لماذا تراجع الأداء البيئي المصري؟ - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تراجع الأداء البيئي المصري؟

نشر فى : الخميس 13 يوليه 2023 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 13 يوليه 2023 - 6:55 م

صدر أخيرا تقرير مهم عن الأداء البيئى العالمى، وقد تضمن ذلك ترتيب 180 دولة حول العالم. يقول التقرير إن مصر تحتل المرتبة الـ 127، وذلك فى مؤشر بيئى يضع ويعطى حيوية النظام البيئى نسبة 42%، والصحة البيئية 20%، والتعاطى الإيجابى مع التغيرات المناخية 38%. بموجب هذا التقرير الذى يصدر كل عامين، فإن مصر احتلت المركز 50 و104 و66 و94، وذلك فى السنوات 2014 و2016 و2018 و2020 على الترتيب، ما يعنى أن هناك حال تذبذب واضح فى مكانة مصر البيئية، وأن هذا التذبذب مال عامة إلى التدهور، حيث ختم الوضع الحالى بالمركز الـ127 العام 2022.
ولمعرفة سبب التدهور يجيب التقرير بشكل غير مباشر عن هذا السؤال بعودته إلى تفاصيل الموقع المصرى فى الترتيب العالمى لعام 2022، حيث يقول إنه بالنسبة لحيوية النظام البيئى (التنوع الحيوى الترتيب 124 وخدمات النظام البيئى 29، والثروة السمكية 123، والأمطار الحمضية 98، المبيدات الزراعية 96، جودة موارد المياه 46). وبالنسبة لصحة البيئة (نوعية الهواء 92، والمياه والصرف الصحى 112، والمعادن الثقيلة 177، وإدارة النفايات 121). وبأن الحد من التغيرات المناخية فكانت فى المركز 139.
الأرقام السابقة مهمة للغاية لأنها توضح مكان القصور. وهى تشير إلى أننا بالتأكيد فى أمس الحاجة للنزول لأرض الواقع، لأن الكلمات والشعارات الرنانة لا مكان لها فى تحليل الواقع المعاش.
الواقع يشير إلى استشراء تلوث الهواء، وهو بالتأكيد أثر بشدة على الأمطار التى زادت درجة حمضيتها، فأصبحت ملوثة بثانى أكسيد الكبريت وثانى أكسيد النيتروجين. هنا يجب أن نلحظ العلاقة الطردية عند رؤية درجة الأمطار الحمضية والمبيدات الزراعية، لأن الأخيرة تعنى الشراهة فى الاعتماد على الأسمدة الكيماوية والمبيدات فى الإنتاج الغذائى، وهو أمر يرتبط طرديا أيضا بالانبعاثات والصناعات التى تنشر عديد الأدخنة فى الهواء ما يسبب تلوث الأمطار، خاصة فى حال عدم وجود فلاتر هواء لحماية السماء من الأدخنة.
نفس الشىء يمكن أن يقال بشأن الصرف الزراعى، فمياه الصرف الزراعى هى المياه الناتجة عن استخدام الأسمدة، كما أن انخفاض مستوى تلك المياه فى حالة استخدام الأسمدة مشكلة أخرى، لأنها تعنى تسبغ الأرض وزيادة ملوحتها، وهى مشكلة قائمة فى مناطق كثيرة صالحة للزراعة لكنها تخلو من شبكات الصرف الزراعى.
الصرف الصحى مشكلة أخرى، لأن غيابه (غرب الإسكندرية ومطروح نموذجا) هو أحد مسببات التلوث، وانتشار الأمراض والأوبئة والحشرات الضارة، كما أن وجوده بشكل ملوث للبيئة بسبب الصرف فى البحر أمر يشكل خطورة على صحة الإنسان والأسماك، بل إن تداعياته تتجاوز الدولة إلى الدول المجاورة المتشاركة فى ذات الأحواض المائية.
أزمة النفايات هى الأخرى واحدة من أعقد الأزمات المسببة للتلوث، مشكلتها لا ترتبط فقط بعدم رفع تلك النفايات، بل تمتد لمسألة التخلص منها بالحرق، وعدم فرزها من المنبع للاستفادة منها، واعتماد بعض مزارع الخنازير والخراف عليها ما يهدد الصحة العامة لكونها تحول تلك الحيوانات إلى حيوانات جلالة.
مياه الشرب والثروة السمكية هما من أكثر الأمور التى يساهم تلوثها فى الإضرار بصحة الإنسان، حيث تعد هى الأخرى مشكلة كبيرة تعانى منها مصر. فالآبار الملوثة التى تحفر فى مناطق معينة فى غياب القانون، تحوى عادة عديد المعادن الثقيلة. كذلك انتشار المزارع السمكية التى يقوم ملاكها بتغذية الأسماك على السبلة ومخلفات مزارع الدواجن بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، هى أيضا مشكلة كبيرة.
الانبعاثات الحرارية الناتجة من زيادة نسبة الكربون تشكل مشكلة إضافية. صحيح أنه تم الخلاص من مشكلات كبيرة كحرق قش الأرز، والتحول إلى الطاقة الشمسية، واستخدام طاقة الرياح، وكل ذلك يسير تطوره بخطى كبيرة. لكن ما زالت عوادم السيارات، والتقطيع الجائر للأشجار فى بعض المناطق، ومخرجات المصانع خاصة تلك التى تقترب من المناطق السكنية، تسبب أزمة كبيرة فى الاحترار البيئى.
بالتأكيد لا يفوتنا هنا الإشارة إلى ضعف الاهتمام بالتنوع الحيوى وتواضع خدمات البيئة فى مناطق مصرية كثيرة، وهو أمر يؤدى إلى قتل الكائنات، لأن الكثير من الاستثمارات السياحية والعقارية والصناعية تنظر دائما إلى أهداف ضيقة مرتبطة بغرض الربح فقط، وتهمل البعد البيئى أثناء تأسيس تلك المشروعات.
على أى حال، نحن نحتاج المزيد والمزيد من النشاط، حتى ترتقى مكانة البلاد بيئيا فى محيطها العالمى. هنا لا يعول المرء على أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 فيما يخص البيئة فحسب، بل على آليات إعمال تلك الأهداف دون كلل أو ملل، وحتى تعود مكانة مصر لما كانت عليه عام 2014.

عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات