الخلطات السحرية للشعوب - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلطات السحرية للشعوب

نشر فى : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:30 م

تتساءل أحيانا ما الذى جرى لهؤلاء الناس الذين عشت بينهم لسنوات؟ لماذا خيمت عليهم الكآبة؟ ولماذا يرتجف صوتهم أو يعلو لأتفه الأسباب؟ وكيف يحملون بداخلهم كل هذا الحنق؟ ولماذا يسعى كل فرد منهم أن يعبر بسيارته قبل الآخر ويقول أنا ومن بعدى الطوفان؟ لماذا تصر الجارة التى أصيبت بالكورونا هى وعائلتها أن تترك النفايات على الأرض أمام باب شقتها ولا تبالى برمى الأقنعة الطبية المستخدمة فى أى مكان؟ لماذا يعيش بعض الأشخاص وكأنهم سيموتون غدا؟ ولماذا يبادر من تتعامل معه بالكذب المجانى حتى لو لم يكن هناك مجال لذلك؟ ألف «لماذا» تمر ببالك كل يوم، وتقع عيناك بمحض المصادفة على كتاب اصفرت أوراقه يرجع تاريخه لقرون مضت يتحدث عن صفات العبيد وخصال الشعوب، ورغم أنه لا يخلو من تعميم معيب إلا أنك تجد بعضها لا يزال قائما حتى الآن. أو تستمع لأغنية قديمة من مسرحيات سيد درويش يرسم فيها صورا كاريكاتورية للتركى واليونانى وابن البلد بسخرية لاذعة تترجم الواقع بعمق حتى لو بها مبالغة. أو تقابل مواطنين من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق فتكتشف شيئا ما يجمعهم، تشعر به على الفور وإن كنت لا تلمسه بوضوح ولا تقف على أسبابه.
•••
تطالعك الأنباء بما لا يسر خاطر وتردد فى قرارة نفسك هذا الوطن أو ذاك كان جنة قبلها وصار جحيما بعدها. ترى العراقيين مثلا وقد حكمت حياتهم طويلا مفردات مثل الطاعة والانصياع والعجز والرعب، حتى صار إحساسهم بالوطن إحساسا بمخلوق عزيز جدا يحتضر، على حد تعبير الأكاديمى والباحث العراقى فارس كمال نظمى الذى يحاول الغوص فى سيكولوجيا السياسة والدين والشخصية الاجتماعية والهوية الوطنية من خلال مؤلفات مثل «المحرومون فى العراق» و«سيكولوجيا الاحتجاج». يشرح كيف يؤدى الحرمان النسبى بمفهومه العام «وهو شعور الفرد بالاستياء نتيجة إدراكه للتفاوت بين ما يحصل عليه فعلا هو أو جماعته الاجتماعية من موارد حياتية ــ كالدخل المعيشى وفرص التعليم والخدمات الصحية والبنى التحتية والسكن والمكانة الاعتبارية فى المجتمع والدعم الحكومى ممثلا بالضمانات الاجتماعية ــ وبين ما يتوقعه أو يعتقد أنه يستحقه (أو تستحقه جماعته) من تلك الموارد» كيف يؤدى هذا الحرمان إلى تدمير مشاعر الناس بالكرامة والعزة والطمأنينة ويدفعهم إلى اليأس والاغتراب. ويحدد أن التحليل السيكو سياسى يعزو اندلاع الثورتين الفرنسية والروسية والحرب الأهلية الأمريكية إلى هذا «الحرمان النسبى المتصاعد بجذره الطبقى المباشر».
•••
من المهم متابعة تأثيرات الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على تركيبات الشعوب ونفسياتها وعلاقة الفرد بامتداده الجغرافى وعلى الهويات القومية حتى نفهم أكثر ما الذى جرى لهذا الشعب أو ذاك. تزداد حاجتنا فى أوقات بعينها لمثل هذه النوعية من الدراسات، وإن كانت غير شائعة فى عالمنا العربى، وفى أحيان كثيرة حين يتوقف عندها بعض الباحثين يكون ذلك بدافع دراسة منابع الإرهاب فى دول المنطقة، فتجرى جهة أو منظمة دولية بحثا حول مفهوم الرفاهية الشخصية ودرجة الإشباع ومؤشرات الرضا عن الحياة فى المجتمعات الديمقراطية وغير الديمقراطية، ويكون قياس الديمقراطية بناءً على فحص خمس نقاط: العملية الانتخابية والتعددية والمشاركة السياسية وسير العمل الحكومى والثقافة السياسية والحريات المدنية. لكن فى الأغلب الأعم لا نتوقف عند تحليل السلوكيات الجمعية من منظورات متعددة سواء سياسية أو غيرها، لكى نحلل أسباب انتشار الفاشية أو التسلطية فى دول بعينها، ونقارنها بفترات تاريخية سابقة، أو نحلل روح التهكم والسخرية والعدمية لدى شعوب واستعدادها للاحتجاج وقدرتها على حياكة الأمل.
•••
دراسات علم نفس الشعوب وسلوكياتها بدأت تنتشر فى القرن التاسع عشر، وعرفت موجات متقطعة من الانتعاش، واشتهرت أسماء علماء نفس واجتماع وأنثروبولوجيا وتاريخ تناولوا تأثيرات الأعراق والدين والحضارات والسياسة إلى ما غير ذلك على روح الشعوب وخصائصها، وتطرقوا إلى تشابك كل هذه العوامل فأصابوا حينا وأخطأوا حينا وأثاروا الجدل بأفكارهم العنصرية أحيانا، وكان من بينهم أسماء مثل جوستاف لوبون وجابرييل تارد ومارسيل موس وإيميل بوتمى وألفريد فورييه وغيرهم، وفى فترات أحدث بكثير لامست دراسات قام بها آخرون مثل سيمور ليبست وفيليب بوران موضوعات مشابهة وإن اختلفت المدارس والمشارب. هذه النوعية من المشاهدات والتحليلات مهمة للغاية لكى نفهم ما نعيشه يوميا فى الشارع وفى العمل، ونحن نفتقر إليها بشدة، خاصة إذا انطلقت من عيون محلية تضع ما تلاحظ فى إطارها الصحيح، دون أهواء أو أغراض وأهداف دفينة، مثلما بعض دراسات القرنين التاسع عشر والعشرين التى امتزجت أحيانا بدوافع استعمارية. نريد أن نعرف المزيد عن روح شعوب المنطقة وتطورها وهوياتها، على اختلاف خلطاتها السحرية وأعراقها وأجناسها وموروثاتها.

التعليقات