الرشاوى الانتخابية.. هل يكفي الوعي؟ - محمد بصل - بوابة الشروق
الخميس 20 نوفمبر 2025 8:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

الرشاوى الانتخابية.. هل يكفي الوعي؟

نشر فى : الخميس 20 نوفمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الخميس 20 نوفمبر 2025 - 7:20 م

بعد أربع وعشرين ساعة من بيانه السياسي غير المسبوق بشأن انتخابات مجلس النواب الذي أحيا الاهتمام بها، أفرد الرئيس عبدالفتاح السيسي خمس دقائق من حواره مع الشباب المتقدمين للالتحاق بأكاديمية الشرطة للحديث عن قضية بدا أنها تؤرقه كثيرًا، وهي الرشاوى الانتخابية، أو بالأحرى استخدام المال السياسي في التأثير على إرادة الناخبين الحقيقية، سواء في مرحلة الدعاية أو لحشد الناخبين للتصويت في اتجاه معين.

تكلم الرئيس عن جميع الانتخابات، النيابية والرئاسية، وحذر المواطنين بعبارات قاطعة من بيع أصواتهم مقابل "أنبوبة أو بون أو فلوس أو أي حاجة مقابل اختيار شخص غير صالح.. أحمق أو جاهل أو متخلف أو متردد أو مش فاهم أو مش جاهز" مشددًا على أن تلك الرشاوى في جميع صورها "ماتساويش حاجة مقابل الصوت الانتخابي" ومنبهًا إلى خطورة أن "يستقل المواطن صوته ويقول أنا واحد من كام مليون" فالوعي والأمانة الوطنية يقتضيان الاجتهاد للاختيار الصحيح.

ركّز الرئيس على "الوعي" كسلاح أساسي يحمي صوت المواطن المصري من الإهدار على الطريقة التي شاهدناها في مئات مقاطع الفيديو المنتشرة في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، حيث يُحشَد الغلابة مقابل البونات والكراتين وغيرها من المُغريات المادية، وأحيانًا رأيناهم بعد التصويت يبحثون عمّن تعهّدوا بمنحهم تلك العطايا ولم يوفوا بها.

ذكّرني حديث الرئيس بموقف حضرته في دائرة بوسط القاهرة في انتخابات مجلس الشعب 2010. لاحظت مع زميلين صحفيين أن أحد مرشحي الحزب الوطني المنحل يوزّع المواد الغذائية والعينية على الناخبين لحشدهم ضد منافسه المستقل.

كنّا متحمسين للتوعية ضد تلك الممارسات أكثر من ضبط التجاوزات ونشرها على سبيل فضح ممارسات الحزب الحاكم آنذاك، فأخذنا ننصح السيدات المسنّات والشباب بخطورة الرضوخ للابتزاز، ونحثهم على التصويت للمرشحين المنافسين بعدما "قبضوا" بالفعل، على طريقة أغنية "اقبض منه انتخب ضده" التي أطلقها الفنان اللبناني غسان الرحباني عام 2009. ولكن فوجئنا بعاصفة من الردود العنيفة واتهامنا بـ"قطع الأرزاق" والتهديد بالإيذاء، ليس من أنصار المرشح بل من الناخبين أنفسهم.

فالانتخابات عندهم ليست إلّا موسمًا لأكل العيش من وراء المتنافسين، وأيّ اعتبارات أخرى كأمانة الكلمة "محصّلة بعضها". أما الفتاوى الدينية بتحريم الرشى وشراء وبيع الأصوات والسمسرة بها فتتوارى في تلك المناسبات خلف فتاوى تحريم الامتناع عن التصويت التي تُروّج على نطاق واسع.

منذ ذلك الحين، مرورًا بثورتين والعديد من المناسبات الانتخابية، لم أعد حانقًا على من يبيعون أصواتهم مقابل لقمة. أصبحت مشفقًا عليهم. لقد تركناهم ضحية لوحوش بلا ضمير، استمرأت المتاجرة بأبسط الحقوق واغتصاب الأصوات مقابل الفتات.
وإذا اعتبرنا الوعي الذاتي بمفهومه الشامل –كما ننشده وشرحه رئيس الجمهورية- القاعدة الأساسية لحماية إرادة الناخبين، فإنها تبقى مُعرضة دائمًا للاختراق إذا لم تكملها ثلاثة أضلع لا تقل أهمية.

الضلع الأول هو توفير ضمانات المنافسة الحقيقية في مناخ عام مفتوح لا يستبعد المعارضين، ويدفع بأصحاب البرامج لا أصحاب المصالح وراغبي الانتفاع والشهرة الذين يلجأون إلى المال لتعويض ما يفوتهم من الأفكار الجادة.

أما الضلع الثاني فهو الملاحقة الصارمة لتجّار المال السياسي. وأعتقد أن لدينا الآن حالات مثبتة تسببت في "مخالفات جوهرية" بتعبير الهيئة الوطنية للانتخابات، استدعت إلغاء الجولة الأولى في 19 دائرة، تنطبق عليها المادة 65 من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تجرّم الرشاوى الانتخابية، وتصل عقوبتها إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة.

إذا توافرت إرادة المواجهة، فلن تكون هذه الجرائم ملتبسة أو صعبة الإثبات كما صرّح أحد المسئولين عن الانتخابات مؤخرًا، بل يمكن الاستدلال عليها في جميع الدوائر –خاصة الـ19 الباطلة- من شهادات الناخبين مع توفير الحماية الأمنية اللازمة لهم.

أما الضلع الثالث والأهم فهو الحماية الاستباقية للمواطنين في المناطق الأكثر فقرًا. نعم؛ لن يتغير الواقع بين يوم وليلة ويصعب للغاية تلبية جميع الاحتياجات بالتوازي في مناطق مختلفة. لكن الحكومة تملك من المعلومات والصلاحيات ما يسمح بضخ المزيد من الإعانات الاجتماعية عبر مبادراتها المختلفة والجمعيات الأهلية فبل مواسم الانتخابات تحديدًا، مع ضمان وصولها بعمومية وشفافية وألّا تُستغَل عبر حلقات وسيطة للتخديم على أحزاب ومرشحين.

الوعيُ لا يكفي. نحتاج إلى مظلة تضمن الكفاية والاستدامة، وإلى عدالة ناجزة ضد المفسدين، ثم يمكننا الحديث عن انتخابات تمثيلية حقيقية في مناخ من الحرية السياسية وتكافؤ الفرص.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات