يوسف داود - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوسف داود

نشر فى : السبت 30 يونيو 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 30 يونيو 2012 - 9:10 ص

ينتمى فناننا الراحل، إلى مدرسة الكاريكاتير فى التمثيل المصرى، وهى مدرسة عريقة، ذات شأن، من أساتذتها حسن فايق، المتوتر الأعصاب بلا ضرورة، المتحمس دائما.. عبدالفتاح القصرى، المعلم الجاهل.. عبدالسلام النابلسى، الارستقراطى المفلس، الوجيه بلا وجاهة.. وطبعا، إسماعيل ياسين، الرجل الذى يعيش بقلب وأحاسيس طفل.. وإذا كان الكاريكاتير، أصلا، يعتمد على إبراز التناقض، أو التباين، بين الجوهر  والمظهر، فضلا عن درجة ما من التلاعب فى أبعاد وملامح هذا النمط أو ذاك، فإن يوسف داود، بداية، تمتع بشكل كاريكاتورى، ولأنه سطع على الشاشة، بعد ان تجاوز الأربعين من عمره، فإن ملامحه جاءت، وبقيت، مكتملة، مستقرة: جسم بالغ الضخامة، معتدل القوام، يعلوه رأس كبير، أميز ما فيه الفم الشديد الاتساع. ولان لمعان صلعته يمتد إلى الجبهة، فإن الحاجبين القصيرين، بشعرهما المشعث، يلفتان نظر المشاهد، وإذا أضفت لهذه التقاطيع الغليظة صوته الخشن، المدعوم بحنجرة قوية، سيبدو كأن الطبيعة منحته شكلا كاريكاتيريا.

 

شارك يوسف داود فى أكثر من خمسين فيلما، علاوة على عدة مسلسلات ومسرحيات. ومنذ البداية، أثبت جدارته الفنية، بفضل ما تميز به من حيوية انفعالية، نفاسنية، وبدنية، فبرغم ضخامة بنيانه، فإنه على قدر كبير من الليونة والنشاط. بعد ثلاث سنوات من دخوله عالم السينما، قدم خلالها خمسة أو ستة أفلام، يبلور رأفت الميهى شخصيته فى «سمك لبن تمر هندى»، حيث يتوافق يوسف داود تماما مع الخيال الجامح لرأفت الميهى.. اسمه فى الفيلم «ملاك»، بينما هو أقرب للشيطان، ضابط شرطة يريد الايقاع بالبطلين، محمود عبدالعزيز ومعالى زايد، يتهمهما بالإرهاب، يطاردهما من مكان لمكان، خاصة داخل مستشفى يلخص المجتمع المصرى آنذاك، وحتى الآن.. يوسف داود هنا، يجسد القوة الغاشمة، ويتحول من الجدية الصارمة إلى الهزل التام، ومن الذكاء اللامع إلى الغباء المفرط، ومن الشجاعة المتهورة إلى الجبن الخالص، وها هو فى ذروة عنفوانه ينهنه بالبكاء مرتعشا أمام تأنيب وتوبيخ والده.. وفى انقلاباته ينتقل، بنعومة، من حال لحال.

 

بهذه الأبعاد، ظهر يوسف داود فى عشرات الأفلام. المفارقات تأتى خلال التناقض بين ما يجب ما يكون عليه، وما هو عليه فعلا، فهو مدير الفندق الأنيق، الدقيق، الشريف، فى «بخيت وعديلة» لنادر جلال 1995، لكنه لا يتورع عن الارتشاء، بل الدخول فى عملية قذرة مع نصابين. وفى «أمير الظلام» لرامى إمام 2002 يؤدى دور مدير مؤسسة رعاية مكفوفين، وبدلا من أن يكون رحيما مع النزلاء، نراه يقسو عليهم بطريقة وحشية. لكن، ها هو، بغطرسته، يجهش بالبكاء ويجأر بالصراخ، عندما يصبح ضحية للهوان. وفى «زيارة السيد الرئيس» لمنير راضى 1994، يغدو ناظر مدرسة أطفال فى قرية منسية، يتوهم أنه موسيقى موهوب، يحلم بأن يكتشفه الرئيس الأمريكى الذى سيزور القرية. لكن، ها هو يتهالك محبطا، شأن بقية الأهالى، حين يحرق القطار الذى يحمل الرئيس دون أن يتوقف فى المحطة ولو للحظة.

 

فنان الكاريكاتير، فى التمثيل، يلمس شغاف القلب، حين يجد شخصية إنسانية بعيدة عن نمطه المعتاد. وفى قائمة أفلام يوسف داود، إلى جانب دوره الرقيق، الرومانسى، فى «شقة مصر الجديدة» لمحمد خان 2007، يتألق فى «فيلم هندى» لمنير راضى 2003، كعاشق لآلة العود الشرقية، يتسع أفقه لقبول الآخرين، يحنو على الجميع، يحتضنهم بنظرات تفيض بمحبة خالصة، وهو فى هذا يبدو أعمق إنسانية من ابنته المتدينة، التى لا تخلو من تطرف.. رحم الله فناننا الأثير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات