أنادى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكل الفصائل السياسية ألا تستعلى على حكم الصندوق طالما وقعت انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائى كامل بالقائمة النسبية وبعيدا عن الترشيح الفردى ودون كوتة العمال والفلاحين والمرأة، وأن تترك الأمر كله لحكم الشعب ممثلا بنوابه أيا كانت توجهاتهم، لأن فرض أحكام دستورية على الشعب يقلل من مشروعية الدستور ذاته، ولا ننسى هنا أن الديمقراطية قادرة على تصحيح مسارها بتغيير بعض مواد الدستور فى حرص شديد وتغيير النواب والحكومات ورئيس الدولة بل ومحاكمتهم على الفسادين السياسى والمالى.

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات