شكل آخر من أشكال «التمكين» - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شكل آخر من أشكال «التمكين»

نشر فى : الثلاثاء 17 يونيو 2014 - 5:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 يونيو 2014 - 5:35 ص

مكّنت التلفزة الوطنية، منذ سقوط النظام، التونسيين من اكتشاف بعض أوجه الفساد فى نظام بن عليّ، وإدراك ما اقترفه الطرابلسيّة وغيرهم من انتهاكات. غير أنّ الانكباب على تفكيك منظومة الفساد لم يشكّل، فى الغالب، هاجسا مختلفا لوسائل الإعلام العمومية ولم تعره صحافة الاستقصاء إلاّ جانبا من اهتمامها. ولعلّ كثرة الأحداث التى مرّت بها البلاد (السلفية الجهادية، الإرهاب، الاستقطاب الحديّ، انهيار المقدرة الشرائية، الاغتيالات السياسية) تبرّر قلّة الاهتمام بالحفر والنبش والتوثيق والتحليل والتفكيك، هذا إلى جانب قلّة الصحفيين المختصّين فى هذا المجال. وفى المقابل اكتفت بعض وسائل الإعلام الخاصّة بالتطرّق إلى مظاهر الفساد، ولم يكن يعنيها فهم الأسباب وتحليل السلوك بقدر ما كان همّها عرض الخبر المثير الذى يحقّق أكبر نسبة مشاهدة. ويعزى الفضل إلى بعض الجمعيات التى تأسست لمكافحة الفساد فى كشف المستور والتنبيه إلى استمرار مظاهر الفساد بل انتعاش البعض منها. ولعلّ ما أدلى به الدكتور سامى الرمادى من معلومات بخصوص رئاسة الجمهورية، وتصرّفات الرئيس ومسئولين ساميين فى الدولة يثبت انبلاج عهد جديد يضطلع فيه المواطن بمسئولية الكشف عن مسالك الفساد وتعدّد مظاهره. ولما كانت الحكومات المتعاقبة قد سلكت نفس التوجّه مؤثرة سياسة العمى، والتجاهل على تحمّل المسئولية، واتّخاذ القرارات الجريئة فإنّ مواقع التواصل الاجتماعى أضحت الفضاء الوحيد المتاح لعرض أخبار الفساد والمفسدين، والتشهير بأبرز المورّطين، وإن اغتنم بعضهم هذه المساحة الحرة لتصفية حسابات شخصية وتكريس «الفضائحية» على حساب المواطنيّة.

•••

والملفت للانتباه فى الأحداث المتداولة على المواقع التواصلية خلال هذا الأسبوع، كثرة الأخبار المتصلة بالفساد فى قطاعات مختلفة: الشركات النفطية، المؤسسات الاقتصادية، المؤسسة الأمنية، المؤسسة التربوية والتعليمية.. وتوجيه أصابع الاتهام إلى قياديين فى الأحزاب، وكبار المسئولين فى مختلف الوزارات ونقابيين، ومرّبين وأمنيين وغيرهم. فضلا عن مقتل موظف كان قد نشر ملفات تخصّ الفساد فى مؤسسته، وإطلاق جامعيّة صيحة فزع لتلقيها تهديدات بالقتل بسبب كشفها عن شبكة مفسدين. ولكن تحوّل هذه الأخبار إلى حديث الناس لم يحرّك ساكن الحكومة ويدفعها إلى تحمّل مسئوليتها، والحال أنّ ملفّ الفساد غير قابل للتأجيل لجملة لأسباب نجمعها فى الآتى:

لابد من توفّر إرادة سياسية قادرة على صياغة سياسة خاصّة لمواجهة كلّ أشكال الفساد. وليس التهاون فى مواجهة هذا الملف إلاّ محاولة للتهرّب من حقيقة مفادها أنّ المستفيدين من منظومة الفساد لازالوا فى مواطن صنع القرار، يحافظون على مصالحهم. إنّ «تمكّن» الفساد علامة دالة على اهتراء مؤسسات الدولة وهو عقبة تحول دون التغيير والتطوّر والتنمية. لا يمكن إجراء انتخابات شفافة ونزيهة والحال أنّ تأمين الآليات الكفيلة بالحدّ من أشكال الفساد غير متوفّر. كما أنّ الأوضاع الاقتصادية المتردّية توفّر أرضية ملائمة لشراء الذمم فى مقابل سدّ الرمق. وقد بدأنا نلمح هذه الحملات التى لا يتوانى فيها أصحابها عن توظيف المال لشراء الأصوات. لا يمكن بلورة سياسة أمنية لمواجهة الإرهاب (الدينى والفكرى) دون فهم البيئة الحاضنة، وتفكيك منظومة الفساد التى تتصف بالشمولية. فما جرى فى مؤسساتنا التعليمية من عمليات غشّ فى الامتحانات معضودة بالتكنولوجيا، وتواطؤ بعض الأساتذة خوفا من العنف أو اقتناعا بأن لا سبيل إلى الارتقاء دون الغش غير معزول عن بنية ذهنية تبرّر الفساد تحت مسميات مختلفة: نكاية فى الطاغوت، أو بنى علمان، أو دولة الكفر، أو إيمانا بأنّ الغاية تبرر الوسيلة. لاستشراء الفساد صلة بفهم المصطلحات (المصلحة العامة، المال العامّ... ) وتمثّل القانون. ففى ظلّ غياب ثقافة الإيمان بالقانون ودولة القانون يغدو التطاول على القوانين الرادعة سلوكا مقبولا «لتسليك الأمور»، لاسيما وأنّ الإفلات من العقاب صار متفشيّا. وهذا يعنى أنّ دسترة قوانين مكافحة الفساد لا تكفى بل يتعيّن المبادرة بتفعيل النصوص الزجرية على أرض الواقع، وهذا لا يمكن أن يتحقّق دون ضمان استقلالية القضاء، وتجذير ثقافة المواطنة.

•••

يبدو أنّ ثقافة المساءلة والمحاسبة والعدالة والنزاهة لم تستطع أن تربك الثقافة المهيمنة القائمة على الانتهازية والوصولية، ويبدو أنّ الشعب الذى توحّد من أجل إسقاط النظام عجز عن أن يتوحّد من أجل إقامة نظام ديمقراطى والسعى إلى الحدّ من ظاهرة الفساد. وهو أمر مفهوم فى ظلّ انتشار الشعبويّة، وهشاشة ثقافة المواطنة، واهتراء المنظومة القيمية التى لم يعد بإمكانها تحصين المواطن/ة من الانسياق وراء «فتنة» الفساد.

التعليقات