العوامل الخارجية المحيطة بثوراتنا - جميل مطر - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 5:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العوامل الخارجية المحيطة بثوراتنا

نشر فى : الخميس 17 مارس 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 17 مارس 2011 - 9:30 ص
انشغل أكثرنا بالتطورات الداخلية فى مصر غير منتبه إلى أن العالم الخارجى يراقب ويرصد ويتدخل. بل إن عديدا من المحللين والمعلقين فى مصر، ودول أخرى شعوبها ثائرة، لم يهتموا اهتماما كافيا بالبيئة الدولية التى أحاطت بثوراتنا، ناسين أو متجاهلين، أن هذه البيئة كان لها دور بشكل ما، ليس بالضرورة مباشرا فى إشعال ثورة أو أخرى وليس بالضرورة دورا مؤثرا فى سرعة أو بطء صعودها وهبوطها ولكن بالتأكيد كان لها دور مطلوب وآخر مرفوض سواء من جانب فرق الثوار أو جانب فرق الحكم.

وبمتابعة تفاصيل البيئة الدولية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، أستطيع القول إن كثيرا من معالمها لم يتغير. تغيرت تفاصيل غير مهمة ولكن بقيت فى مكانها العناصر الرئيسة وبخاصة تلك التى ربما تكون قد تدخلت بدور ما بحكم مناقشتها فى دوائر صنع السياسة فى كل مرة أثيرت فيها قضية انسداد قنوات التغيير فى العالم العربى وضرورات فتح بعضها.

اخترت من معالم البيئة الدولية أربعة عناصر رئيسة لكونها الموضوعات أو القضايا التى كانت تحوز على جانب كبير من اهتمام صانعى السياسة فى العالم، واخترت فى الزمن عام 2010 باعتباره العام الذى وصلت فيه معظم العناصر أو المفاصل الأربعة إلى نتائج واضحة ومحددة توحى جميعها باحتمال انتقال قريب إلى مرحلة «ثورية» فى العلاقات الدولية.

●●●

من ناحية أولى، لم يكن لدى شك كبير ونحن نقترب من نهاية عام 2010 فى أن الغرب قد حسم أمره فى شأن خلافات الرأى الناشبة حول الموقع الذى سوف تحتله الصين فى القمة الدولية. كانت المؤشرات الاقتصادية قد سبقت غيرها لتأكيد أحقية الصين باحتلال موقع القطب الأعظم المشارك. وجاءت مؤشرات أخرى تؤكد أن الصين شرعت فى وضع خطط تأمين إنجازاتها الاقتصادية وتوسعات نفوذها الدولى، وبخاصة فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا، وثرواتها المستثمرة فى دول الغرب خاصة، عن طريق تعظيم إمكاناتها وقدراتها العسكرية وبخاصة القوة البحرية.

بحلول عام 2010 كان واضحا أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة تجاوز مرحلة القلق الذى لازمه ثلاثين عاما هى عمر الصعود المتواصل للصين وانتقل إلى قلق من نوع آخر. فالقطب الصينى الصاعد رافض بشكل مطلق أن يتبنى مفاهيم الغرب ومبادئه فى الليبرالية السياسية، ويصر على التمسك بالنهج الذى اختاره للصعود. كان هذا الاختلاف مقبولا على مضض فى مرحلة الصعود، ولكن لا يمكن أن يكون مقبولا فى مرحلة تقاسم القيادة العالمية، وبخاصة فى حال أصرت الصين على أن تبشر بهذا النهج بين دول العالم الناهضة.

أتصور أن الغرب بقيادة أمريكا، توصل فى عام 2010 إلى ضرورة العمل على حرمان الصين من تكوين كتلة عالمية تضم دولا تميل نخبتها السياسية إلى التمسك بنهج حكم أوتوقراطى بحريات مقيدة وحقوق غير مطلقة بحجة ناجحة وبراقة وهى تحقيق معدلات تنمية اسرع والنهوض اقتصاديا واجتماعيا بدون أعباء كبيرة تتحملها الطبقات الحاكمة أو الحزب المهيمن.

هنا ربما جاءت الثورتان التونسية والمصرية والثورات اللاحقة فى العالم العربى على هوى هذا النوع من التفكير فى الغرب، باعتبار ان إحلال الديمقراطية فى العالم العربى يضع هذه المنطقة خارج إطار الكتلة التى تحلم الصين بتشكيلها. هنا أيضا يتضح الفارق الكبير بين الترحيب بالثورات العربية فى الغرب من جهة وفى الصين من جهة اخرى. ففى الغرب جرى فى البداية تفخيمها، وفى الصين جرت محاولات لتجاهلها ثم شن ما يشبه التعبئة الأمنية لتعقب كل مواطن فى الصين يجرؤ على بيع أو حمل زهرة الياسمين، رمز الثورات العربية.


●●●

من ناحية ثانية، كان الظن خلال عام 2009 أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدركت نهايتها، وأن العالم على وشك أن يخرج من عنق الزجاجة الذى وضعته فيه الأزمة المالية العالمية. كان المؤشر الذى استند إليه أصحاب هذا الرأى هو عدم نشوب أزمة اجتماعية خطيرة فى الولايات المتحدة تهدد النظام الرأسمالى أو الإدارة القائمة، رغم أرقام البطالة. وفى عام 2010 استمرت البطالة فى أمريكا وامتدت الأزمة تخنق اقتصادات أوروبا دولة بعد أخرى. ولم يكتمل عام 2010 إلا وكانت أغلب دول الاتحاد الأوروبى تحاول فرض درجة أو أخرى من درجات التقشف للإمساك بالتدهور المتلاحق فى نسب العجز فى موازناتها.

كان الأمر اللافت للنظر أن أوروبا شهدت فى عام واحدا من الإضرابات والمظاهرات ما لم تشهده فى سنوات عدة. عاشت أوروبا 2010 كعام ثورة ممتدة ومنتشرة من اليونان شرقا إلى أيرلندا غربا مرورا بإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإنجلترا وبلجيكا وهولندا. حتى ألمانيا، الدولة الأقل تأثرا بتداعيات أزمة البطالة، لم تفلت من هذه «الثورة الشعبية».
كان عام 2010، عام الثورة الاجتماعية فى أوروبا، وكان عام التمهيد لثورة شعبية، سياسية اجتماعية، فى العالم العربى. قد لا تبدو الصلة وثيقة بين الثورتين، ولكن المؤكد أن «المناخ الثورى» كان محيطا بالعالم العربى ولا أقول بالضرورة موافقا أو مسببا لثورة أو ثورات عربية.

●●●

من ناحية ثالثة، بحلول عام 2010 كانت الولايات المتحدة قد توصلت إلى قناعة بأن استخدام العنف والحصار الاقتصادى كسياسة عامة فى المواجهة مع حركات الإسلام السياسى قد فشلت فى تحقيق أهدافها أو على الأقل وصلت إلى مفترق طرق يتعين عنده البحث عن أساليب تعامل جديد معها. الجدير بالانتباه هنا أن هذه الاساليب، مثلما فعلت مع أسلوب شن حروب عالمية ضد الإرهاب، ظلت تتمسك بها انظمة الحكم فى العالم العربى، واستمرت تبذل ضغوطا قوية على الرئيس أوباما لاقناعه بأنها، وأقصد الأنظمة الحاكمة العربية، تقف على خط المواجهة المباشر مع الارهاب الاسلامى وأن أى تغيير فى هذا الخط سيؤدى إلى سقوط هذه الأنظمة وتولى الإسلاميين المتطرفين الحكم. وقد شهد عام 2010 تبادل رسائل وإشارات عديدة بين واشنطن وتيارات إسلامية فى العالم العربى وخارجه، تبحث فى إمكانية تحقيق فهم متبادل بين الطرفين أساسه القبول بإدخال تعديلات «معتدلة» على مواقفهما، كل تجاه الآخر وتجاه الأنظمة الحاكمة وتجاه حدوث تغييرات ممكنة أو محتملة فى دساتير الدول العربية وهياكل الحكم فيها.

المؤكد أن هذه الإشارات والرسائل المتبادلة وصلت إلى علم كثير من الحكومات العربية وبخاصة تونس ومصر واليمن والجنوب والجزائر. وسعى بعضها من تلقاء نفسه أو بضغط أمريكى إلى تغيير «لهجة» التعامل مع خصومه الإسلاميين. لوحظ أيضا تغيير فى لهجة بعض الحركات الإسلامية مع الحكومات. وفى خطابها السياسى مثل الحديث عن تقليص طموحاتها لطمأنة الغرب والنخب الحاكمة والأقليات غير المسلمة.


●●●

من ناحية رابعة، شهد عام 2010 تصعيدا فى الاختلافات فى المواقف السياسية بين بعض دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة حول السياسات المتبعة مع إسرائيل فى شأن التسوية السلمية. وكان واضحا أن أوباما نفسه ظهر أمام الأوروبيين والعرب مشلول الحركة داخل الولايات المتحدة بسبب ضغوط الحركة الصهيونية وتدخل إسرائيل السافر فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية. سمعنا من مسئولين ومحللين سياسيين أوروبيين وأمريكيين خلال عام 2010 عن الحاجة إلى «مواقف ثورية» من جانب أطراف فى الصراع، سواء أطرافه المباشرين، أى العرب والاسرائيليون، أو أطرافه الدوليين مثل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وساد ما يشبه الاقتناع بان الأطراف العربية لم يعد لديها أو فى مقدورها تقديم الكثير فى هذا الشأن وبخاصة حكومة مصر التى تجاوز ما قدمته الحدود المعقولة أو المقبولة، بمعنى أنها استنفدت بما قدمت جميع أرصدتها العربية والإقليمية وفقدت سياستها الخارجية الصدقية اللازمة، وبالتالى فقدت التأثير، وهو ما حدث مع النظام الحاكم الأردنى وبعض أنظمة حكم الخليج وكذلك السلطة الفلسطينية فى رام الله. بمعنى آخر أجبر الإسرائيليون العرب على التجمد فى ركن اللافعالية المطلقة. عندئذ شعر الأوروبيون ومسئولون أمريكيون بخطورة أن يؤدى الجمود فى حركة التسوية بالمنطقة بالإضافة إلى جمود الحركة السياسية داخل كل دولة عربية على حدة، إلى شلل تام فى العالم العربى ينذر بتطورات «ثورية» لا يمكن التحكم فيها.

أستطيع أن أفهم الرأى الذى عقب على الاهتمام الغربى المبالغ فيه بمواقف الثورات العربية من إسرائيل والتسوية السلمية بالقول بأن هذا الاهتمام كان يعكس قلقا حقيقيا من جانب حكومات الغرب إزاء احتمالات أن تقوم اسرائيل بإحراج هذه الثورات بتدخل عسكرى أو بغيره وهو الإحراج الذى قد يتسبب فى خروج هذه الثورات عن مسارات مقبولة نحو منحنيات خطيرة وطرق وعرة، وتجربة مصر الناصرية ما زالت حية فى الذاكرة الدولية.

●●●

هكذا تصورت حال المفاصل الرئيسية للبيئة الدولية عشية نشوب الثورات العربية، واعتقد أن كثيرين يعتقدون، كما أعتقد، ان الثورات نشبت فى الأساس لأسباب داخلية ولم تنشب لأسباب خارجية، ولكنها تأثرت بلا شك بحال البيئة الدولية فى ذلك الحين، وما زالت تتفاعل معها وتبادلها التأثير.

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي