نعم.. هناك «إخوان» سعوديون - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نعم.. هناك «إخوان» سعوديون

نشر فى : الأربعاء 20 أغسطس 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 أغسطس 2014 - 8:20 ص

تساءل الكاتب السعودى منصور النقيدان، فى مقال له بجريدة «الاتحاد»، قبل أسبوعين، عما إذا كان هناك «إخوان» سعوديون فى المملكة العربية السعودية؟ مشيرا إلى أن «التعاطى الداخلى مع «إخوان» السعودية، مبنى على توصيفهم الذى لايزال عائما ومشوشا». ويضيف قائلا: «إن التوصيف لا يمكن ضبطه، مما يدفع السعوديين للتعامل مع كل حالة على حدة». ويذكر فى مقاله، أن السعودية تتحالف الآن مع «الإصلاح» اليمنى، أى الإخوان المسلمين فى اليمن، فى ضرب وتقليص تمدد الحوثيين، إضافة إلى تحالفها مع «إخوان» العراق وسوريا!

وفى هذا الإطار، يؤكد الكاتب، وهو الخبير فى شؤون الإسلام الحركى فى السعودية، وعلى دراية عميقة بالمؤسسة الدينية ورجالها وعلمائها وتأثيرها، وجود «موالين ومنتسبين للجماعة الإخوانية»، وأنهم «نشطون وأقوياء ونافذون» رغم الحملة الإعلامية ضدهم.

ولا مجال للشك، فى إدراك المؤسسة الأمنية السعودية، لخطورة «الإخوان»، فى ظل استشراء التطرف والغلو والإرهاب «الجهادى»، وعبوره الحدود الجغرافية، وتحدث كاتب سعودى آخر (جمال خاشقجى) فى جريدة «الحياة»، قبل أيام، عن «الحالة الداعشية» فى السعودية، والتى تحظى بشعبية محترمة، على حد قوله، وبخاصة فى وسائط الإعلام الاجتماعى، فضلا عن وجود أكثر من خمسة آلاف مقاتل سعودى يقاتل فى صفوف داعش.

لذلك لم يكن مفاجئا أن يطالب خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فى خطاب له قبل أيام، «العلماء بترك الكسل، والتخلى عن الصمت، وإدانة الإرهاب». وقد عنون الكاتب منصور النقيدان مقالا آخر له «الملك يوبخ العلماء».

•••

نعرف أن هناك حاجة ماسة لصيانة الدين فى أزمنة المتغيرات الجارفة، وندرك مدى ثقل «النخب الدينية» فى بعض مجتمعات الجزيرة العربية والخليج، مقارنة بثقل «النخب المدنية»، وهو ثقل اشتركت عوامل تاريخية متعددة فى توليده، وقد تكون عملية تعديل هذا الثقل معقدة وغير يسيرة، إلا أنها أضحت بكل المعايير الوطنية، قضية مفصلية تطال الحاضر والمستقبل. وتؤسس لمعادلات جديدة فى إدارة المجتمعات، فى ظل أوضاع متغيرة وحدود مشتعلة.

فى وطننا العربى، هناك من استحضر «الإمامة»، وهناك من استحضر «الخلافة»، وهناك من العلماء من لا تتعدى مخالفتهم للدواعش سوى القول بأن المدعو «الخليفة البغدادى» (لا تتوافر فيه شروط الخلافة والبيعة)، لكأنما المطلوب هو «أمير للمؤمنين، لكن بشروط أفضل».. فهل هناك مأساة فكرية وعقلية أكبر من ذلك؟ صمت كثيرون، ولم يقل أحد منهم إن الخلافة ليست جزءا من الدين، لكنهم «دفّعوا» الدين ثمنا للتصنيف المذهبى، وسكتوا عن إقحام الدين فى مواجهة الدولة الوطنية بالقوة.

فى مقال منصور النقيدان الأول، ما يثير التساؤل، إن لم يكن القلق، وبخاصة حينما يتحدث عما أسماه بـ «صفقة» يعرضها «إخوان» السعودية، ويصف اللحظة بأنها «لحظة مثالية» لـ«الإخوان» لتقديم تنازلات، لتجميل وجوههم، وطرح أنفسهم حلفاء مناسبين للحكومة، وتشمل أبعاد الصفقة أولا التعاون لتحجيم رقعة تعاطف الشباب السعودى مع الإرهاب المسلح، وثانيا التحالف مع الحكومة ضد التمدد الشيعى والنفوذ الإيرانى فى المنطقة، وثالثا ردع «الإخوان» عن التطاول على الإمارات وحكامها، والتحريض على سلمها الاجتماعى، وكل ذلك فى مقابل: «إطلاق العنان لـ«الإخوان» لممارسة دورهم القديم (!!) وممارسة أنشطتهم ضمن الحدود المتفق عليها، التى تضع فى الاعتبار إرضاء مؤسسة الحكم، وعدم إحراجها مع الأشقاء والحلفاء».

إن صح هذا التوجه، أو هذه الصفقة المفترضة، فإنها لا تعنى سوء العودة إلى «المشروع الإخوانى الأفغانى»، بكل أفكاره واختياراته وانتماءاته التى تستحوذ عليه، والتى سلخته عن «هويته الجغرافية» التى أسمها وطنا، ودولة وطنية.

إن أىة صفقات مع جماعة «الإخوان»، هنا أو هناك، نتائجها هى تدفق حمم براكين أخرى فى المنطقة، ونداؤها دوما «مطلوب مهاجرون للجهاد» بدءا من «خلافة» داعش، وتناسل كوارث جديدة، وسلالات طبيعية لـ«فقه داعش».

•••

إن البيئة الفكرية و«الدينية» التى أثمرت الإسلام «الإخوانى الأفغانى»، هى نفسها التى تتحفنا اليوم بـ«الجهاد» المقدس فى سيناء، وبمخلوقات داعشية وقاعدية، بعد أن تراجع الدينى والروحانى والأخلاقى، أمام القتل باسم الإسلام، وطالما بقيت هذه الثقافة، وهذه البيئة الفكرية والإيديولوجية، سيبقى الغلو المسلح، ويتعمق وجوده، وتتعدد أشكاله، ويتساوى هذا العنف الأعمى مع الصمت والسكوت عنه. ولنتذكر أنه على هدى كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، تأسست جماعات التكفير والقاعدة وملحقاتها ومتفرعاتها، وولّدت شبابا غاضبين لا ينقصهم الحماس، بقدر ما ينقصهم الوعى والفقه الصحيح.

على أيدى هؤلاء، تحول مفهوم الجهاد، من مفهوم إنسانى وحضارى وروحى وعقلى، يخدم الحياة كقيمة فى ذاتها، ويجاهد لترقيتها إلى مفهوم الموت والقتل بحثا عن «الشهادة» والفوز بالنعيم الأبدى.

لقد سمح لجماعات الإخوان، فى الجزيرة العربية والخليج، فضلا عن مصر والأردن واليمن وغيرها، على مدى أكثر من خمسة عقود، للعمل الدعوى والسياسى والاجتماعى والتربوى والاقتصادى، وتحالفت هذه الجماعات مع أنظمة حكم متعددة، (حتى إن «إخوان» سوريا تحالفوا مع نظام صدام حسين). ودخلت هذه الجماعات لعبة السياسة والبرلمانات والحكومات، ووظفت «التدين الشعبى» لأغراضها السياسية.. وامتلكت عقلية «براجماتية»، وروّجت الطفرة النفطية لهذا النوع من التصور للإسلام الحركى، ولشخصيات إرشادية وتبليغية تملك جاذبية شعبية، لكنها اليوم انتهت إلى الصمت، أمام من اختطف الإسلام، وقدمه للعالم، بأنه دين التطرف والكراهية والقتل، وإذا ما تواصل هذا العنف الأعمى والسكوت الشيطانى عنه، فإن أجيالا ستتوالد، لا تؤمن بغير العنف والقتل.

•••

لنعترف بأن الوضع الراهن فى وطننا العربى، يتسم بالارتباك الشديد، فى جميع دوائر صنع القرار، وأن مجتمعاتنا عرضة لامتحانات صعبة، ومواجهة تحديات خطيرة، ويبدو الآن عالمنا العربى، فى قائمة أكثر الدول ضعفا وتفككا وحروبا أهلية ونزوحا وتهجيرا وعنفا، ومن أكثر الأمم التى تنتشر فيها الجماعات الإسلامية المسلحة، بخطاباتها الدموية المتوحشة. وفى الوقت نفسه فإن هذا التفكك فى بنية المجتمعات، ونسيجها الاجتماعى، أثر سلبا فى أسس توازن القوى فى الإقليم، ولنتذكر كيف اخترقت إيران وتركيا الوطن العربى، بحثا عن موطئ قدم لهما، من خلال بوابتى فلسطين والدين، وجرى ما جرى، حيث دفعت فلسطين ثمنا من خلال إعادة تعريفها خارج «عروبتها» السياسية، ودفع الدين ثمنا من خلال التصنيف المذهبى.

ثمة حاجة اليوم إلى منهجية مختلفة ومغايرة للتعامل مع هذه التحديات الهائلة، بحاجة أولا إلى حوار على مستوى النخب السياسية والمثقفة ودوائر التفكير فى المنطقة، بدءا من دائرة التحالف المرن القائم بين مصر والسعودية والإمارات، إذ لا يكفى أن يبقى الحوار والتواصل فى الأطر الرسمية، ومن المفيد والحكمة أن يتم تفعيل الطريق الدبلوماسى الشعبى، لترسيخ وتقوية هذا التحالف، وإثرائه بالأفكار والرؤى.

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات