من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الإثنين 14 يوليه 2025 8:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة

نشر فى : الأحد 13 يوليه 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 13 يوليه 2025 - 8:15 م

ثمة تحول تقنى عميق يجرى أمام أعيننا، لا ضجيج فيه ولا إعلان، لكنه يعيد ترتيب علاقة الإنسان بالعمل من جذورها. وفى قلب هذا التحول، تقف مهنة المحاماة فى مواجهة اختبار وجودى، لا يتعلق بصلاحيتها، بل بقدرتها على مواكبة أدوات العصر ومفاهيمه الجديدة.

فى الوقت الذى تُطلق فيه كبرى الشركات العالمية خططًا لتقليص عدد الموظفين لصالح نماذج الذكاء الصناعى، أصبحت الأسئلة التى كانت تُطرح همسًا فى أروقة الجامعات ومعاهد التدريب، تُطرح الآن بصوت عالٍ: هل الذكاء الصناعى سيحل محل المحامى؟ وهل ستبقى المهنة كما نعرفها؟

التقارير الصادرة عن مؤسسات كبرى مثل «فورد» و«جى بى مورجان» و«أمازون»، لا تُخفى نواياها، بل تُعلنها بوضوح: نصف الموظفين قد يُستبدلون بالآلة، والوظائف التقليدية حتى ذات الطابع التحليلى لم تعد خطًا أحمر. لا حديث هنا عن المصانع فقط، بل عن المكاتب، والمذكرات، والتحليل المالى والقانونى، على حد سواء.

ومن اللافت أن بعض قادة التقنية أنفسهم بدأوا يدقّون ناقوس الخطر. ففى تصريح لافت لرئيس شركة «Anthropic» قال بوضوح إن «نصف الوظائف المبتدئة فى أمريكا ستختفى خلال خمس سنوات»، محذرًا من موجة بطالة لم تشهدها الأسواق الحديثة منذ عقود.

الحقيقة أن الخطر لا يكمن فى الذكاء الصناعى، بل فى التقليدية. فى أن يُصرّ بعض الممارسين على أداء أدوار يمكن للآلة أن تؤديها بدقة وسرعة أكبر: تلخيص، تنسيق، تحرير، كتابة مكررة.. بينما تتراجع مهارات التحليل العميق، وبناء الاستراتيجية القانونية، وفهم السياق الاجتماعى والتشريعى للنزاعات.

ما يجب أن يحدث الآن ليس الصدام مع الذكاء الصناعى، بل التكامل الذكى معه، عبر مسارات استباقية يمكن تلخيصها فى الآتى:

•    إدراج الذكاء الصناعى القانونى ضمن مناهج كليات القانون، لا كمادة تقنية مضافة، بل كأداة مهنية تمس صلب التدريب القانونى والتفكير التحليلى.

•    تطوير مسارات تدريب إلزامية ومستمرة للمحامين، تُمكّنهم من أدوات العصر الرقمى، على غرار ما يُطبّق فى كبرى الأسواق القانونية حول العالم.

•    إعادة تصنيف المحامين وفق كفاءات جديدة تشمل التحليل، التمكّن من الأدوات التقنية، وسرعة الإنجاز، لا فقط سنوات الخبرة أو المزاولة التقليدية.

•    تشجيع مكاتب المحاماة على التحوّل من النمط الفردى إلى النموذج المؤسسى الذكى، وذلك لا يعنى بالضرورة تأسيس شركة كبيرة أو توظيف العشرات، بل يكفى اعتماد نموذج إدارى احترافى يتضمن:

- حوكمة داخلية واضحة (مهام، ملفات، تسلسل مسئوليات).

- استخدام أدوات إدارة القضايا والعقود بشكل رقمى متكامل.

- بناء منصات داخلية بسيطة لتنظيم العمل ومتابعة العملاء.

- تخصيص مسارات تقنية لإدخال الذكاء الصناعى فى الصياغة والمراجعة القانونية.

- وضع خطة تطوير سنوية لكل عضو فى الفريق، تشمل التدريب، الأتمتة، والتحليل.

ومن المؤكد أن مهنة المحاماة لن تنقرض أو أن ينحسر دور العقل البشرى فى ممارستها. لكنها ستتبدل. ومن سيبقى ممارسًا لها ليس من يجيد «الورق»، بل من يتقن «الخوارزميات». فالعدالة كانت دائمًا تعتمد على الإنسان، لكنها فى هذا العصر ستعتمد على الإنسان الذكى الذى يتقن أدوات العصر.

ولعل من المناسب فى هذا السياق أن يُدرس بشكل موضوعى مقترح استحداث رخصة مهنية تقنية للممارسين القانونيين، تعزز من مناعة المحامى فى السوق، وتُعيد رسم خريطة التميّز فى هذه المهنة النبيلة.

فراس طرابلسي

جريدة عكاظ السعودية

النص الأصلي

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات